رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرصة سانحة لتنفيذ توجه الرئيس بحماية المرأة

رغم كل ما تحقق من مكتسبات للمرأة المصرية فلا يزال أمامنا طريق وعر لنقطعه، وتحديات علينا أن نواجهها، وقوانين بها ثغرات تحول حياة المرأة إلى جحيم، فى حالة الطلاق أو الخلاف مع الرجل، ولقد كتبتُ من قبل مطالبة بقانون جديد للأحوال الشخصية، يكون أكثر انصافًا للمرأة والطفل، ومنذ سنوات نطالب به، إلا أنه لم يتحقق لنا هذا المطلب.

وفى تقديرى أننا أمامنا الآن فرصة سانحة وذهبية لإصدار قانون جديد للأحوال الشخصية، وسن تشريعات تحقق لها الحماية والكرامة والعدالة والإنصاف، وذلك لسببين: 

أولهما: تنفيذ توجيهات الرئيس الأخيرة، حيث إننى كان لى شرف تلقى دعوة لحضور لقاء الرئيس بمناسبة تكريم الأمهات المثاليات وبعض الرائدات فى القاعة الكبرى بالمنارة، وذلك قبل أيام قليلة من بدء شهر رمضان الكريم، وتحديدًا يوم ٢٧ مارس، وهو فى تقديرى لقاء تاريخى، لأن الرئيس وجه بضرورة اتخاذ منهج جديد فى معاملة المرأة، واحترامها وحمايتها وتمكينها، وذلك التوجه هو للدولة والحكومة والمجتمع، ما يبشر بأن لدينا فرصة الآن لاتخاذ سياسات جديدة لتعزيز مكانة المرأة، وأكد الرئيس قائلًا: 

«إن احترام المرأة وتمكينها وحمايتها هو واجب وطنى، والتزام سياسى، وعلينا جميعًا أن نتخذه كمنهج حياة، فبدونه لن يتحقق أى تقدم منشود»، كما أبدى سيادته استياءه من ممارسات سيئة تُرتكب ضد المرأة، وأكد رفضه العنف والتحرش، ووجه بعدم إيذاء المرأة بأى شكل من الأشكال، ووجه الحكومة باتخاذ إصلاحات تشريعية، وأيضًا الاهتمام بالمرأة المعيلة والمسنات وذوات الإعاقة والقاطنات فى المحافظات الحدودية، ووضعهن تحت مظلة شبكة الأمان الاجتماعى، وأكد الرئيس، فى لقائه المهم، كلمته الشهيرة التى نعتز بها فى وصف نساء مصر بأنهن «عظيمات مصر».

ومعنى هذا أننا لا بد أن نرى تنفيذًا فعليًا وتحركًا عاجلًا لتنفيذ توجيهات الرئيس، وأن تعمل الحكومة فى اتجاه إصدار تشريعات جديدة تحقق للمرأة الحماية من العنف، وبما يكفل لها التمكين والاحترام والكرامة، وكلها مطالب لا تحتمل التأخير أو التجاهل، نظرًا لما قامت به المرأة المصرية من دور محورى فى استقرار الوطن والخلاص من الظلاميين، والمشاركة فى الصفوف الأولى لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لتخليص البلاد من الأفكار المتشددة والمتطرفة والظلامية التى تحقر من شأن المرأة، وتدمر كيانها، وتستبيح كل صور الإيذاء البدنى والمعنوى لها، بل وتسلبها كل الحقوق التى تكفل لها مكانتها التى تستحقها فى مصر والتى تتجه إلى الجمهورية الجديدة، وأطالب هنا بسرعة إصدار قانون جديد للأحوال الشخصية يتناسب مع دور المرأة المصرية الذى قدمته أيضًا فى حفظ استقرار وأمان المجتمع فى مواجهة الإرهاب الأسود، فهى رمانة الميزان فى استقرار الوطن، وهى أيضًا أم الشهيد، وزوجة الشهيد، وابنة الشهيد، من أبطال رجال الجيش المصرى والشرطة المصرية الذين يقدمون للوطن أنبل التضحيات بأرواحهم فداءً للوطن الغالى.

ولهذا فإن توجيهات الرئيس وقيامه بتعيين المرأة المصرية فى مناصب عليا، وزيرات ومحافظات ونائبات وزراء، ومؤخرًا تعيين قاضيات فى مجلس الدولة، كل هذه خطوات تاريخية، على الدولة والحكومة أن تستكملها بتشريعات جديدة واضحة ومحددة، تضمن تحقيق الحياة الكريمة لنساء وبنات مصر، وتخلصهن من أَسر الفتاوى المتطرفة التى يرددها دعاة دينيون يرفضون خطاب التجديد الذى وجه إليه الرئيس من قبل فى عدة خُطب مهمة.

أما لقاء الرئيس فى يوم تكريم الأمهات المثاليات فقد فتح به بابًا للمضى قدمًا فى خطوات جديدة لإصلاح أحوال المرأة والبنت المصرية، وحضرتْ اللقاء وألقت فيه كلمة بليغة عن دور المجلس القومى للمرأة د. مايا مرسى، المسئولية التى يضطلع بها فى محافظات مصر لدعم المرأة والتوعية بحقوقها وبدورها وبمشاركتها فى الإنتاج، كما ألقت كل من د. هالة السعيد وزيرة التخطيط، ود. نفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى كلمتها.

وكان لى مؤخرًا لقاء خاص مع بعض عضوات مجلس النواب تحدثنا فيه عن ضرورة تقديم قانون جديد للأحوال الشخصية، يتناسب مع أهداف مصر فى تحقيق التقدم إلى الأمام، وتعزيز مكانة المرأة، ولدى النائبات فرصة تاريخية الآن للتقدم بقانون جديد للأحوال الشخصية يتقدم بنا للأمام نحو حياة جديدة أكثر عدالة للمرأة والبنت المصرية.

ثانيهما: لدينا الآن، خلال الشهر الكريم، مسلسل مهم وكاشف للقانون الحالى، وما به من عيوب تسفر عن قهر كبير وظلم فادح للمرأة وأبنائها فى حالة الطلاق، والمسلسل يقف كأهم مسلسل اجتماعى من بين المسلسلات الاجتماعية التى نشاهدها خلال شهر رمضان الحالى، وأقصد به «فاتن أمل حربى»، إذ يقدم لنا على مدى ٣٠ حلقة صورًا من العذاب والإهانة والذل التى تمر بها المرأة وابنتاها فى حالة الطلاق، وفى ظل وجود قوانين ظالمة وفتاوى متطرفة ومتشددة، ما يسلبها كل حقوقها فى الحياة الآدمية، حيث تجد نفسها وابنتيها فى الشارع بلا أى حقوق فى مواجهة ممارسات بلطجة وعدوانية بل ومتطرفة من جانب طليقها تجاهها وتجاه ابنتيهما، وتحاول الأم المقاومة لتعيش بكرامة بعد الطلاق بعيدًا عن زوج بلطجى يعتنق أفكارًا متطرفة تدنى من شأن الزوجة وأم الأولاد، ويمارس معها كل أشكال العنف من الضرب، والإيذاء البدنى، والإهانة، وسرقة عفشها، والاستيلاء على بيت الزوجية، وإلقاء ابنتيها منه فى الشارع، ومحاولة إذلالها بأخذ حضانة البنتين الصغيرتين منها.

ثم أخذ الولاية التعليمية منها ومطاردتها فى بيت الصديقة الوحيدة التى فتحت لها بيتها لتعيش معها هى وابنتاها، وادعائه بأنه ليس مسكنًا آمنًا لها، ثم تضطر للذهاب لتعيش فى مجمع الخدمات المتكاملة، الذى أقامته وزارة التضامن الاجتماعى لدعم ومساعدة السيدات المعنفات، لكن لوائحه لا تتيح لها البقاء لأكثر من ٦ أشهر فقط، وبالطبع أضيف هنا أنه ينبغى أن تكون لدينا مراكز عديدة لمساعدة المطلقات المعنفات اللاتى ليس لديهن مأوى، وفى المسلسل سنجد أن الزوج يعتنق الفكر المتطرف الذى يستبيح إذلال المرأة وإهانة آدميتها، ويريد إرغام الطفلتين على ارتداء الحجاب منذ الصغر.

وللأسف ومن واقع متابعاتى لأحوال نساء وبنات مصر، ومن واقع مشاهداتى لما تمر به النساء من محن ومآس فى المحاكم، فإننى أرى أن القانون الحالى لا يحقق الحماية للمرأة فى الواقع، وفى أى خطوة، فهو فى حقيقة الأمر عبارة عن مواد قديمة لا تكفل تحقيق العدالة والحماية للمرأة، وليس فيه حتى أى آليات لتنفيذ الأحكام، فمثلًا بالنسبة لمادة: أن الشقة من حق الزوجة الحاضنة فإن هذا لا يُنفذ، لأن به من الثغرات ما يجعل الحياة للنساء وأطفالهن نوعًا من الذل والإهانة والظلم فى مواجهة الرجل البلطجى، أو الذى يعتنق أفكارًا متشددة ومتخلفة، ولا تصلح للحياة الآدمية، ولدينا ملايين من الرجال الذين نشأوا على هذا التشدد فى بيوتهم، ولا يراعون الزوجة ولا الأخت ولا الابنة، لأنهم نشأوا فى بيوت مليئة بالأفكار المتشددة التى عفى عليها الزمن، والتى لا بد أن نواجهها بتشريعات جديدة تحقق للمرأة والبنت العدالة والإنصاف والاحترام والكرامة، وأيضًا بالنسبة لنفقة الأطفال، حيث يتهرب منها معظم الرجال بسهولة.

وهذا المسلسل فى تقديرى مسلسل مهم، ومن الممكن أن يكون علامة فارقة فى ظهور تشريعات جديدة تُنصف المرأة وتخلصها من القوانين الحالية التى تكبلها وتحطمها وتسرق عمرها وتسحق آدميتها، هو فرصة سانحة لكى تقوم الحكومة أو مؤسسات الدولة كالمجلس القومى للمرأة بتقديم مشروع قانون جديد يحقق الكرامة لنساء وأطفال مصر، ويضمن لهم حياة كريمة فى حالة الطلاق أو الخلاف، ويحقق الردع لذوى العقول المغلقة من الرجال الذين يستبيحون العنف والإذلال والقهر للمرأة وأبنائها فى حالة الطلاق.

أما بالنسبة للمسلسل فقد قام فريق العمل بتقديم مسلسل يستحق المشاهدة، لكن لكى يكون له تأثير فلابد من انتهازه للدفع بتشريعات جديدة تنصف المرأة وأطفالها، وأقترح أن يتم تقديم مسودة أى قانون جديد للمجلس القومى للمرأة، وأن يشمل المجلس لجنة من شخصيات ذات عقليات مستنيرة، باعتباره الجهة الحكومية المنوطة بأحوال المرأة ووضع سياسات لإنصافها، ولدينا د. مايا مرسى التى يمكن أن تشكل لجنة منصفة لمراجعة أى قانون جديد للأحوال الشخصية قبل إحالته للبرلمان للموافقة عليه.

أما بالنسبة للمسلسل فأعود إليه بأن الفنانين أدوا أدوارهم ببراعة مع قصة متميزة وكاشفة بشكل مباشر لا يقبل المراوغة، وأحيانًا مباشرة أكثر مما ينبغى، وهى للكاتب الإعلامى الأستاذ إبراهيم عيسى، وأدت نيللى كريم دور البطولة ببراعة تُحسب لها، وهو دور العمر لنيللى فهى تجسد بإتقان الأم المقهورة المطلقة التى تعانى العذاب والتشتت والاحتياج المادى وتعانى من ظلم القانون الحالى.

ويحسب لنيللى عدم استخدام الماكياج وارتداء ملابس مناسبة للدور كموظفة فى الشهر العقارى، لكنها موظفة ذات إرادة تريد أن تنجو بحياتها وحياة بنتيها من قهر وبلطجة أب متخلف ومتشدد، يعاملها أسوأ معاملة، كما أدى شريف سلامة دور الزوج المتطرف فكريًا، ثم الطليق البلطجى بإتقان وتميز، ما جعل المشاهد يكره رؤيته على الشاشة.

وأدت هالة صدقى، الصديقة المخلصة التى تعانى أيضًا فى حياتها، دورًا يحسب لها، وهى فنانة ذات خبرة درامية وتستطيع أن تقدم أدورًا صعبة بعد أن ابتعدت قليلًا عن الأدوار الكوميدية، وأدت الفنانة فادية عبدالغنى دورها بتميز فهى الحماة التى تجسد الشر، والتى تحيك الشر لطليقة ابنها المنحرف ولأم حفيدتيها ببراعة، وهى تقف مع الشر والظلم والقهر لهن، فنجد هنا أن المرأة هى ذاتها التى تقهر مرأة أخرى حتى لو أدى هذا لايذاء حفيدتيها.

وهنا أيضًا دور متميز للداعية المستنير قام به الممثل الشاب محمد الشرنوبى، وخالد سرحان يؤدى دوره بإتقان، حيث يجسد القاضى الصارم القاسى الصلف والمتكدسة لديه القضايا فليس لديه وقت لدراسة القضية أو الاستماع للطرف المظلوم «فاتن أمل حربى»، ولا يتيح له القانون تحقيق الإنصاف للأم، كما يُحسب أيضًا للمخرج الشاب محمد العدل تميزه واختياره الفنانين، وتحريك الكاميرا بإضاءة خافتة تتماشى مع جو المسلسل الذى تخيم عليه حالة القهر والمشاكل والقضايا والظلم للمرأة.

وفى تقديرى أننا الآن لدينا فرصة مواتية لإصدار قانون جديد للأحوال الشخصية يتضمن تشريعات حديثة تنصف المرأة والطفل، وتضمن لها تشريعات تصون كرامتها، وتضمن حضانة أولادها، وتكفل لها النفقة والبيت الآمن، وعدم تهرب الزوج من التزاماته تجاه أطفاله. 

إن لدينا توجيهات رئاسية تؤكد لنا أن حماية المرأة هى واجب وطنى والتزام سياسى، وهذا التوجه المستنير الذى فتح باب الكرامة للمرأة المصرية إذا ما تم استكماله بقانون جديد به تشريعات منصفة للمرأة والطفل سيُفتح إلى الأبد وسنرى عهدًا جديدًا من العدالة والحماية والكرامة والتمكين للمرأة المصرية وأطفالها فى حالة الطلاق.. عهدًا جديدًا يبشر بحياة جديدة تليق بالمرأة المصرية بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، الداعم الأول للمرأة والطفل فى بلدنا الحبيبة، ولعله يكون عهدًا ذهبيًا يتناسب مع الجمهورية الجديدة، ومع ما نأمله للمجتمع المصرى من حياة أفضل.. لكل المواطنين نساءً ورجالًا وأطفالًا.