رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كان طموحى أن ينادينى الناس يا أفندى».. رحلة الشيخ إمام من الصعلكة للنجومية

رحلة الشيخ إمام من
رحلة الشيخ إمام من الصعلكة للنجومية

"إمام محمد عيسى، ولدت بقرية أبو النمرس 1918، فقدت بصري في السنة الأولى من عمري، وفي الخامسة ذهبت إلى الكتاب لأحفظ القرآن الكريم ككل المكفوفين، ولأصبح فقيهًا قرويًا معتبرًا، ولكن ما حدث كان شيئًا آخر". روى الشيخ إمام حكايته مع فقدان البصر إلى أن التقى بالشاعر أحمد فؤاد نجم، وذلك في حواره مع جريدة "الأهالي" 1986. 

بدأ الشيخ إمام يجوب مصر مع واعظ الجمعية الشرعية التي تتبعها قريته، وبدلًا من أن يكون مساعد مواشجحي تحول إلى مواشحجي ذى صيت كبير بين سمعة الريف المصري، وأقام في الجمعية الشرعية لمدة أربع سنوات إلى أن توفى مؤسسها. 

أعجب أهل قرية أبو النمرس بصوت الشيخ إمام وهو يردد خلف المواشحجي مع الكورس، قال: "وقد كان رقيقًا يومها، وسط الأصوات الخشنة، ويبدو أيضًا أن الشيخ محمد إسماعيل مواشحجي بلدنا قد أعجب بي فاتخذني مساعدًا وسنيدًا". 

طلب مسئولو الجمعية الشرعية من والد الشيخ إمام أن يحضر لمقرها بعدما يتم حفظ القرآن الكريم، ليتعلم التجويد وعلوم الدين. استبشر والده. وبعدما أتم "إمام" حفظ القرآن الكريم في الثاني عشر من عمره ذهب إلى الجمعية وتعلم تجويد القرآن على يد أستاذ لديه خبرة في القراءات قلما وجد مثله. 

طُرد الشيخ إمام من الجمعية الشرعية لمخالفته تقاليدها، إذ كانت الإذاعة لا تزال حديثة وكان الشيخ محمد رفعت من أشهر قرائها، وكان "إمام" من مستمعيه الدائمين من الراديو، وكان من تقاليد الجمعية أن سماع القرآن الكريم من الراديو حرام ونوع من الكفر والزندقة، حكى: "ضبطني أحد أعضاء الجمعية متلبسًا بجريمة سماع الشيخ محمد رفعت وهو يقرأ القرآن في الإذاعة فطردوني شر طردة، وأصبحت شريدًا ضائعًا بلا مأوى". 

اكتشف الشيخ إمام بداخله صعلوكًا كبيرًا، اتجه للأزهر، جعله مرقده ومقامه ليلًا، ومسجد سيدنا الجسين مجلسه وحياته نهارًا عام 1934، يصفها بأنه كانت "أيامًا سوداء"، وفي أحد الأيام ساقته قدماه إلى الغورية، شعر براحة لا مثيل لها، كأنه ولد هناك. وتعثر مصادفة في أحد أقاربه، احتضنوه، فاحترف قراءة القرآن في الدكاكين والبيوت، ليتكفل بنفسه بدلًا من أن يتكفل به أحد: "لكي أطعم نفسي ولا أصبح عالة على أحد من الناس". 

التقى الشيخ إمام الشيخ درويش الحريري وتعلم على يده ثم التقى الشيخ زكريا أحمد والشيح محمود صبح والشيخ على محمود وكثيرًا من مشايخ الموسيقى. وحفظ كل ألحان الشيخ زكريا أحمد مثل "أهل الهوى" و"أنا في انتظارك"، الأوله في الغرام"، و"كل الأحبة اتنين". 

احترف الشيخ إمام الغناء عام 1945 لكن واجهته مشكلة غريبة، قال: "ليس معقولًا أن أمسك العود وأغني أمام الجماهير وأنا لابس عمة وقفطان، فأشار على بعض الأصدقاء بأن ألبس بدلة فقلت لهم: محلتيش فلوس اشتري بدلة، فأعطاني أحدهم بدلة". 

كان الشيخ إمام فرحًا بارتداء البدلة، لقد أصبح "إمام أفندي" إذ اعترف بأن أقصى طموحه أن يناديه الناس بـ "يا إمام أفندي". 

تعرف الشيخ إمام عام 1962 بالشاعر أحمد فؤاد نجم، عن طريق صديق مشترك يدعى سعد الموجي مدير إدارة النشر والطبع في وزارة السياحة، وتعارفا وبعد الحديث عن الأمور العامة والموسيقى والغناء. استمع "نجم" إلى لحن من ألحان الشيخ زكريا أحمد فسأله: لماذا لا تلحن لنفسك؟ فرد: لأني لم أجد من يكتب لي كلامًا، فكتب له أغنية عاطفية ولحنها "إمام" في نفس الجلسة، كانت كلماته :"أنا أتوب عن جبك أنا، أني ليّ في بعدك هنا، أنا بترجاك، الله يجازيك، يا شاغلني معاك، يا شغلني عليك، وإن غبت سنة، أنا برضه أنا". 

استمع "نجم" لـ"إمام" فأصر أن يسكن معه في نفس الحجرة، وبدأ في عمل أغان سياسية، وكانت من بواكير الأغاني السياسية الملتزمة مثل «شلني وأشيلك»، و"يعيش أهل بلدي وغيرهم مفيش"، و"عبد الودود" و"جيفارا مات". 

انتشرت الأغنيات انتشارًا لم يتوقعوه، وبدأ الجمهور يتعرف عليهم، وبدأت الأغاني خاصة- في فترة النكسة- تنتشر بين طلبة الجامعة الذين ساعدوا في وصول الأغاني للعمال والمجتمعات العمالية.