رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيسة وزراء فرنسا المؤقتة

الأنظار كانت تتجه إلى كاترين فوترين، وزيرة الدولة للمساواة بين الجنسين والتماسك الاجتماعى، فى عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك، التى كانت تنتمى إلى حزب «الجمهوريون» اليمينى، والتحقت بحزب الرئيس إيمانويل ماكرون، «الجمهورية إلى الأمام»، فى فبراير الماضى. لكن اختيار الرئيس، الذى أعيد انتخابه فى ٢٤ أبريل الماضى، وقع على إليزابيث بورن، التى انتقلت، خلال فترته الأولى، من وزارة النقل إلى وزارة البيئة، ثم تولت وزارة «العمل والتوظيف والاندماج المهنى» فى حكومة جان كاستيكس المستقيلة.

أولويات حكومة «بورن» حددها الرئيس ماكرون فى حسابه على تويتر بـ«البيئة، الصحة، التعليم، التشغيل الكامل، إحياء الديمقراطية، أوروبا والأمن»، غير أن التحدى الأكبر الذى ستواجهه سيكون وضع استراتيجية انتخابية تتيح لحزبها الحصول على أغلبية مقاعد الجمعية الوطنية، إضافة إلى التحديات الأخرى العديدة، التى فرضتها الأزمة الأوكرانية، وجعلت استطلاعات الرأى تتوقع أن تشهد فرنسا صيفًا ساخنًا، وخريفًا أكثر سخونة، بسبب تزايد معدل التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والكهرباء والطاقة و... و... وغيرها. 

المؤقتة، فى العنوان، ليست فرنسا طبعًا، بل رئيسة الوزراء، التى لن تستمر فى منصبها إلا بحصول حزب ماكرون على ٢٨٩ مقعدًا على الأقل من أصل ٥٧٧، هى عدد مقاعد الجمعية الوطنية «البرلمان»، فى الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها بعد ثلاثة أسابيع، وحال عدم حدوث ذلك، ووصول ائتلاف معارض إلى هذا الرقم، سيتم فرض حالة التعايش، وستضطر «بورن» إلى الاستقالة أو سيضطر الرئيس إلى إقالتها.

حالة التعايش، حسب تعريف الموقع الرسمى للمجلس الدستورى الفرنسى، هى «وضع سياسى يكون فيه رئيس الجمهورية وأغلبية النواب ذوى توجهات سياسية معاكسة». وفى ظل الجمهورية الخامسة، المستمرة منذ سنة ١٩٥٨، شهدت فرنسا ثلاث حالات «تعايش». وهناك ترجيحات، بأن تسفر الانتخابات التشريعية المقبلة عن حالة رابعة، بعد حصول جان لوك ميلنشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية»، France insoumise، على حوالى ٢٢٪ من الأصوات فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ونجاحه فى تجميع صفوف اليساريين والبيئيّين، تحت شعار «الاتحاد الشعبى»، ما قد يؤهله للفوز بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية.

صحيح أن الرئيس، طبقًا للدستور الفرنسى، لديه صلاحية اختيار رئيس الوزراء وغير ملزم بتعيين زعيم الأغلبية، لكن الأرجح هو أن يسير ماكرون على نهج رؤساء التعايش السابقين، الذين اختاروا زعماء الأغلبية رؤساءً للوزراء: فرانسوا ميتران، زعيم الحزب الاشتراكى، اختار جاك شيراك زعيم حزب «التجمع من أجل الجمهورية» اليمينى، منذ ١٩٨٦ إلى ١٩٨٨، ثم إدوارد بالادر، زعيم الحزب نفسه، بين ١٩٩٣ و١٩٩٥. والشىء نفسه فعله جاك شيراك، عندما اختار الاشتراكى ليونيل جوسبان منذ ١٩٩٧ إلى ٢٠٠٢. ومع أن «بورن»، المنتمية لحزب ماكرون، محسوبة على اليسار، إلا أن الاتحاد اليسارى رأى فى تعيينها «رسالة سوء معاملة، اجتماعيًا وبيئيًا»، ورأى ميلنشون أنها «فى مهمة مرحلية» وتوقع أن يقوم الفرنسيون بإقالتها.

مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطنى اليمينى المتشدد، التى نافست ماكرون فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، الماضية وقبل الماضية، عارضت أيضًا تعيين إليزابيث بورن ورأته استمرارًا لسياسة ماكرون «القائمة على الازدراء وتفكيك الدولة والتدمير الاجتماعى والابتزاز الضريبى والتراخى». وحذر اليمينى المتشدد إريك زيمور، المرشح الرئاسى الخاسر، من أن تكون ٢٠٢٢ هى «سنة الخضوع لليسار»، موضحًا أن «ماكرون يعيّن رئيسة وزراء يسارية.. ميلنشون يوحّد اليسار.. لوبان تغازل اليسار.. نحن فقط نقاوم، ونؤكد أننا الحركة الشعبية الكبرى لليمين». والموقف نفسه تقريبًا أعلنه اليمينى التقليدى إيريك سيوتى، الذى وصف تعيين «بورن» بأنه «إذلال لمن اعتقدوا أن ماكرون سيتّبع سياسة يمينية».

.. وتبقى الإشارة إلى أن إليزابيث بورن، المولودة فى ١٨ أبريل ١٩٦١، هى ثانى امرأة تشغل هذا المنصب، بعد إديث كريسون، التى اختارها فرانسوا ميتران، أول رئيس اشتراكى للجمهورية الخامسة، وقادت الحكومة لمدة سنة تقريبًا: منذ ١٥ مايو ١٩٩١ إلى ٢ أبريل ١٩٩٢، تعرضت خلالها لحملات هجوم عنيفة، وصلت حد تشبيهها بمدام بومبادور، عشيقة الملك لويس الخامس، للإيحاء بوجود علاقة خاصة بينها وبين ميتران!.