رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خزعل الماجدي يطلق «الأسطورة: مدخل لدراستها وفهمها»

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر اليوم عن معهد التراث في الشارقة أحدث مؤلفات الباحث في تأريخ وعلوم الحضارات والأديان والأساطير، الدكتور خزعل الماجدي، تحت عنوان «الأسطورة: مدخل لدراستها وفهمها»، ويقع الكتاب في 350 صفحة من القطع الكبير.

وقال الباحث العراقي خزعل الماجدي لـ«الدستور»: «الأسطورة: مدخل لدراستها وفهمها هو كتاب منهجي يعتمده طلبة المعهد فضلاً عن كونه كتاباً يمكن للجميع الاستفادة منه في مجال تخصصه.. آن الأوان لكي نغيّر وجهة نظرنا عن الأسطورة كموضوعٍ مرتبط بالماضي فقط، فقد درجت الكتب المنشورة باللغة العربية، بشكل خاص، على رصد الأسطورة في ماضي الشعوب، ثم رصد تردداتها في الحاضر، وأهملت البحث في الأساطير وأشكالها في العصور الحديثة والمعاصرة ولذلك يحاول هذا الكتاب البحث في أنواع وأشكال الأسطورة».

ويرى الباحث خزعل الماجدي في كتابه «الأسطورة: مدخل لدراستها وفهمها»، أن الأساطير تحيط بنا ونحن لا ندري، وهو ما يراه علماء السيميولوجيا ولذلك لا بد من مدخل جديد لمعالجة الأساطير وعلم الأساطير.

كلّ شيء يمكن أن يتحول إلى أسطورة عندما يدخل في ماكينة الإعلام والاتصالات المعاصرة، أو عندما يخرج من خزائن اللغة واللاشعور الجمعي والصندوق الأسود الذي فينا، فهو، في الحالين، يكتسبُ شكلاً جديداً، يمكن أن يجسد الأسطورة أولاً قبل أن يتحول لشكلٍ آخر.

ويلفت «الماجدي» إلى أنه يمكن للأساطير أن تكون عزاءً ثقافياً فردياً للباحثين عن معنى ووظيفة وجودنا في هذا العالم، ولكنها يمكن أن تكون سلاحاً مدمراً عندما تتأدلج ويشحذها الفكر المتخلف، فتتحول إلى ممارسات جماعيةٍ تغطي الحاضر بعباءة الماضي، وتشلّ قدرتنا في التقدم نحو المستقبل. 

ولذلك يأتي علم الأساطيرأو الــ (مِثولوجيا ) ليكشف هذه الأساطير ويحللها علمياً، وهو أحد العلوم الإنسانية المهمة في عصرنا، والذي أفرد الكتاب له مساحة واسعة وتحرى عن مناهجه وآلياته وعلمائه ومنجزاتهم . 

هذا الكتاب يقدّم محاولة جديدة لفهم الأساطير وتفريقها عن غيرها، ويعرض تاريخها الطويل منذ عصور ما قبل التاريخ حتى حاضرنا الراهن ، معرّفاً بأصلها وتحولاتها في أشكال مثوغرافية متنوعة.


ــ أصل ومنشأ الأساطير

تنحدر الأساطير، بمعناها الحقيقيّ الأول، منذ العصر الحجري الحديث (نيوليث) في حدود 8000 ق.م، وحتى يومنا هذا، فهي ما زالت تتدفق وتتغير في أشكالها، ومن الصعب وقف مسيرتها المواربة الملتبسة. وقد مرت بعصورٍ متواترة حتى يومنا هذا .

في الأسطورة لا بد من المبالغة، ولا بد من اللاعقلانية لكي تكون الأسطورة على حقيقتها، وإلاّ ما جدواها إذا كانت بدون هذا، وهي ، في هذا الحال أو ذاك ، خطاب يخاطب الحواس قبل مخاطبته للعقل . والحواس بحكم طبيعتها الغريزية لا تحتمل العقلنة . فالأسطورة إذن هي نصّ غريزة وحواس لا يمكن أن يرقى ليكون نصاً عقلياً. لأنه سيتحول إلى فكر أو فلسفة ، وهذا ما يؤيد نشوء الفلسفة ، في بواكيرها الأولى ، من الأسطورة ، وهي ، بهذا التحديد ، لا تعني أنها نتاج هابط القيمة بل ربما هذا هو ما يرفعها الى كونها نتاج الطراوة الجمالية والروحية والذي يمنحها القدرة على البقاء والتنوّع .

 

ويلفت “الماجدي” في مقدمته للكتاب إلى أن الأسطورة، في العصرين الحديث والمعاصر، هي عنصر مهم من عناصر المنظومة السيميولوجية أو السيميائية وهي تتدفق بكلامها السيميائي مثل تيار من الأساطير الحواسيّة وتغرقنا فيها بحكم طبيعة الاستهلاك العالي في هذين العصرين.

إن المدلول الموجود في الذهن والمتفق عليه عند جماعة معينة، هو الذي يخلق فكرة الأسطورة. أما الدال فسيكون مجرد شكل للتعبير عنه، وحين يُلغى المدلول لا تعود هناك أسطورة، بل سيبقى الدال وحده مثيراً للشفقة، بلا معنى.

لنأخذ سيميائية باقة الزهور التي يقدمها الحبيب لحبيبته مثلاً، فهي دال يعبر عن مدلول الحب في ذهنيهما وفي العرف العام. ، ولو افترضنا أنه قد مرت ألف سنة ولم تعد الزهور دليلاً على الحب، فلن يكون في حينها أي معنى لأن نتجشم عناء قطف الزهور أو شرائها وتقديمها لمن نحب لأن الزهور (الدال) فقدت صلتها بمفهوم الحب (المدلول).

هذا يعني أن الأساطير، سيميولوجياً، هي مدلولات فاعلة في عصرها، فإذا اختفى هذا العصر فعلينا اكتشاف ماذا كانت تعني فيه رغم أنه غادرنا منذ زمن بعيد، وعما يمكن أن تعنيه بالنسبة للجماعات التي تعتقد بها في الحاضر.

هذا من ناحية، أما من الناحية الأيدولوجية فنحن غير ملزمين أبداً بتداول الأساطير القديمة والوسيطة في عصر لم يعد عصرها، لأن ذلك سيكون أمراً مستهجناً بسبب تقاطعه مع قيم العصر الجديد.

قارئ الأسطورة يتعامل معها باعتبارها منظومة وقائع، ولذلك يقع في مشكلة سؤال كونها تمثل الحقيقة أم الخيال؟، ولحلّ هذه المشكلة عليه أن يتعامل معها باعتبارها منظومة سيميولوجية أي رمزية أو علاماتية فهي منظومة تعبر عن القيم بطريقة الرموز (ولذلك تبدو خيالاً)، وهي لا تعبر عن الواقع أو التاريخ أو الحقيقة بسبب طبيعتها الدلالية والرمزية المقصودة أو غير المقصودة.

ولهذا السبب تشبه الأسطورة اللغة، بل أن الأسطورة هي (الاستعارة) ولذلك لا تغلبها اللغة. ربما الشعر هو الوحيد الذي يستطيع مراوغتها لأنه معنيّ بالاستعارة من جهة وبتبديل المعنى أكثر من الأسطورة. أما الرياضيات فهي قلاع محصّنة ضد الأساطير.

الشعر والأسطورة كلاهما منظومتان سيميولوجيتان ، لكن الأسطورة تحاول أن تتمدد على الواقع والتاريخ، بينما الشعر ينسحب لأقصى حد ممكن من التمركز ليكون قريباً من الجوهر أو الصمت. وحدها الرياضيات منيعة ضد الأسطورة ولا يمكن أن تنال منها شيئاً.

السرديات الأدبية أسطوريات مصطنعة سرعان ما تتفكك وتذوب في ماء العقل وتفقد تحديها، بينما الأسطورة الأصلية (Myth proper) تبقى متوهجة لزمن طويل فيه.

ينشطر، اليوم، علم الأساطير (ميثولوجيا) إلى أنواع كثيرة من العلوم الفرعية التي تعالج ، بواسطة عدسات مختلفة ، طبيعة الأساطير وماهيتها. وقد أحصينا ما يقرب من (25) نوعاً من مناهج الميثولوجيا التي ظهرت في التاريخ منذ الإغريق وحتى يومنا هذا.

لكننا وجدنا أن نوعين منها هما الأقرب إلى الفائدة والنفع ، وليس إلى كشف حقيقة الأسطورة، لأن الأسطورة ستظل صعبة التفسير وصعبة الكشف عن مكنونها الغائر البعيد.

النوع الأول من الميثولوجيا (علم الأساطير) هو المثولوجيا الوظيفية (Functional Mythology) الذي كرّسه مالينوفسكي والذي رفض كل معالجات المثولوجيا النظرية ورأى بأن الأساطير ليست مجالاً للفهم النظري بل هي ممارسة عملية لها وظيفة، ولا يمكن إدراك دورها وفهمها إلاّ إذا عدنا بها إلى زمنها وعرفنا كيف كانت تؤدي وظيفتها في ذلك الزمن، وهذا ما دعاه للعيش بين الشعوب البدائية وإتقان لغتها وفهم وظيفة الأسطورة من داخلهم، وقد رأى أنها تلعب الدور الأكبر في حياة الشعوب الاجتماعية والنفسية. لقد كانت بمثابة الرابط لها والدرع الذي يحميها من التصدع.

اما النوع الثاني المهم والحاسم من المثولوجيا فهو المثولوجيا السيميائية أو السيميولوجية (Simiological Mythology) وخصوصاً تلك التي كرّسها واتقنها رولان بارت الذي كشف عن الأشكال اللامتناهية من الأساطير خارج خزينتها اللغوية. لقد أحدثت كشوفاته صدمة حين عرفنا أننا محاطين من كل جانب، في حياتنا المعاصر، بالأساطير وأشكالها المتناسلة وكانت أهمية هذا النوع من المثولوجيا السيميائية أنه كشف لنا عن معنى الأسطورة أو المعنى الذي تضفيه الأسطورة، على الأشياء والحياة فتجعلها امراً آخر.

وهكذا فإن كشف وظيفة ومعنى الأساطير كانا أكثر جدوى من الكشوفات الأخرى التي قدمتها الأنواع الكثيرة من المثولوجيات المعروفة رغم أهميتها والجهد الكبير المبذول فيها.