رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا رب كتّر أعيادنا

كل عام ونحن جميعًا بخير وصحة وسعادة، نحن المصريين وكل الجنس البشرى جميعًا، بكل أديانه ومعتقداته وبكل لغاته ولهجاته وسائر أجناسه وأعراقه.

إن رغبة الإنسان قديمة فى الاحتفال والبهجة والترويح، والإنسان يصطنع فى ذلك مبررات ومناسبات موسمية كأقدم عيد عرفه الجنس البشرى، وهو عيد الربيع، وقد يصطنع الإنسان مناسبة مرتبطة بإنجاز الحصاد الزراعى أو نجاح اقتصادى، وقد يصطنع الإنسان أسطورة رمزية عن آلهة السماء ووكلائهم بالأرض، ويتخيل مناسبة يحتفل بها أهل الأرض كما يحتفل بها أهل السماء، كل هذه الألوان صنعها أجدادنا المصريون القدماء. 

وكذلك اصطنع الناس- من بعد أجدادنا العظام بوادى النيل وبلاد الرافدين- شرقًا وغربًا، قديمًا وحديثًا، مناسبات عدة يحتفل بها الغنى والفقير والوزير والغفير. 

وأبدع الجنس البشرى حول العالم أعيادًا شتى، بعضها له قصة دينية، حدثت فى السماء أو الأرض، أو بمناسبة إتمام طقس دينى أو نسك مقدس يحتفل به الناس ويبتهجون مستبشرين بقبول عباداتهم وقربهم من ربهم أو أربابهم. 

وظهرت أديان الإبراهيميين فى الشرق الأوسط واتبعها ملايين البشر، كذلك يحتفل الناس بمناسبات واقعية وطنية كانتصار فى حرب ضد الأعداء كنصر أكتوبر المجيد، أو ثورة تجاوز فيها الشعب مرحلة إلى أخرى كثورة ٥٢، أو يوم قيام الجمهورية أو تحرير الوطن من الاستعمار كعيد الجلاء.

فنحن كجنس بشرى نتخذ ونسرق ونصنع من الزمان أيامًا نجعلها للبهجة والسرور والترفيه وسط الحياة الحُبلى بالمآسى والمعاناة.

ومن محاسن التوافيق أننا أمة ذات حضارة عريقة، فقد مرت على المصريين أديان عديدة ومذاهب شتى، فكثرت أعيادنا وأيام بهجتنا التى نحتفل بها وتكون مناسبة فى الاجتماع على البهجة والسرور، فيقوم الناس بمد الموائد العامرة والتزاور والاختلاط بالأصحاب وصلة الأرحام ولقاء الأهل والأقارب. 

لعل الأعياد الدينية هى أجمل ما صنعته الأديان للترفيه عن أتباعها، ولعل الأعياد الوطنية هى أجمل مكافأة من الوطن لأبنائه بيوم للراحة والترفيه، وتذكير لنا جميعًا بإنجازات الإنسان.

وها نحن أولاء تجتمع علينا أعياد كثيرة من ذكرى نصر العاشر من رمضان الحاسم، وعيد قيامة السيد المسيح المجيد، وعيد الربيع أقدم عيد عرفه الإنسان، عيد شم النسيم، الورود، وعيد العمال الذى نحتفل فيه بقيمة العمل والعمال ونعترف بفضلهم على الحضارة الوطنية والإنسانية، وأخيرًا وليس آخرًا عيد الفطر المبارك الذى أتم فيه المصريون صيامهم، وقد توافق فى هذا العام صيام الإخوة المسيحيين مع المسلمين تقربًا للإله الجميل الذى نحبه جميعًا.

فنرجو أن تكون حياتنا كلها أعيادًا، وتزداد أعيادنا بجهودنا وإنجازاتنا التى تصنع مجتمعًا أفضل وأجمل على كل المستويات.

ولننتهز الفرصة جميعًا فى تهنئة أصدقائنا وأهالينا وجيراننا، ونُدخل البهجة والسرور على الصغير والكبير، ونُدخل السعة والترفيه على اليتيم والمحروم.

ولا نسمع للمتطرفين، ولنحتفل بكل الأعياد بكل أشكالها وألوانها، فالحمقى وأهل الكآبة والكراهية هم وحدهم من يُحرّمون الاحتفال بالأعياد والتهنئة بها، وليُعِن بعضنا بعضًا على جعل الحياة أجمل، ونشر الحب والرحمة والجمال.

فالله رحيم يحب الرحماء، وربنا جميل يحب الجمال، وهذا الوجود وُجدنا فيه لنفرح ونسعد وننشر الفرح والسعادة على من حولنا من سائر أبناء الجنس البشرى، والأقربون أولًا مهما كانت عقائدهم.

وكل سنة ونحن والجنس البشرى كله بسعادة وأمان وصحة ورخاء، ويا رب أكثر من أعيادنا بكل أشكالها وأسبابها.