رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرصة جديدة للجميع

من وجهة نظرى الخاصة الدعوة للحوار السياسى فرصة جيدة للجميع.. بكل التأكيد يحتاج المجتمع لحالة من توسيع حالة الحوار وفك الاحتقان وتوضيح النوايا وتطييب الخواطر، بهدف أن نقف جميعًا فى وجه ظروف عالمية قاسية وصراعات أفيال ينالنا جميعًا ضررها.. الفرصة فى حالة نجاحها مفيدة للدولة المصرية، لأنها تساعدها فى إيضاح نواياها لفريق من المصريين وللعالم أيضًا.. هذا الإيضاح يقول إن الإجراءات الاستثنائية والقانونية فى حق البعض لم تكن هدفًا فى ذاتها.. كان الهدف القضاء على حالة سيولة سياسية و«ثورية» انتابت المجتمع المصرى بعد يناير٢٠١١ وجعلت البعض يعتقد أن هدم الدولة هدف فى حد ذاته.. وأن شعار «الثورة مستمرة» يعنى أن يبقى الناس فى الشارع إلى ما لا نهاية.. وأن يتظاهروا ضد كل سلطة حتى سقوطها فيستعدون لإسقاط من جاء بعدها! كانت هذه حالة من «المراهقة الثورية» لها دوافع فكرية عند البعض، ودوافع مثالية عند آخرين ودوافع انتهازية ومصلحية عند فريق ثالث، وفى الخلفية كانت جماعة الإخوان تنتظر حصد جهود هؤلاء فى العمل ضد دولة ٣ يوليو ليعود الإخوان مرة أخرى للحكم وهكذا دواليك.. هذا فريق من النشطاء يختلف تمامًا عن أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، ولكنه يفيد الجماعة ويتحالف معها.. مشى بعض الشباب خطوات طويلة فى طريق ما سموه «العنف الثورى»، وتورط البعض فى نشر طرق لتصنيع القنابل والمتفجرات أو لاغتيال الضباط، رغم أنه هو شخصيًا لا يستطيع قتل «فرخة»، لكنها الحماقة والمراهقة والتطرف الذى هو سمة نفسية لبعض الشخصيات يتوارثها أصحابها جيلًا بعد جيل.. فى أحد الأندية الاجتماعية الراقية جمعتنى الصدفة بأب مصرى فى منتصف الخمسينيات.. كانت فى عينيه نظرة ألم، وذقنه البيضاء نابتة بغير عناية، ويبدو وكأن عمره مائة عام.. وسط حديث عام عن الأوضاع السياسية يتبادله رواد النوادى عادة روى الرجل مأساته.. ابنه طالب فى إحدى كليات القمة تورط فى عام ٢٠١٤ وكتب طريقة لتصنيع المتفجرات على فيسبوك.. كانت الطريقة التى نشرها مصحوبة بدعوة لأصدقائه ومتابعيه باستخدام المتفجرات فى المظاهرات إذا حاولت الشرطة منعهم.. صنفت القضية كقضية إرهاب وحكم على ابنه بالحبس لمدة خمسة عشر عامًا.. لم أفهم منه هل كان ابنه عضوًا فى جماعة الإخوان أم أنه مجرد شاب صغير من الذين اجتذبتهم خرافات ما سمى «العنف الثورى» أو الإرهاب إذا شئنا الدقة.. تألمت وقتها لحال الرجل.. لكننى سألت نفسى.. ماذا لو أن صفحة هذا الشاب عليها خمسة آلاف متابع من سنه؟ ماذا لو استجاب ألف منهم أو حتى مائة لدعوته وقاموا بتصنيع المتفجرات؟ كم شهيد سيسقط من الشرطة والأهالى ومنهم هم شخصيًا.. هذا الشاب وغيره لم يمارسوا الإرهاب فعليًا ولكنهم تورطوا فيه ودعوا له.. وأول خطوة فى المصالحة أن يقتنع كل من دعا إلى العنف أنه كان مخطئًا وأن سنوات السجن قد غيرته.. وأنه سيسلك الطرق السلمية للتعبير عن رأيه لا بهدف إسقاط الدولة ولكن بهدف المشاركة فى إصلاح الأوضاع.. فى هذه الحالة من حقه أن يشارك فى العملية السياسية إذا أراد.. ومن حقه أن يعتزل الحياة العامة ويعود لحياته المهنية إذا أراد.. وبالتالى فأنا أقول إنه لا بد من الحوار مع المسجونين أنفسهم.. سواء كانوا حاصلين على أحكام بالسجن وينتظرون قرار العفو.. أو محبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا ذات طابع سياسى ويشكون من طول فترة الحبس الاحتياطى وعدم إحالتهم للمحاكمة.. من جهة أخرى فإن الحوار وحالة الانفتاح السياسى فرصة للمعارضة المصرية لإعادة التفكير فى ذاتها وإعادة طرح نفسها.. هناك ملاحظات عامة على كثير من الأحزاب والحركات المدنية، منها أن غالبية أعضائها إما صحفيين أو محامين فى حركة حقوق الإنسان.. وأنهم يحصلون على رواتب مرتبطة بأدوارهم فيها.. وهو ما يشكل نوعًا من تضارب المصالح أولًا.. ويجعلهم يدورون فى إطار «النخبة المتكلمة» ثانيًا، ويجعل خبرات هذه الأحزاب وقادتها فى المجال العملى وعلى الأرض قليلة للغاية أو شبه منعدمة، ومن نافلة القول إن الناس لا تعرف من قادة هذه الأحزاب إلا من يجيد الكلام وأتيح له الظهور فى وسائل الإعلام، والمعنى أن الناس تعرفه «كضيف فى وسائل الإعلام»، وليس كصاحب تجربة فى الحكم أو فى العمل على الأرض أو البحث السياسى أو الاطلاع على تجارب التنمية فى دول العالم المختلفة.. وهذه كلها مشكلات على القوى السياسية أن تتخلص منها إذا أرادت أن يكون لها دور جديد وإلا فإننا سنكون بمثابة من يعيد إنتاج الماضى.. وهو كان سيئًا جدًا للأسف.