رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى رحيله.. هشام جعيط: اقترب من مناطق شائكة في الموروث العربي الإسلامي

هشام جعيط
هشام جعيط

قبل عام، تحديدا في مثل هذا اليوم من العام المنصرم 2021، رحل عن دنيانا المفكر التونسي الكبير هشام جعيط، عن عمر ناهز الــ 85 ورحلة في نقد التراث وإعادة قراءة التاريخ، ضمنتها كتبه مثل: “الفتنة .. جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر”، “الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي”، “الكوفة .. نشاة المدينة العربية الإسلامية”، “بيروت”، “أزمة الثقافة الإسلامية”، “تأسيس الغرب الإسلامي”، “أوروبا والإسلام .. صدام الثّقافة والحداثة”، في السيرة النبوية بأجزائه الثلاثة: الوحي والقرآن والنبوة، تاريخية الدعوة المحمدية، مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام، بيروت وغيرها.

“إننا محظوظون لكوننا نملك مادة تاريخية قريبة جدا من الأحداث المروية، وفي نهاية المطاف لكوننا أمام تاريخ عربي واقعي جدا عقلاني جدا ومتشبع في العمق بالمعني العيني، نري من الممكن إنطلاقا من ذلك أن نكتب تاريخ القرن الأول وفصله الأبرز الفتنة”. بهذه الكلمات يستهل المفكر هشام جعيط كتابه “الفتنة .. جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر”.

من هو هشام جعيط؟

هشام جعيط مفكر ومؤرخ تونسي، من مواليد عام 1935، اهتم بالتراث الإسلامي وقدم العديد من الكتب والمؤلفات والتي ما كانت دائما تحدث جدلا كبيرا حولها. يصفه الدكتور “فريد العليبي” أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية بأنه: "الأكثر رواجا في الميديا في تونس وخارجها، ذلك لاعتباره يقترب من مناطق محرمة في الموروث العربي الإسلامي، هذا الاقتراب من مناطق مجللة بالقداسة تخيف كثيرين ربما جلب لـ هشام جعيط تقديرا جعل كتبه تصل إلي جموع ــ كما يصفها جعيط ــ لم يتصور إنها ستصل إليها.

بينما يقول الدكتور “برهان غليون” أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة السوربون: “هشام جعيط من المفكرين القليلين الموجودين بالعالم العربي، والممتلئين بالتناقض والإبداع في الوقت نفسه. فقد جمه هشام جعيط بين تمسكه بهويته الحضارية الإسلامية العربية، وفي نفس الوقت تطلع بعمق نحو الحداثة”. 

جمع هشام جعيط بين السيطرة على المناهج العلمية التاريخية النقدية، وفي الوقت ذاته تملك الرؤية التي تتجاوز التقنيات بما تميز به من حدس إبداعي.

جدلية الدين والسياسة

يعرض هشام جعيط في مؤلفاته، تحديدا في كتابه الأبرز “الفتنة.. جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر”، لرؤية تجمع بين الإسلام والسياسة، من خلال رؤية تنبع من الدين ذاته، والعودة إلي النبي خلال الفترة التي قضاها في المدينة وكيف حل هذه المعضلة، وأيضا مراجعة مراجهة الخلفاء الراشدين لمعضلة السياسة والدين وكيف عالجوها. 

ويعد هشام جعيط مؤرخ اللحظات العبقرية، راقب  كبار المؤرخين وتجنب المستشرقين، ويرى أنهم: "أعتقد أن المستشرقين في الفترة التي كتبت فيها لم يكونوا متمكنين من علم التاريخ، وكان مسارهم يقوم على تعلم العربية أو الفارسية، وليس لهم تكوين تاريخي نقدي حقيقي. كانت كتاباتهم سردية، وتطغى عليها أحكام مسبقة، واعتبارات خارج الحقل العلمي، وهي مسكونة بفرض تفوق الغرب على الشرق الإسلامي. وأنا كمبرز في التاريخ كان لي اطلاع على التاريخ، وعلى المنهجية التاريخية، وشخصيًّا انتقدت البعض منهم، ويمكن القول من خلال ثلاثيتي حول السيرة المحمدية: إن الاستشراق انتهى على يد أحد الشرقيين المسلمين.

هشام جعيط مثله “ابن خلدون”، يخضع في مختبره الفكري والعقلي جميع الرؤي والأفكار إلي جدل العقل. يقول هشام جعيط بتواضع العلماء: “لست صاحب مشروع”، لكن لا يدخل مدرسته إلا الجاد يتشارك فيها الأستاذ مع تلاميذه جسد التاريخ.

كما يعترف بأن: "ما كتبته عن الإسلام هو  باب التاريخ بالأساس. ولم أتناول في كتاباتي الأديان فقط، وإن لم أتمكن من طرح الأفكار الأساسية التي أتي بها القرآن والرسالة النبوية في تصوره للإله مثلا.   

يري هشان جعيط: أن للأديان قوة كبيرة للتمركز والبقاء، لأنها أيضا تبرهن علي ضعف النفسية الإنسانية، وتجيب على ضعف الإنسان، فالإنسان ليس فقط عقلا فما يريده من هذا الكون أيضا مشاعر وتخوفات.