رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن الموسم الدرامى الرمضانى. ثناء ورجاء وأمل واقتراح

من حق القائمين على الموسم الدرامي الرمضاني في مصر أن نتوجه لهم بالشكر والتقدير على ما بذلوه من جهد خرجت نتيجته بصورة مشرفة، تجلت في عدد ونوع ومستوى ما قدموه هذا العام من مسلسلات درامية، ولعل أبرز الملاحظات التي تم رصدها إلى اليوم هو هذا التنوع في المنتج الدرامي.
وكذلك مراعاة الأبعاد الاجتماعية فيما يتم تصديره للمجتمع، إذ لم تعد تلك الألفاظ الخادشة للحياء، ولا حياة المدمنين ولا تمجيد البلطجة ولا كشف المستور في أوساطنا الاجتماعية هي الأعمدة الأساسية لبناء أعمال درامية، صحيح هناك بعض السقطات التي يمكن رصدها، لكنها لم تعد القاعدة بل هي الاستثناء ودراميًا أيضًا يمكن القول إننا لا نعيش في مجتمع ملائكي خال من الأشرار وأصحاب الغرض والمأزومين نفسيًا كما أن الخير لا يتضح ولا يمكن إبرازه دراميًا إلا بإظهار ضده، فبضدها تتميز الأشياء.
ولقد نجحت الشركة المنتجة بإدارتها الجديدة في تقديم مزيج درامي منوع، حيث تم اختيار وتقديم أعمال جرت أحداثها في بيئات مختلفة حققت ما يمكن وصفه بالتنوع في الخريطة الدرامية، الأمر الذي أعطى لمعظم تلك الأعمال نكهات متنوعة تميز كل عمل عن الآخر، وقد برزت أعمال بنجوم بدأوا في احتلال مراكز متقدمة في سباق النجومية ونجحوا- إلى حد ما- في تعويض غياب نجوم كبار غيبهم هذا العام إما الموت أو السن أو البحث عن عمل يليق، غير أن أبرز ما يستحق الثناء والشكر والتقدير هو مسلسل "الاختيار 3".
تلك الملحمة الوطنية التي أبهرتنا في الجزء الأول قبل عامين، ثم واصلت النجاح في العام الثاني لتأتي في العام الثالث وتحقق نجاحًا مدويًا على المستوى الجماهيري وعلى المستوى الفني أيضًا؛ إذ قدم لنا الاختيار في الجزء الثالث ما يعرف باسم "الدوكيودراما" حين استعان بمشاهد حقيقية توثيقية جعلت العمل أقرب إلى التصديق فلم تفلح محاولات الإخوان في إنكار رسالة المسلسل.
إذ قدم العمل الحدث الدرامي ثم أكده بالوثيقة الدامغة التي لا تفلح معها محاولات الإنكار أو التكذيب.
لكن السؤال المهني الذي يمكن للناقد المتخصص طرحه، هل يحتمل عمل درامي كل هذا الحشد من النجوم في عمل واحد؟ وإن كان لي أن أبدي رأيا في هذا الأمر فهو ببساطة شديدة: ولم لا؟ نعم ليس هناك ما يمنع من وجهة نظري طالما نجح مخرج العمل في حسن إدارة النجوم ولم يتسبب وجودهم في مشاكل إنتاجية أو حتى سيكولوجية فيما يعرف "بالنفسنة" الفنية التي تنتهي بإفساد أعمال عظيمة كثيرة وفي هذا السياق أحيل أصحاب الرأي المضاد إلى فيلم "الناصر صلاح الدين" فكم كان فيه من نجوم التمثيل العمالقة الذين أضافوا بوجودهم للحدث الدرامي قوة وإقناعًا.
وانتقل من الثناء إلى الرجاء الذي أتمنى أن يجد حظه من دراسة "الشركة المتحدة" في قادم المواسم الدرامية، فبعدما قدمتم هذا العام وجبة درامية دسمة ننتظر أن تستعيدوا أيضًا ذاكرة الدراما التاريخية والدينية بأعمال تعيد استخدام اللغة العربية برقي وسلاسة وتعلي من القيم الدينية والإجتماعية التي ترقى بالسلوك وتؤثر في الناس تأثيرًا لم تعد معظم المنابر قادرة على القيام به لأسباب لسنا بصدد مناقشتها الآن، فمن له أن ينسى رائعة نور الشريف عن خامس الخلفاء الراشدين، سيدنا عمر بن عبدالعزيز، أو مسلسل "الفرسان" أو "الأبطال" أو "محمد رسول الله" أو "مسلسل لا إله إلا الله" أو حتى المسلسل عالي القيمة عظيم التأثير ضعيف الإنتاج "القضاء في الإسلام".
هذه الأعمال وغيرها كإمام الدعاة أو الليث بن سعد كلها أعمال تجمع بين المتعة البصرية والتسلية علاوة على ما حققته من تربية دينية وخلقية.
والأهم هو خدماتها للغة العربية حين يتناقلها عمالقة التمثيل بسلاسة وتميز وعبقرية أداء فتدخل اللغة قلوب الناشئة بحب لا تقوى عليه قاعات المحاضرات ولا فصول المدارس.
أما الاقتراح فهو أن تتيح "المتحدة" فرصة لشباب المؤلفين بعمل مسابقة جادة في السيناريو تكون جوائزها هي التعاقد مع أصحاب النصوص الفائزة وهنا سنتيح الفرصة العادلة الشفافة لعشرات ولا أقول للمئات من الموهوبين في الكتابة إذ لم تعد هناك شركات إنتاج كثيرة تمنحهم فرصة إبداع العمل الأول وهي مشكلة ينتج معها تكرار الأفكار ورتابة الكتابة وضعف السيناريوهات.
فكل قلم جديد يحمل في داخله مدادًا من الأفكار الجديدة والرؤى المختلفة التي تضيف ليس فقط للدراما ولكن للمجتمع كله.
أما أملي للدراما فهو تحديدًا للدراما الإذاعية، إذ أتمنى أن تطرق الشركة المتحدة باب الإنتاج الدرامي الإذاعي لتعويض انعدام التمويل الذي يحرم المستمعين من متابعة دراما تصنع الخيال وتدعم الإبداع وتكتشف أقلامًا مبدعة من المؤلفين وأصواتًا أكثر إبداعًا من الممثلين.
ولا يخفى على صناع الدراما أن ميزانية المسلسل الإذاعي لا تتعدى ١٠٠/١ من ميزانية أي مسلسل تليفزيوني كما أن فرص توزيع المسلسل الإذاعي تبقى متوافرة في الأسواق العربية إذا ما تم التعامل مع الأمر باحترافية وبذكاء في اختيار الموضوعات التي تخص المستمع العربي من المحيط إلى الخليج أو باتباع تجربة الإنتاج الدرامي المشترك.
تلك هي كلمات شكر مستحقة لكل من شارك في صناعة خريطة درامية رمضانية ناجحة تمامًا قياسًا بما كان عليه الأمر قبل سنوات وأمل في تحسين المنتج - رغم جودته - فالإبداع الحقيقي تبقى حدوده السماء وليس دونها، واقتراح نطرحه بتجرد عسى أن يجد سبيلًا للدراسة ثم التطبيق إن ثبتت جدواه، ورجاء رفعناه للقائمين على أمر الدراما نتمنى أن نجد له آذانًا صاغية، وأكرر القول أن شكرًا لكم جهدكم وليس اقتراحنا ولا أملنا إلا رغبة في مزيد من النجاح والتألق لمنتجنا الدرامي الوطني.