رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صوت ألمانيا.. ضد ألمانيا!

مشروع القطار الكهربائى السريع، هو الأضخم فى العالم، وفى تاريخ شركة «سيمنس» الألمانية، التى تحتفل هذا العام بمرور ١٧٥ سنة على تأسيسها، والتى أعرب رئيس مجلس إدارتها عن اعتزازه بالتعاون المثمر مع مصر فى مشروعات تنموية، صنعت تاريخًا مشرفًا للشركة. ومع ذلك، لم نجد حرفًا واحدًا عن التعاقد على تنفيذ هذا المشروع، فى الموقع الإلكترونى العربى لـ«إذاعة صوت ألمانيا»، المعروفة اختصارًا باسم «DW»، والتى تصف نفسها بأنها المؤسسة الإعلامية الدولية لجمهورية ألمانيا الاتحادية!.

منظومة متكاملة، آمنة ومستدامة وصديقة للبيئة، تتضمن إنشاء شبكة سكك حديدية جديدة بطول ٢٠٠٠ كيلومتر. وخلال مراسم التوقيع، التى شهدها الرئيس عبدالفتاح السيسى، السبت الماضى، قال المستشار الألمانى أولاف شولتز، فى كلمة مسجلة، إن الحكومة المصرية تتخذ، عبر هذا الاستثمار الضخم، قرارًا جريئًا بعيد النظر، سيجعل السفر بالقطارات سريعًا ونظيفًا ومريحًا وآمنًا وأيضًا غير مكلف. وبعد تأكيده على أهمية علاقات الشراكة القوية بين البلدين، أوضح أن الاعتماد على القطار الكهربائى فى نقل المواطنين وحركة البضائع، يخفف من آثار التغير المناخى، ويعزز مكانة مصر وموقعها التجارى، إقليميًا ودوليًا، ويجعلها رائدة فى تكنولوجيا السكك الحديدية فائقة التطور فى الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.

فات السبت والأحد، وبينما يوشك نهار الإثنين على الانتهاء، بحثنا عن «مصر» فى الموقع العربى لـ«دويتشه فيله»، فلم نجد غير العناوين التالية، مرتبة تنازليًا، حسب الارتباط: «موسم نحس للنجم.. مرارة فى مصر بعد خسارة صلاح لدورى الأبطال».. «مصر- كيف يقع كثيرون ضحية لوهم الثراء السريع واحتيال المستريح؟».. «مصدر قضائى: السجن لرجل أعمال مصرى أدين بهتك عرض فتيات فى دار أيتام».. «منظمة العفو: ارتفاع مثير للقلق فى عمليات الإعدام فى العالم».. «قوانين الجرائم الإلكترونية وسيلة لإسكات المعارضين فى الشرق الأوسط».. و«السجن لمرشح الانتخابات الرئاسية السابق أبوالفتوح وقياديين إخوان».

مصر هى ثالث أكبر شريك تجارى لألمانيا فى الشرق الأوسط، وترى فى الدولة الصديقة شريكًا مهمًا لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى و... و... ومكافحة الإرهاب. وبالمثل، ترى ألمانيا أن مصر من أهم شركائها فى المنطقة، حسب الموقع الرسمى للمركز الألمانى للإعلام، التابع لوزارة الخارجية. غير أن العناوين، سالفة الذكر، تكشف بوضوح عن أولويات من يستعملهم الموقع التابع لمؤسسة تمولها «الخزانة العامة الاتحادية» بنحو ٣٢٥ مليون يورو سنويًا، سبق أن أشرنا إلى أن أكثر من ثلثها يتم تبديده فى الهجوم على مصر، ودفعتنا كثرة التدليسات والفبركات، إلى مطالبة «الضابط الذى يحكم الإعلام الألمانى»، بأن يحاسب أو يتابع مرتكبيها، لاعتقادنا أن آخرين يسيئون استعمالهم.

لا يوجد حرف واحد، إذن، حتى كتابة هذه السطور، فى الموقع العربى لـ«دويتشه فيله» عن التعاقد على تنفيذ مشروع القطار الكهربائى، أما عن المشروع نفسه، فستجد تقريرًا، نشره الموقع فى ٢١ مايو الجارى، عنوانه «خط قطار فائق السرعة من سيمنس لمصر يواجه انتقادات فى ألمانيا»، يزعم فيه أن «شركة سيمنس موبيليتى التابعة لشركة سيمنس الأم، تحافظ على عدم ظهورها العلنى فى المشروع»، وينقل عن جريدة ألمانية أن «هناك اعتراضات فى مصر»، استنادًا إلى «شكوى صادرة من كاتبة وطبيبة أسنان على تويتر» وصفت القطار بأنه «للأغنياء فقط». وكما تحوّلت هذه التغريدة إلى «اعتراضات»، كانت «الانتقادات»، التى يواجهها المشروع فى ألمانيا، مجرد كلام مرسل لبرلمانى، ينتمى إلى حزب الخضر، تجاهل مبادئ واهتمامات حزبه، وانتقد ما وصفه بـ«الاستقرار الزائف» وأوضاع حقوق الإنسان فى مصر!. 

.. أخيرًا، وبغض النظر عن تجاهلها خبر التعاقد على تنفيذ مشروع، هو الأضخم فى العالم، وعدم التفاتها إلى كلمة المستشار الألمانى، التى رد فيها، ضمنيًا، على كل الاعتراضات والانتقادات، الحقيقية والمزعومة.. وبعيدًا، عن هجومها على المشروع، أو بالقرب منه، هل يمكنك تفسير تخلّى وسيلة إعلام، تمولها الخزانة الألمانية الاتحادية، عن واجبها المهنى والتزامها الأخلاقى، وقيامها بالفبركة والتدليس، مرارًا وتكرارًا، للتخديم على إرهابيين وتبرير جرائمهم، بغير أن مَن تستعملهم، أو يستعملهم «الضابط» الذى يديرها، يلعبون بفجاجة، وبمنتهى الانحطاط، ضد مصالح الجنس البشرى، وليس فقط ضد مصالح مصر وألمانيا؟!.