رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا بعد المارشالية الجديدة؟ خطة لإعمار أوكرانيا تحت الحرب!

بعد مرور أكثر من 100 يوم على بدء اللعبة الروسية، من خلال حرب الرئيس فلاديمير بوتين، الغزو الذي غيّر مفاصل عالمية مذهلة في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية والدولية وصناعة الاختلاف، قبل أن يغيّر أوكرانيا؛ ذلك أنه غير العالم، فعلا. 
بوتين، أقنع الكرملين بأنه يقود لحظة عسكرية وصفها بالوضوح والخداع بأنها "عملية  عسكرية خاصة"، سرعان ما كشفتها الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف الناتو والأمم المتحدة بسرعة، فقد تحولت إلى حرب "استنزاف دموية" يصفها الكثيرون من القادة في البنتاغون والناتو، بأنها إبادة جماعية.

  • أسرع خطط الاحتواء

حرب القرن الأول من الألفية الثالثة، صراع دموي  أودى حتى اللحظة بحياة أكثر من 4000 مدني، وشرد الملايين من اللاجئين الأوكرانيين، وأدى إلى صيغ قانونية وسياسية ومحاكمات جرائم الحرب، بما في ذلك العقوبات ضد روسيا الاتحادية وأولها في العالم. 
.. إنها قرقعة لحرب مختلفة قد تتطور مع امتداد سياسي/ أمني رافق تحريضا على سياسة العضوية في الناتو، تزامن مع أسرع خطط الاحتواء الجيوسياسية، وارتفاع أسعار الوقود  وتحديدا الغاز والبنزين والغذاء بالذات الحبوب والزيوت، أزمات شملت المنطقة والشرق الأوسط، تحول اقتصادي نحو الغلاء، وسريعًا حاولت الولايات المتحدة، وحلف الناتو احتواء الأزمة العالمية.

*خطة مارشال لإنقاذ أوكرانيا تحت الحرب!

من نادى بهذا المقترح الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي الإسرائيلي "آرييل كوهين"، الذي يعد زميلا أول غير مقيم في المجلس الأطلسي، ومدير برنامج الطاقة والنمو والأمن في المركز الدولي  للضرائب والاستثمار. وهو مؤلف كتاب "الإمبريالية الروسية: التنمية والأزمة".
"كوهين"، دعا إلى سياسة اقتصادية تتزامن مع صوت المدافع، وقال:
"حتى قبل أن تسكت ساحات القتال، بدأت بالفعل المعركة من أجل الحصول على المليارات من ميزانيات إعادة الإعمار الأوكرانية". 
وكشف، في قراءة استباقية عما:
"دافع كبار صانعي السياسة الأمريكية، بمن فيهم وزيرة الخزانة جانيت يلين، عن حزمة المساعدة الأولية لأوكرانيا، والتي تم تمريرها (86-11) في مجلس الشيوخ في 19 مايو".

من موقعه المتابع في المجلس الأطلسي، قال إن : "الحديث عن برامج إعادة إعمار محددة أثناء استمرار القتال سابق لأوانه. هذا ليس شكًا تجاه مساعدة أوكرانيا من حيث المبدأ. كل قطرة من المساعدات العسكرية المفيدة والدعم المالي يمكن ويجب توفيرها. ولهذه الغاية، سيكون التعاون عبر المحيط الأطلسي والتعاون الأوروبي أمرًا حيويًا لمساعدة أوكرانيا على استعادة اقتصادها بعد انتهاء الحرب".

* 550 إلى 600 مليار دولار على مدى 10 سنوات.


"كوهين"، يصل إلى أن: "المبالغ التي تم جمعها مذهلة: من 550 إلى 600 مليار دولار تتم إدارتها على مدى 10 سنوات. نظرًا لأن أوكرانيا جزء من أوروبا، وبما أن الولايات المتحدة تتحمل بالفعل معظم عبء المساعدة العسكرية، فإن توزيع المساعدات بنسبة 70/30 بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يجب أن يكون عادلاً فقط".

.. يحاول التحليل، وضع مبررات الإنقاذ لأوكرانيا، التي فقدت البنية التحتية، والمدينة، وتعيش ويلات الحرب، من دولة عظمى، نووية، ويرى أنه: "بينما قد تحاول الدول الغربية الادخار من خلال استخدام احتياطيات العملة الروسية المجمدة، تشير التقديرات إلى أنه تم اعتقال بين 250 و300 مليار دولار فقط. يدعو رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل إلى مصادرة هذه الأموال وتوجيهها لتعافي أوكرانيا، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الوضوح لمصادر القانون لمصادرة هذه الاحتياطيات وإعادة استخدامها".

.. ولأنها تلك الحرب الممتد، أثرها، ليس في نطاق أوروبا أو الولايات المتحدة، فهو يضع الرؤية، ويدعم ها بالقول: "قد يكون مصدرا آخر للادخار هو جلب الحلفاء الآسيويين- اليابان وكوريا وربما تايوان- للاستثمار أيضًا، من أجل موازنة مشاركة الصين في الاقتصاد الأوكراني، نحن بحاجة إلى منظور تاريخي لتحليل خطط إعادة الإعمار الأوكرانية بشكل أفضل" .

*العودة إلى خطة مارشال أوروبا بعد الحرب الثانية

 

في عودة إلى الوراء، ناظرا إلى دلالة الحرب بعد مائة يوم دموية، فيلجأ إلى مقارنة خطة مارشال، التي أعادت إعمار أوروبا بعد الحروب الكونية الأولى والثانية، ويقارن: "كان 15 مليار دولار فقط للاقتصادات الأوروبية الكبرى في عام 1948، مع التهديد الوجودي من الاتحاد السوفيتي لستالين الذي يلقي بظلاله على أوروبا. كانت فرنسا وإيطاليا على حافة الهاوية، حيث كانت الأحزاب الشيوعية القوية تهدد مستقبلهما. المملكة المتحدة، شقيق الدم للولايات المتحدة، تلقت ربع الطرد؛ استقبلت فرنسا أقل من الخمس؛ ألمانيا الغربية، دولة الخط الأمامي، تلقت نسبيًا أكثر من الاقتصادات الأصغر. كانت المساعدة لألمانيا حيوية بشكل خاص، حيث أظهرت الإخفاقات السوفييتية في ألمانيا الشرقية وأظهرت الكرم والاحترام الذي تحظى به أمريكا مع حلفائها. وبمعايير اليوم ، يصل هذا إلى 179 مليار دولار لأوروبا الغربية بأكملها. صحيح أن الاقتصادات الآن أكبر بكثير، لكن نطاق الدمار في الحرب العالمية الثانية، التي استمرت سبع سنوات".

تاريخيا؛ نجحت خطة مارشال، التي يصفها "كوهين" مثل غيره من السلسة والخبراء ومنظمات الأمم المتحدة بـ"الحكيمة"؛ ذلك أنها أحدثت الفرق في شكل ووضع وقوة أوروبا اليوم، بما يتجاوز التوقعات، وخَلَّدت مؤلفها، وزير خارجية الولايات المتحدة جورج مارشال. كما أنها أورثت بشكل مأساوي مجموعة من الدروس الخاطئة حول المساعدات الخارجية المضللة. نجحت خطة مارشال ليس لأنها ضخت أوروبا مليئة بالنقود، ولكن لأن عمليات ضخ رأس المال المشروطة والجراحية والموجهة سمحت للصناعة الأوروبية بإعادة التشغيل والمشاركة في الاقتصاد العالمي. ذهب هذا رأس المال لإدارة ميزان المدفوعات ، وشراء الطعام ، وشراء السلع المصنعة الأمريكية ، والاستثمار في التقنيات الجديدة".

  • يختلف الوضع في أوكرانيا اختلافًا جوهريًا.


يرى المحلل، من واقع المقارنات، والنتائج:
* أولا:
من الضروري وجود توازن عادل بين المنح والقروض. في حين أن كييف ترغب في الحصول على معظم المساعدة على شكل منح، إلا أنها ليست عملية أو عادلة لدافعي الضرائب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. 
* ثانيا:
قد تأتي إعادة البناء الفوري من المنح، ولكن يجب تقاسمها بين الوكالات والوزارات والشركات الأوكرانية، و نظرائهم الغربيين.
* ثالثا:
بولندا بعد عام 1989 هي مثال جيد على المنح الغربية المحدودة التي تعمل على تنشيط الاقتصاد الوطني بشكل فعال. وهذا يعني على الأرجح زيادة في الديون الأوكرانية، والتي تقترب بالفعل من 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

* رابعا:
الأهم من ذلك، فالخطة، مارشال لأوكرانيا، تتطلب مجموعة من الإصلاحات الهيكلية التي يتعين تنفيذها قبل استخدام رأس المال بشكل فعال. يتطلب نقل أوكرانيا من أسفل سلم نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي أكثر من النقد.
* خامسا:
يجب أن يكون المانحون المحتملون على دراية بالعديد من التحديات، بما في ذلك المستويات العالية من الفساد، والهيكل الاقتصادي الأوليغارشي المتعفن مع الجهات الفاعلة السيئة، وأعضاء الاتحاد الأوروبي الذين يضعون الحواجز أمام اندماج أوكرانيا في الغرب، والاقتصاد المستمر الذي تقوده الدولة، والاعتماد الهيكلي المتبقي على روسيا.

* سادسا:
إن التغلب على هذه التحديات ليس بالأمر المستعصي ولا حجة لرفض المساعدات.
فالإصلاحات الاقتصادية هي التي لا غنى عنها. هناك الكثير من الأمثلة الإيجابية التي يمكن الاستفادة منها. لا تزال هناك حاجة إلى إصلاحات زراعية لزيادة الإنتاج.
* سابعا:
يجب على المانحين أيضًا ضمان إنفاق الأموال بشفافية من خلال عمليات العطاءات التنافسية ، التي يشرف عليها الغربيون إذا لزم الأمر. كان هذا أمرًا حيويًا لنجاح المساعدة لكوريا الجنوبية والبوسنة.

* ثامنا:
إن تشجيع التحرير الاقتصادي للحد من تأثير الفساد والسيطرة على الدولة أمر بالغ الأهمية. يجب إنفاق المزيد من الأموال على بناء مؤسسات حديثة لسيادة القانون لمكافحة الفساد ورفع جودة ومعايير التشريعات، وهو أمر حيوي لنجاح المساعدات الخارجية.

*تاسعا:
يكمن أحد العوامل الرئيسية المساهمة في أزمة الطاقة الحالية في القوة المؤسسية والعناد لشركة NAFTOGAS وغيرها من الشركات المملوكة للدولة في أوكرانيا والتي حالت دون استقلال الطاقة الأوكرانية على الرغم من احتياطيات النفط والغاز الطبيعي الكبيرة. لا تزال 3300 شركة مملوكة للدولة في انتظار الخصخصة ، وينتظر الاقتصاد الوطني إلغاء القيود ، مما سيضيف نقطة مئوية كاملة إلى الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا وفقًا لمعظم التقديرات الموثوقة.

* عاشرا:
تخطط الحكومة الأوكرانية بالفعل لإدارة المساعدات الخارجية الضخمة مع الأمانة العامة للاتحاد الأوروبي. اقترح رئيس الوزراء دنيس شميهال إضفاء الطابع الإقليمي على المساعدات، من أجل دمج البرامج الإقليمية والإدارات الإقليمية مع البلدان والمحافظات من جميع أنحاء العالم لمكافحة الفساد. توجد خطط أيضًا لمساعدة أوكرانيا في بناء اقتصاد القرن الحادي والعشرين الجديد عالي التقنية بدلاً من مجرد مصانع الحقبة السوفيتية.

* ما بعد الخطة؟

في ظلال الحرب، وهي تستنزف العالم، فإن التحدي هو أيضا فرصة، هذا ما يخلص لبيه "كوهين"؛  ذلك أنه: "يمكن لأوكرانيا تحويل هيكلها الاقتصادي بشكل كبير، والتخلي عن اقتصاد حزام الصدأ وجعله أكثر توافقًا مع أوروبا والعالم، المتعطش للمخرجات الزراعية لأوكرانيا ويتقبل منتجات تكنولوجيا المعلومات ، مثل برنامج Grammarly الشهير".
.. في خطط الانتقاد، غابت الرؤية الدبلوماسية لسيناريوهات نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، والكلام عن أنه: "أقل ما يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي القيام به هو التأكد من أننا لا نقوض عن غير قصد حوافز الإصلاح داخل أوكرانيا بمساعدات سيئة للغاية، بل من عوامل نجاح الخطة، إذا ما سارت على وقائع الحرب، نتأكد من انضمام أوكرانيا إلى أمثلة المساعدة الأمريكية الفعالة والمدروسة بدلاً من ضياع الأموال في السنوات الأخيرة.
.. في نيسان أبريل الماضي قال المفوض الأوروبي للميزانية "يوهانس هان" إن أوكرانيا ستحتاج لخطة إعادة إعمار بعد الحرب مع روسيا على غرار تلك التي عرضتها الولايات المتحدة على أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي ظل الخطة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، المعروفة بخطة مارشال، منحت الولايات المتحدة أوروبا ما يعادل قيمته في الوقت الحالي حوالي 200 مليار دولار على مدار أربع سنوات في مساعدات اقتصادية وتقنية.

* ماذا بعد المارشالية الجديدة؟

قد يعيش العالم، ومنطقتنا واحدة منها، تلك المارشالية الجديدة، ليس في أوكرانيا، بل في كل الأزمات الراهنة في المنطقة، والشرق الأوسط تحديدا، علينا أن ننتبه إلى أن  جاذبية الثقافة الشعبية  في  الولايات المتحدة، اسهمت على تحقيق أهداف مهمة في سياستها الخارجية.
.. وأعود، بذاكرتي إلى المؤرخ النـمـسـوي، رينـهـولـد فـاغنيلينتـر"الذي يـجـادل بأن" التكييف السـريع للثـقـافـة الشعبية الأميركية على أيدي الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية قد أسهم بشكل إيجابي بالتأكيد في دمقرطة تلك المجتمعات .،وانها  جددت شباب ثقافة أوروبا ما بعد الحرب وأعاد لها حيويتها والمعاني الإضافية المتـرافـقـة مع الحـرية، والعـفـوية، والحـيـوية، والليـبـراليـة المنـفـتـحـة والحداثة، وروح الشـبـاب وكانت الأموال المستثمرة في مشروع مارشال مهمة في تحقيق الأهداف الأمريكية وإعادة إعمار أوروبا، ولكن الأفكار التي نقلتها الثقافة الأمريكية، عبر السياسة والفنون والغناء والمسرح تحديدا، بالطبع تلك المارشلية، بنت نخب، دعمت أمريكا اليوم، قد نراها تأكل الأخضر واليابس في أوكرانيا.. ودول الجوار. 
.. كل ذلك والحرب تدور في الرحى.


*[email protected]
*حسين دعسة، مدير تحرير في جريدة الرأي الأردنية