رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عومل كالكبار.. تفاصيل وصف يوسف إدريس طفولته بأنها «مريرة»

يوسف إدريس
يوسف إدريس

"لقد كنت أؤمن بأن الظروف هي التي تخلق الموهبة أو الطاقة، ولكني بدأت أؤمن شيئا فشيئا بأن للوراثة دورا أخطر، وأن تجمع عناصر وراثية معينة عبر الأجيال دائما ما ينتهي بشخص تلتقي عنده هذه العوامل الوراثية، وتفجر فيه نبع الطاقة"، بهذه الكلمات بدأ الكاتب الراحل يوسف إدريس "19 مايو 1927- 1 أغسطس 1991" حديثه عن طفولته وصباه وشبابه، وآثارها في تشكيل قدراته الأدبية.

ففي حوار له بمجلة "المجلة" بعددها رقم 169 الصادر بتاريخ 1 يناير 1971، قال إن والده كان نبعًا إنسانيًا لا ينضب، وكان عصاميًا في تثقيف نفسه، إنسانيا حتى في عداواته، بينما كانت والدته تتمتع دونه بإرادة قوية جدا، مستطردا أعتبر أن الإنسانية وحدها لا تكفي، بل لا بد أن تكون لديك الإرادة الإنسانية، ومن هذين العنصرين أحس بأني أدين بالكثير للأجيال التي أنتجتني.

- طفولة تعسة

وصف يوسف إدريس طفولته بأنها "تعسة"، واستكمل حديثه عنه بقوله: عشت بلا طفولة، نشأت في بيت جدتي الفقيرة في قرية البيروم بمحافظة الشرقية، وكان جميع أهل البيت من الكبار، وكنت الطفل الوحيد، ولم يسمح لي بأن أزاول طفولتي، لأنهم كانوا يعاملونني على أني كبير مثلهم، مسئول. العقاب ينتظره لو أخل بمسئوليته، مردفا: كان صباي حافلا بالكفاح الدءوب من أجل أن أتعلم، حتى كان منتهى أملي أن أقطن حجرة تضاء بالكهرباء أو أستعمل حنفية الماء للاغتسال، فقد كنت دائما أقطن حجرات بلا ماء ولا كهرباء، غريبا، بعيدا عن عائلتي، في وسط مجتمع من الكبار الغرباء، يعاملونني أيضا على أني مسئول.

- أفقر تلميذ في المدرسة

وفي حديثه مع مجلة "الهلال" بعددها رقم 9 الصادر بتاريخ 1 سبتمبر 1986 قال: عندما أقارن هذه الطفولة بطفولة ابنتي أو أولاد الناس الآخرين حتى أولاد الفلاحين. أجدها كانت طفولة مريرة جدًا، ومليئة بالجروح، ففي كل حركة من حركاتي كنت أجد جروحا، في الماضي لم يكن التعليم إلا لأولاد الناس الأغنياء، وكان التعليم في الابتدائي يضم أولاد الأعيان أو الخواجات، وأكاد أكون أفقر تلميذ في المدرسة في ذلك الوقت ليس لأنني فقير. 

  وهنا تكمن المشكلة بل لأني بعيد عن أهلي- فكم حلمت مثلا- بأن أجلس مع إخوتي، ونأكل من طعام قامت أمي بطهوه، لأنني كنت أكل مع هذه العائلة الزراعية الكبيرة الكادحة، ثلاثين رجلا وامرأة أصغرهم يصل عمره ثلاثين عاما، وكان عمري ثماني سنوات، كنت الطفل الوحيد بينهم، واستطرد كان الطعام شحيحا واللحم نادرا وكانوا يذبحون في المواسم فقط، لكن الطعام كان له مذاق مختلف وأذكر أنني عندما كنت أعود من المدرسة وأجد أمام البيت "ريشا" فأشعر على الفور برائحة الدجاج، وعندما كنت اكتشف رائحتها تنتابني فرحة غامرة.

كان لهذه الطفولة الصعبة أثر كبير في حياة يوسف إدريس وهو ما أكده بنفسه قائلا: إنها قوت عودي جدا، فالطفل الذي يتجاوز هذه الطفولة المحرومة، ولا يموت ينشأ قويًا جدًا، أقوى من الأطفال الذين نشأوا نشأة عادية، فعندما أرى الأجيال الجديدة في العائلة وقدرة احتمالها، أرى أنني- وأنا في هذه السن- أكثر منها قدرة على الاحتمال حتى الاحتمال العضلي، هذا أيضا نتيجة لهذه الطفولة المحرومة، مضيفا ما تعلمته من طفولتي أيضا أنه لا نهاية للأحلام، فهناك بعض الناس بمجرد أن تحقق ذاتها، وحتى ذاتها المتواضعة جدا تكتفي بذلك، الحلم بالنسبة لي ليس أن أحقق ذاتي فقط، ولكن أن أغير ذلك، أن أضع مصر كلها على طريق جديد حتى لا ينشأ أطفال بهذه الصورة.