رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عرفه المصريين القدماء

لمحات من تاريخ المسرح المصرى.. «المحمل الشريف» و فتوى تحريم عرضها

المسرح المصري
المسرح المصري

تاريخ المسرح المصري، تاريخ طويل وعريق ضارب في القدم، منذ عروض ورقصات المصريين القدماء التي سجلوها بالنقوش علي جدران المعابد القديمة، مرورا بعروض المحبظاتية والأراجوز وخيال الظل وصندوق الدنيا في العصور الوسطي، وصولا إلي الشكل الحديث للمسرح.

وفي كتابه “هوامش المقريزي .. حكايات من مصر”، يسجل الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسي، لمحات من تاريخ المسرح المصري، وبعض من الحكايات الطريفة والنادرة عن هذا التاريخ، وتحت مبحث بعنوان “شر البقر”، يقول صلاح عيسي: في الفترة التي أعقبت الاحتلال البريطاني لمصر، تعددت الفرق المسرحية، لكن معظمها كان مجالا للنصب والاحتيال. إذ انتهز مجموعة من النصابين والأفاقين الفرصة ليصبحوا أصحاب فرق مسرحية، وممثلين ومؤلفين أيضا.

وكانت الحركة المسرحية تتخذ شكل جمعيات يؤسسها هواة التمثيل، تحولت مع الزمن إلي فرق بعضها كبير، يعرض فنه في القاهرة، وبعضها يتحرك في الأقاليم والأحياء الشعبية، وكانت جميعها تعتمد علي المسرحيات المترجمة، وكان المترجم يتقاضي جنيهين عن كل نص.

ويلفت “عيسي” إلي أنه: وبرواج المسرحيات توافد المحتالون والأفاقون، كان منهم المعلم “ميخائيل جرجس”، الذي كان يملك حانة مشهورة ببولاق فيها تخت، وعرض عليه أخوه أن يؤلف فرقة تمثيلية، وعلي الرغم من أن المعلم لم يكن يعرف شيئا في الدنيا إلا خمارته، فإن فكرة الكسب زينت له الشروع في هذا العمل، فأقدم عليه وأنشأ ــ بإدارة أخيه ــ فرقة، وأقام دارا خشبية سماها “مسرح المعلم جرجس”، ولأن مطرب تخت الآلاتية كان يعرف القراءة، فقد قرر المعلم جرجس أن يجعل منه ممثلا ومطربا.

لا يبقي علي المداود غير شر البقر

ويتابع “عيسي”: وهكذا تم إعداد كل شئ ولم تبق إلا الرواية، وسرعان ما حلت المشكلة حلا بسيطا، فانتزع مدير الفرقة ثلاثة فصول من ثلاث روايات مختلفة سبق تقديمها، وصنع منها مسرحية واحدة، كما يصنع الكوكتيل من بقايا الكؤوس، وأعلن أن أجر الدخول ثلاثة قروش للدرجة الأولي، وزادت أرباح المعلم جرجس، وتجولت فرقته في أنحاء القطر المصري، ولم يمض زمن طويل حتي انتزع من أشهر الفرق آنذاك ممثليها، ومنها فرقة “القرداحي”، مؤكدا بذلك أن العملة الرديئة تطرد العملة الطيبة من السوق، وأنه لا يبقي علي المداود غير شر البقر.   

ولأن التمثيل كان قد أصبح نصبا فقط، حط علي مصر يوما الخواجا “كورتي”، وفي جعبته مشروع جليل هو تمثيل مسرحية عنوانها “المحمل الشريف”، وعلي الرغم من أن “كورتي” ــ  بحكم اسمه علي الأقل ــ لم يكن مسلما، ولا يهمه المحمل الشريف في شئ، إلا أمه كان مغامرا يهمه أن يكسب وأن ينتزع النقود، وقد لاحظ أن السياح الذين يفدون إلي مصر في الشتاء لا يمكنهم مشاهدة موكب المحمل الذي كان موعده في الصيف، واتفق “كورتي” مع فرقة مسرحية من الهواة علي تقديم مشروعه، وتقدم للحكومة المصرية التي وافقت علي تقديم المسرحية علي خشبة دار الأوبرا عشرين ليلة، نصفها بالإيطالية والنصف الآخر بالعربية، وقدمت له التياترو لإجراء البروفات عليه، وبدأ ينفق علي المشروع من الميزانية التي رصدها له وكانت تصل إلي 15 ألفا من الجنيهات.

وألف “كورتي” الرواية وترجمها الشيخ محمد نصرت بعربية مسجوعة، وصرف الرجل أغلب ماله علي الديكور، وأعلن عنها في جميع أنحاء العالم، ولأول مرة دخلت الإعلانات علي الجدران إلي مصر كأسلوب جديد للدعاية. 

ورغبة منه في أن تكون مسرحيته واقعية جدا، فقد رأي أن يستعين بمشايخ الطرق ليظهروا بأنفسهم علي المسرح بدلا من الكومبارس، وبينما هو يحاول الحصول علي إذن بذلك كشف نفسه، وبدأ العلماء يبحثون في الموضوع، وانتهي بحثهم بإصدار فتوي بتحريم الرواية، وفشلت مغامرة “كورتي”، وطار واحد من النصابين. لكن المداود لم تخل قط من شر البقر.