رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية.. حكاية «القاهر في الطالع»

الأسيسكو
الأسيسكو

وقع اختيار منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “الأسيسكو”، على مدينة القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية للعام الجاري 2022، ولم يأت هذا الاختيار من فراغ، فمدينة القاهرة، التي مر علي تأسيسها أكثر من ألف عام، كانت قاهرة لأعدائها، وحاضنة لأصدقائها وكل من دق بابها زائرا أو سائحا أو مستجيرا بها، بدءا من آل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم حيث استقرت علي أرضها رأس سيد شهداء الجنة سبط الرسول الحسين بن علي أبي طالب، مرورا بعشرات الأجناس والألوان واللغات ممن استوطنوها، وصولا إلي من لاذ بها فرارا من إبادة جماعية كما في حالة الأرمن.

مدينة القاهرة التي تشتهر بأنها مدينة الألف مئذنة، عشقها ووقع في غرامها كل من جاء إليها أو حتي سمع عنها، ففي دروبها وأزقتها عاش العشرات من الرحالة والمستشرقين، ومن بينهم المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين، والذي كتب عنها عدة كتب ومؤلفات، ومن بينها كتابه الأشهر “القاهرة منتصف القرن التاسع عشر”، وفيه يرصد لمعالم القاهرة وناسها ودروبها وميادينها، أبوابها وأحياءها، تخطيط شوارعها وأهم الحرف والعاملين بها.. ألخ.   

حكاية “القاهر في الطالع”

يحكي  إدوارد وليم لين، أصل تسمية مدينة القاهرة، مشيرا إلى: كان الموقع المختار للمدينة الجديدة علي بعد نحو ميل من ضفة النيل، وأصبحت المقس ميناءها، وفي وقت لاحق امتدت ضواحي المدينة حتي بلغت شاطئ النهر واتصلت بمحيط المقس تقريبا. وكان موقع القاهرة المنطقة الرملية الواقعة علي الطريق من الفسطاط إلي عين شمس “هليوبوليس”، حيث لا توجد أية مبان أو منطقة مزروعة، باستثناء بستان كان يعرف بـ “البستان الكافوري”، ودير العظام ومبني آخر عرف بـ “قصر الشوك”. 

شرع جوهر الصقلي بعد تعيين الموقع في إرساء دعائم الأسوار التي ستبني بداخلها المدينة، وكانت لا تشتمل إلا علي مساحة صغيرة لا تتجاوز الميل المربع. ولأن العرب كانوا يؤمنون بعلم التنجيم إيمانا راسخا، تشاور جوهر الصقلي مع خبراء في هذا العلم، وطلب منهم مراقبة النجوم ليقرروا أفضل الأوقات للشروع في وضع أساسات المدينة، وبعد أن أجري المنجمون حساباتهم نصحوا بوضع الأساس في الليلة التالية، وهي الليلة الأولي التي أعقبت وصول جوهر الصقلي.

سار جوهر من الجيزة بعد زوال الشمس من يوم الثلاثاء لسبع درجات خلت من شعبان سنة ٣٥٨ هجرية، وتم حفر الخنادق لوضع أساس الأسوار، ثم جعل بدائر السور المقترح قوائم خشب بين كل قائمتين حبل فيه أجراس. فإذا تحركت الأجراس يرمي العمال الطين والحجارة من أيديهم، فيبدأ البناء في الوقت الصالح الذي حدده المنجمون، فاتفق أن غرابا وقع علي حبل من تلك الحبال التي فيها الأجراس فتحركت كلها، فظن العمال أن المنجمين قد حركوها، فألقوا ما بأيديهم من الطين والحجارة وبنوا.

ويوضح “لين”: وعليه تكون المدينة قد أسست في طالع سيئ فصاح المنجمون: “القاهر في الطالع”، وتنبأوا أم المدينة ستسقط بيد الأتراك، وسميت بالقاهرة لأنها كانت قد أسست في هذا الوقت تحديدا، مع أن أول اسم قد أطلق عليها كان “المنصورية”، واستمرت عليه لحين وصول المعز لدين الله الفاطمي الذي سماها “القاهرة” ويعني المنتصرة. وتبعا لوصف المقريزي، يمكننا تتبع أماكن واتجاه أسوار المدينة الأولي والثانية، أما السور الثالث مازالت أجزاء منه قائمة. ويذكر أن كل ما يقع بداخل السور الثاني لا يزال يسمي بالمدينة، أما باقي أجزاء القاهرة فتعتبر ظواهر أي “ضواحي” لها.

بني السور الأول من كتل كبيرة من اللبن، وكان عرضه كافيا لسير فارسين متجاورين. ومن جهتها الشرقية ثلاثة أبواب متفرقة: باب البرقية، والباب الجديد، والباب المحروق. ومن جهتها الغربية ثلاثة أبواب: باب القنطرة، وباب الفرج، وباب السعادة، وباب آخر يعرف بباب الخوخة.