رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب سمير الفيل يخص «الدستور» بذكرياته مع ألف ليلة وليلة وفانوس رمضان

سمير الفيل
سمير الفيل

حول ذكريات طفولته المرتبطة بشهر رمضان المعظم، قال الكاتب والقاص سمير الفيل: "قبل شهر رمضان بأيام قلائل، ودون سابق إنذار انحبس صوتي، ولم يسعفني الحديث والتفاهم مع الناس سوى القلم، أكتب به على رقعة من الورق .الحمد لله فقد انزاح الألم جزئيا، ومازال جزءا من صوتي عالقا في فراغ العالم وجبروته.

وتابع “الفيل” في تصريحات خاصة لـ“الدستور”: ردني هذا لأيام رمضان منذ ستين عاما. كنت وقتها صبيا في العاشرة من عمري، أعمل بائعا في محل بيع أحذية. النصف الأول من اليوم، صامت، هاديء إلى حد كبير، أما النصف الثاني فمزدحم، فرح، مشحون بالحركة، فهو موسم حيث يتوافد الزبائن على المحل المواجه لجامع البحر وبالقرب منه حي العطارين حيث سرادق بيع الياميش.

في هذا الزمن كنا نذهب إلى النيل، نقف على شاطئه بانتظار عسكري المطافيء الذي يحمل عصا مخصوصة، يحك بها رأس " البومبة" فيدوي صوت الطلقة مرتين في سماء مدينة تعشق العمل .نعدو بكل قوانا لنلحق الأسرة، تستدير حول الطبلية، نتناول إفطارنا في حماس وهمة. 

  • ذكريات الكاتب سمير الفيل مع فانوس رمضان

ويضيف “الفيل”: ثم ترانا نسحب الفوانيس من أماكنها تحت المائدة، وهي مصنوعة من قطع الصفيح، مع شبابيك من الزجاج الملون، نشعل الشمعة ثم ننزل لنمارس بعض الرف في دهاليز الحي بأصواتنا الرفيعة :" حالو.. يا حالو.. رمضان كريم يا حالو"، نتشر في دروب الحارة، الفرح يطوقنا، وقلوبنا مفعمة بالحب والخير.

لم يكن أحد يجبر بخاطرنا، فيعطينا المليم أو التعريفة أو القرش. لكن ثمة محال على أبوابها المفتوحة صينية نحاسية توزع عليها مشروب السوبيا أو التمرهندي، أو العرق سوس .نقربع ونطلب المزيد، فتمتد الأيدي الكريمة بأكواب الزجاج المشغول بنقوش بديعة.

نتجه إلى أعمالنا، كل في ورشته أو محله، وأنا أولهم، في انتظار يوم "القبضية"، وهو الخميس من كل أسبوع، نحصل على المبلغ البسيط، ندفع قرشين للنش الذي يأخذنا إلى رأس البر حيث المالح، الذي ينادينا من بعيد. 

في الصف الأول الابتدائي التقيت بمحمد علوش الذي صار شاعرا ـ وبماجد مجلع، ومحمد الهلف، ومحمد الزناتي (ألفة الفصل)، وعرفنا كيف تكون من الحروف كلمات، ومن الكلمات جملا وعبارات. من هنا جاءت الكتابة التي بدأت بالحكي. 

وإذا كان المصري القديم قد سجل الوقائع والأحداث على جدران المعابد القديمة، فقد سطرنا ذكرياتنا ووقائع حياتنا في بداية المشوار في كراسات صغيرة.

فكرة الكتابة هي أن تبوح، تعلن عن نفسك وتجلي مشاعرك عبر اللغة، قبلها كانت الإشارة والإيماءت وحركات الجسد وسكناته.

  • كوليس لقاء “الفيل” مع الشاعر طاهر أبو فاشا

حببنا معلمنا بالصف الأول الابتدائي الأستاذ رفعت قطارية فن الحياة، وبأن نحب الطبيعة، ونلاحظها كي نكشف عن مكنوناتها . وبعد سنوات قليلة أتعرف على “طاهر أبو فاشا” عبر حكايات "ألف ليلة وليلة"، وفيها تبدأ الحدوتة بأن تتوجه شهرزاد للملك صاحب الرأي الحكيم، وتقص عليه أخبار من سبقوا، لتختلط الأسطورة بالحكاية في مزيج مدهش يأسرنا، إذ نهبط من بيوتنا في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم عبر الاستماع للحلقات التي يبثها راديو عم عبده طه الحلاق . نستمع إلى رقائق الفضة تهبط مع حكايات مدهشة لا يقطعها سوى صياح الديك . إنها موسيقى رامسكوف كما سنعرف فيما بعد، تصوت أنه ديك له ريش أسود، وعرف أحمر، ينظر نجوي بعداء بالغ ليقطع حبل المتعة.

بدأت الحلقات عام 1955 وبعدها بسنتين أي في عام 1957 بدأت في سماع الحكايات كما لاحظت النبرة العروبية تشمل كلمات الأغاني، وأحاديث المساء . كانت خالتي فاطمة تاتي لتستكمل خياطة أثواب عربية ولتعلن عن شيخ الليلة : محمدرفعت، عبد الباسط عبد الصمد، مصطفى إسماعيل . نستغرب أن ذاكرتها حافظة لأسماء "الصييتة" وكان هذا هو الاسم الشعبي لهم.