رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل مصر الزراعى

 

مواجهة التحديات الطارئة، القائمة والقادمة، الناتجة عن التغيرات الإقليمية والدولية، باتت ممكنة، بفضل مشروعات قومية كبرى عديدة، من بينها مشروع «مستقبل مصر» الزراعى، الذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس، السبت، والذى يهدف إلى توفير منتجات زراعية بجودة عالية وأسعار مناسبة، وتحقيق الأمن الغذائى والاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية.

المشروع، الذى يقع على طريق القاهرة- الضبعة، هو جزء من مشروع «الدلتا الجديدة» الضخم، الذى يضم مشروع «جنة مصر»، ومناطق تابعة لمحافظة البحيرة، وأراضى أخرى تم تحديد صلاحيتها بمعرفة وزارة الزراعة، بمساحة إجمالية تقدر بـ٢.٢ مليون فدان، هى، أيضًا، جزء من مشروع أضخم للتوسع الأفقى، يشمل مشروع تنمية جنوب الوادى «توشكى الخير» بمساحة ١.١ مليون فدان، ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء بمساحة ٤٥٦ ألف فدان، ومشروع تنمية الريف المصرى الجديد بمساحة ١.٥ مليون فدان، بالإضافة إلى مشروعات أخرى ببعض محافظات الصعيد والوادى الجديد مساحتها ٦٥٠ ألف فدان.

مع الاستثمار الصناعى، وحل أزمة الكهرباء وإعادة هيكلة البنية الأساسية للدولة والاستثمار فى الصحة والتعليم، تصدّر الإنتاج الزراعى أولويات دولة ٣٠ يونيو. ولدينا بالفعل خطة، يجرى تنفيذها لتحقيق الأمن الغذائى، تستهدف زيادة الإنتاج المحلى من المحاصيل الاستراتيجية، وتعزيز تنافسيتها بالأسواق الدولية، لدعم قدرات الدولة فى زيادة صادراتها، بمجهودات استباقية تم اتخاذها لتنويع الأسواق المستقبلة لها، وتوفير المعامل المرجعية والهيئات، التى تراقب جودة المنتجات وسلامتها، إضافة إلى مجموعة من المشروعات المرتبطة، التى تحقق التكامل بين الأنشطة الزراعية والصناعية، وتوفر مزيدًا من فرص العمل.

الأرقام تقول إن المساحة المزروعة، والمستهدف زراعتها، فى مشروع «الدلتا الجديدة»، تعادل ٣٠٪ من مساحة الدلتا القديمة، التى تقول الخريطة إن هذا المشروع يمثل امتدادًا عمرانيًا جديدًا لها، ويتميز بموقع استراتيجى، لقربه من الموانئ البرية والجوية والبحرية، وارتباطه بالطرق الرئيسية والمناطق الصناعية الكبرى، مثل مدينة السادات و٦ أكتوبر وبرج العرب و... و... وغيرها. 

تقول الأرقام، أيضًا، ومعها تاريخنا الأسود القريب، إننا ظللنا طوال ٤٠ سنة، نعتمد بشكل كامل، أو شبه كامل، على استيراد كثير من المنتجات والسلع الاستراتيجية، قبل أن تتحرك الدولة فى مسار المشروعات القومية، التى قللت، وستقلل، من الاعتماد على الاستيراد، وجعلتنا، نكاد نكتفى ذاتيًا، من السكر، مثلًا، الذى من المتوقع أن نتوقف عن استيراده، بحلول سنة ٢٠٢٤. ونعتقد أن مصنع القناة للسكر، بمحافظة المنيا، الذى بدأ تشغيله تجريبيًا، يُعد نموذجًا لدعم الدولة المصرية لاستثمارات القطاع الخاص المحلى والأجنبى. 

الإشارة هنا مهمة إلى أن التوسع الأفقى، بإضافة مساحات جديدة من الأراضى المزروعة، هو أحد محاور خطة، أو استراتيجية تحقيق الأمن الغذائى، التى تتضمن خمسة محاور أخرى تشمل التوسع الرأسى، باستنباط أصناف عالية الإنتاجية وتطبيق ممارسات زراعية حديثة والتوسع فى الزراعات المحمية.. زيادة تنافسية الصادرات الزراعية.. دعم القطاع الزراعى بزيادة الاستثمارات الموجهة إليه، وكذا أنشطة الإنتاج الحيوانى والداجنى والسمكى.. وتغيير الأنماط الاستهلاكية، كإحدى آليات تخفيف الضغوط على الموارد. 

تأسيسًا على ذلك، أو تطبيقًا لتلك الاستراتيجية، جرى استخدام الزراعات الذكية والميكنة الحديثة، على نطاق واسع، فى مشروع «مستقبل مصر»، وكل مشروعات الإنتاج الزراعى، التى أشرنا إليها، والتى انتهى تنفيذ بعضها ويجرى العمل فى بعضها الآخر. كما جرى، ويجرى، التوسع فى أنشطة التصنيع الزراعى والأنشطة الأخرى المرتبطة بها، وخلق تجمعات تنموية جديدة، وتلافى مشكلة التفتت الحيازى، وتعظيم شراكة القطاع الخاص فى كل المراحل: الاستصلاح، الزراعة، والأنشطة الأخرى المرتبطة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن كلام الرئيس، أمس، عن هؤلاء الذين يضعون «رجل على رجل» ويتكلمون عن موضوعات لا يعرفون عنها شيئًا، ذكّرنا بفارس الشدياق، مؤلف كتاب «الساق على الساق فى معرفة الفارياق»، الذى عاش فى القرن التاسع عشر متنقلًا بين دول عديدة، وتحول أكثر من مرة بين المسيحية والإسلام، ووصفه المؤرخ حنا الفاخوى بأنه «لم يكن متقلبًا وحسب، بل كان عصبى المزاج ورجلًا شريرًا، إذ كان يطيب له أن يسخر ويتهكم بالناس أفرادًا وجماعات، الأمر الذى تنفر منه الطباع وتمجُّه الأذواق».