رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ومن التزوير ما حبس


منذ أيام، صُدر حكم جنائى بسجن حازم أبوإسماعيل سبع سنوات بتهمة تزوير إقرار رسمى أمام موظف رسمى من موظفى الدولة، هذا الإقرار يتعلق بجنسية السيدة والدته ـ رحمها الله ـ وكان ذلك بخصوص تقديم هذا الإقرار إلى لجنة انتخابات الرئاسة الماضية، وأظن أن هذا الحكم كان صدمة لكثير من أنصار حازم أبوإسماعيل المخدوعين فيه

... أما حازم فقد كان خادعا لهم جالبا لنفسه الملايين من ورائهم، وإذ كنت فى المملكة السعودية منذ شهرين تقريبا مشاركا فى مهرجان الجنادرية السنوى تقابلت مع بعض المصريين هناك فأخبرونى بأن السلفيين فى المملكة من جنسيات مختلفة جمعوا لأبوإسماعيل أكثر من أربعين مليون ريال سعودى لدعمه فى انتخابات الرئاسة الماضية، ثم خرج أبوإسماعيل من سباق الانتخابات بسبب جنسية والدته الأمريكية وطارت الملايين إلى حسابات أبو إسماعيل البنكية!.

وها هو أبوإسماعيل يدخل إلى السجن بعد ثبوت تهمة التزوير عليه، والتزوير فى أصله نوع من أنواع الكذب الموثق، إذ إن الشخص لا يكذب بلسانه فقط ولكنه يكتب كذبه ليكون شاهدا عليه أمام الجميع، وقد افتضح كذب حازم لأنه لم يحسن هذه المرة صناعة الكذب التى برع فيها فى كل حياته وكان سبب عدم براعته هذه المرة هو أنه توهم أنه سيكون رئيس الجمهورية وأنه ليس فى إمكان أحد أن يحاسبه على هذه الكذبة الموثقة، من أجل هذا جن جنونه عندما استبعد من السباق إذ وقع فى خاطره أن جريمته الموثقة سيتم الكشف عنها يوما ما، ولكن الأمل عاد إليه بعد نجاح مرسى، فأصبح حليفا له تابعا لخيرت الشاطر يأتمر بأوامره، فدفع رجاله وأتباعه لمحاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى، وإحراق مقر حزب الوفد، وعاث أبوإسماعيل فى الأرض فسادا.وحين كنا فى الإخوان ذات يوم تجمعنا اللقاءات والأنشطة كنا نطلق على حازم «ملك المعاريض» إذ كان يقول دائما عجبت لمن كذب وفى المعاريض مندوحة، أى أن المعاريض مباحة لنا، لذلك إذا أردتم أن تعرفوا شخصية الشيخ حازم أبوإسماعيل وطريقته فى التفكير فيجب أن تعرفوا دروب وطرق «المعاريض» إذ إن حازم هو أحد أساتذة هذا العلم، وللعلم فإن هذا العلم يتم استخدامه على نطاق واسع من الإخوة من عتاة الإسلاميين الذين عاشوا فى أروقة العمل السرى، ومن أسف فإن المعاريض تحولت على أيديهم إلى لعبة، والمعاريض هى التعريض بالقول، والتعريض غير التصريح ويعنى استخدام التورية، بمعنى أن يقول الشخص عبارة تحتمل أكثر من معنى، يقصد هو فى نيته معنى ويترك المعنى الظاهر للمتلقى حيث يفهمه على نحو غير النحو الذى قصده، فمثلا عندما ذهب الشيخ الداعية الداهية حازم أبوإسماعيل ليقدم أوراق ترشيحه فى الانتخابات الرئاسية الماضية قال للصحفيين إنه حصل على ثلاثين ألف توكيل من الأقباط، وقد أثار هذا التصريح عجب البعض، وقال البعض ساخرا: لقد صبأ الاقباط وفارقوا دينهم الذى نشأوا عليه واتبعوا هذا الرجل الذى ظهر بين ظهرانينا، أما أنا فقد قلت بثقة العارف: إن حازم كان صادقا ولكنه كان من البارعين فى فن المعاريض، فالأقباط لغة وتاريخا تعنى المصريين ولا علاقة لها بالدين، أضف إلى ذلك أن الإخوة من قادة التيار الإسلامى وفى القلب منهم حازم يطلقون على المسيحيين «نصارى» ويرفضون استخدام تعبير مسيحيين، ويقولون إنه لا يوجد دين اسمه المسيحية ولكن اسمه النصرانية، فإذا أراد الشيخ حازم وفقا لقناعاته أن يقول إن معه توكيلات من المسيحيين كان سيقول: معى ثلاثين ألف توكيل من النصارى، لذلك فإنه عندما قال معى توكيلات من الأقباط فهو لا يقصد العقيدة أو الدين ولكنه يقصد الجنسية أى معه توكيلات من المصريين، هل وصل المعنى، وبالتالى إذا تتبعنا كل تصريحات الشيخ حازم من بداية ظهوره فى العمل السياسى مؤخرا إلى أن صدر الحكم عليه بالسجن ستجدونه يستخدم المعاريض بخفة غريبة، عودوا إلى تصريحاته عن المسائل الخلافية التى خاض فيها ستنبهرون من هذا الثراء اللغوى وسرعة البديهة التى تتيح له فرصة تقليب الألفاظ على عدة أوجه كأنه الإمام اللغوى الفراهيدى صاحب التقليبات اللغوية الشهيرة.ولأن لكل عالم كبوة فقد كبا أبو اسماعيل على وجهه فى توقيعه على إقرار جنسية والدته، إذ كان الإقرار الأولى الذى وقعه صيغته هى «أقر أننى لا أعلم إذا كانت والدتى قد حصلت على جنسية أجنبية من عدمه»! وحين أفهمه المستشار حاتم بجاتو أن هذا الإقرار لا يصلح ولا يترتب عليه قبول أوراقه، أسقط فى يده، واضطر للتوقيع على إقرار صريح كانت عباراته «أقر أن والدتى لم تحصل على جنسية أجنبية» فتخلى أبوإسماعيل مرغما بهذا الإقرار عن معاريضه وكانت المرة الأولى التى تخلى فيها سببا فى سجنه، وأظنه يقول فى السجن الآن: منك لله يا حاتم بجاتو.