رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتصاد الظل

 

اقتصاد الظل، الموازى، الرمادى، الخفى أو الاقتصاد غير الرسمى فى شمال إفريقيا، كان موضوع مائدة مستديرة رفيعة المستوى، عقدها صندوق النقد الدولى، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والمالية المغربية، وجامعة محمد الخامس بالرباط، شاركت فيها الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، عبر الفيديو كونفرانس، وتناولت خلالها، حسب بيان أصدرته الوزارة، بعض جهود الحكومة المصرية، لتشجيع انتقال القطاع غير الرسمى إلى القطاع الرسمى، كما أشارت إلى عدد من التحديات والعوائق، التى لا تزال قائمة. 

دراسة مسحية أجراها صندوق النقد الدولى على ١٥٨ دولة خلال ربع قرن، تحديدًا منذ ١٩٩١ إلى ٢٠١٥، أظهرت أن متوسط حجم الاقتصاد غير الرسمى فى هذه الدول يبلغ نحو ٣٢.٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى الاقتصاد الرسمى لها، ووصلت النسبة فى مصر إلى ٣٤.٣٪، ثم نزلت إلى ٣٠٪، حسب التعداد الاقتصادى لسنة ٢٠١٧/ ٢٠١٨، الذى قال إن القطاع غير الرسمى يوظّف نصف قوة العمل، ويستحوذ على ٥٣٪ من إجمالى المنشآت فى قطاعات الأنشطة الاقتصادية. كما قدرت دراسة أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات، أواخر ٢٠١٨، حجم الاقتصاد غير الرسمى، فى مصر، بحوالى أربعة تريليونات جنيه.

الأرقام والنسب تقريبية أو تخمينية، لأن الاقتصاد غير الرسمى، أو الخفى، كما هو واضح من اسمه، يكون بعيدًا عن كل أجهزة الرصد والإحصاء، ولا يدخل فى حسابات الناتج المحلى الإجمالى للدولة، وغير مدرج فى سجلات الضرائب، ولا يخضع العاملون فيه لقوانين العمل أو لأنظمة الحماية الاجتماعيّة. مع ملاحظة أن المصطلح لا ينسحب على الأنشطة غير المشروعة كزراعة وتهريب وتجارة المخدرات وغيرها. لكنه يتسع ليشمل كل القطاعات المنتجة للسلع والخدمات، بدءًا من مصانع بير السلم وكيانات الأعمال المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وليس انتهاءً بالصنايعية وباعة الأرصفة وغالبية الأطباء!.

لواضعى السياسات فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، قدمت دراسة حديثة للبنك الدولى، خمس توصيات عامة: اتباع نهج شامل، لأن الاقتصاد غير الرسمى يعكس تأخرًا واسع النطاق ولا يمكن التصدى له بمعزل عن غيره.. ضرورة تكييف التدابير بما يتلاءم مع ظروف كل بلد.. تحسين فرص التدريب والتمويل والوصول إلى الأسواق.. تحسين نظم الحوكمة ومناخ الأعمال.. وكانت التوصية الخامسة هى تبسيط اللوائح الضريبية، لخفض تكلفة التشغيل فى الاقتصاد الرسمى وزيادتها فى الاقتصاد غير الرسمى.

الدراسة عنوانها «الظلال القاتمة للاقتصاد غير الرسمى: التحديات والسياسات»، وصدرت فى مايو ٢٠٢١، ووصفوها بأنها أول تحليل شامل لمجموعة البنك الدولى يدرس حجم الاقتصاد غير الرسمى وتداعياته. لكن قبل صدور هذه الدراسة، كانت الحكومة المصرية قد بدأت تنفيذ تلك التوصيات، منذ سنة ٢٠١٦ مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، وصولًا إلى برنامج الإصلاح الهيكلى، الذى أطلقته فى ٢٦ أبريل ٢٠٢١، ليبدأ العمل به مع بداية السنة المالية ٢٠٢١/٢٠٢٢ ولمدة ثلاث سنوات مقبلة، والذى كان دمج الاقتصاد غير الرسمى فى قطاع الاقتصاد الرسمى من أهم محاوره.

المادة ٢٨ من دستور ٢٠١٤ ألزمت الدولة بأن تولى اهتمامًا خاصًا بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى كل المجالات، وبأن تعمل على تنظيم القطاع غير الرسمى وتأهيله. وتأسيسًا على ذلك، ركزت الحكومة منذ إطلاق رؤية مصر ٢٠٣٠، على الاستثمار فى عدة قطاعات إنتاجية بخلق وظائف لائقة مستدامة، وتخفيض العمالة غير الرسمية، وأطلقت البرنامج الوطنى للإصلاح الهيكلى، الذى تضمن مجموعة موسعة من الإصلاحات الهيكلية والقانونية. كما كان قانون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، القانون رقم ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠، خطوة مهمة نحو تشجيع انتقال القطاع غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمى، بما قدمه من حوافز مالية وغير مالية وتسهيلات ائتمانية وبرامج تدريبية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن التعاملات النقدية لا تزال هى العائق الأكبر أمام كشف حجم الاقتصاد غير الرسمى، ووضعه تحت المظلة الرسمية، أو على الأقل تحت أعين أجهزة الرصد، الإحصاء، الرقابة أو المتابعة، غير أن هذا العائق قد يختفى قريبًا مع الاهتمام الكبير الذى توليه الدولة بالتحول إلى الاقتصاد الرقمى.