رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الترحم على غير المسلمين!

  لم أكن أحب أن أتكلم فى قضية كهذه القضية، والمعنى أننى لم أكن أحب أن يكون بين البشر من الأصل خلاف حول فكرة الترحم على الموتى أيًا كانت دياناتهم واعتقاداتهم، ولكن الخلاف موجود باستمرار للأمانة، واستشهاد الصحفية شيرين أبى عاقلة فجره، بقوة، من جديد!

كثيرون لم يكونوا يعرفون الديانة الحقيقية لشيرين، وهى الديانة المسيحية، ومع استشهادها ظهرت الحقيقة؛ فسارع كثيرون من هؤلاء بمحو ترحمهم عليها، مكتفين بوصفها بالبطلة وما شابه، كما سارع آخرون منهم بنعتها بالقتيلة بعد أن كانوا ينعتونها بالشهيدة، وهكذا على نفس المنوال، مما صار لا بد من الخوض فيه وحسمه أو الوصول بشأنه إلى مرفأ رحب يسع الجميع دون صراعات كلامية خائبة قد تتطور للأسوأ.

ليتنا، أولًا، نتفق على أن الإنسانية كلها تستحق الرحمة، فى الحياة وفى الممات، كما اتفقنا من قبل على طلبها للشخص الميت بالذات كتقدير لحاجته إليها بالدائرة الأخروية المجهولة، باستثناءات فى الطلب قد تكون عامة وقد تكون شخصية، كعدم ترحمى أنا، مثلًا، على حاكم مضى دكتاتورًا؛ وحجتى أنه أساء إلى أمة بأكملها، وقد كان الإحسان بيده، لكنه آثر الإساءة على الإحسان.

وكذلك عدم ترحمى على من مضى بعد أن ظلمنى ظلمًا شديدًا متكررًا، كأنموذج بالغ القبح، لأنه صورة فاجرة على الاستهانة بحقوقى ومن ثم حياتى كلها.. مع ذلك لا أدخل فى خصومة ولا جدال مع مترحم على الحاكم الذى ذكرته ولا الظالم الذى بينت صلتى به؛ لأننى أراها، أى الرحمة، كما سبق وألمحت، استحقاقًا بشريًا أخيرًا مهما يكن حجم الإدانة لصاحبها؛ فأكثر البشر ضحايا ومساكين مهما تكن وظائفهم ومواقعهم، كما أراها ألطف من تمنى العقاب فى المطلق.
أظن كلامى واضحًا، ومن خلاله يمكننا الوصول إلى اتفاق جدى فى نطاق الموضوع، الرحمة شيء طيب وجميل فتعميمه أفضل، ومن لم يشأ أن يترحم، لسبب ذاتى ضيق أو حتى لسبب توجد أدلة على شموليته، فليسكت ولا يناقش الآخرين فى ترحمهم مهما يكن نقيضًا له!
المسألة بسيطة، لكننا اعتدنا صناعة المعضلات والأزمات، أو عودنا عليها سوانا ممن لا يحبون لنا التوحد والالتئام.

بقيت نقطة حساسة هى إقحام الموروث الدينى فى الحوارات القائمة بخصوص الترحم من عدمه، وهى نقطة شديدة الخطورة حقًا؛ إذ غالبًا ما تفضى إلى شكوك بين أصحاب الدين الواحد وفتن بين أصحاب الديانات المختلفة.
والمخرج يسير هو الارتكان إلى قيم تتصل بالواقع نفسه لا الكتب الفقهية ولا الآراء المقدسة؛ فالشهيد قد يكون شهيد مهنة أو واجب أو كلمة أو موقف أو معنى آمن به وتبناه، ولأنه فرد ذو يقين ما، فى الأول والآخر، فإن كسر لعبة تكفيره البغيضة التى تحجب عنه الرحمة من الأهمية بمكان!

[email protected]