رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا تتكرر الأعمال الطائفية في الإسكندرية؟

هناك سؤال هام، ومن خلال الإجابة عليه سنضع أيدينا على مداخل المشكلة ومخارج حلها، السؤال هو لماذا تتكرر حوادث الإرهاب لقتل رجال الدين المسيحي في الإسكندرية؟
قبل الإجابة على السؤال لا بد أن نرصد بداية تلك الأعمال الطائفية والسبب الخفي لها، بدأت وانتشرت تلك الأعمال ولبست ثوب الطائفية وترسخت كجزء من ثقافة واقع في المجتمع المصري منذ عهد الرئيس الراحل السادات، وهنا السؤال الأهم لماذا ظهرت تلك الأحداث الطائفية في عهد الرئيس الراحل السادات؟ وللإجابة على السؤال لا نستطيع فصل ذلك الواقع عن الخلاف الذي حدث بين الرئيس السادات وقداسة البابا شنودة الثالث بخصوص التطبيع مع الكيان الصهيوني ومعاهدة كامب ديفيد.
وهنا مربط الفرس في الأحداث وهي الحرب الصهيونية على الكنيسة المصرية وشخص قداسة البابا شنودة، وبما أن الكنيسة القبطية المصرية وقفت بالمرصاد ضد المشروع الصهيوني في المنطقة، هكذا كانت الحرب الصهيونية على مدينة الإسكندرية التي تمثل الرمز لكرسي البابوية للكنيسة القبطية المصرية، والتي يقطنها أكبر عدد من أقباط مصر، تلك هي الإجابة على السؤال المطروح لماذا تقع معظم الأحداث الإرهابية للاعتداء على رجال الدين المسيحي في مدينة الإسكندرية؟
ولربط ذلك الطرح بالمؤامرة الصهيونية التي بدأت بقوة ووضوح منذ عهد السادات، ضد مصر هناك الهوية والحضارة المصرية التي تمثل عائقًا شديدًا ضد المشروع الصهيوني في المنطقة، وبما أن هناك ربطًا بين الكنيسة المصرية ككيان روحي وبين الموروث الثقافي الحضاري للدولة المصرية والتي تمثله تلك الكنيسة من وجهة نظر الصهيونية، هنا جاء التركيز الكلي للمؤامرة الصهيونية على مصر من مدينة الإسكندرية التي كانت وما زالت تمثل المركز والمدخل الثقافي لمصر "تصدير وتوريد".
وللتوضيح أكثر، إن الصهيونية العالمية التي ترمي إلي عولمة الثقافات وإذابة الحواجز الخاصة بالهوية والقومية للأوطان رميًا واستهدافًا إلى إقامة الحكومة الموحدة داخل دائرة ذلك الذوبان في جميع الاتجاهات، فهي هنا تدرس خصائص المجتمعات وكيفية التعامل مع إذابة تلك الخصائص وتفكيك تماسكها.
وفي المجتمع المصري استخدموا عدة عوامل منها التهجين والتجنيس الأيديولوجي، ففي المسيحية كانت الإرساليات البروتستانتية ومشتقاتها اللوثرية التابعة للصهيونية العالمية لضرب قوة وتماسك الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية.
وفي الإسلام تم تكوين الجماعات الراديكالية، وكانت نقطة البداية جماعة الإخوان المسلمين علي يد المخابرات البريطانية 1928 بقيادة حسن البنا، ومن تلك الجماعة تشعبت كل الجماعات الإرهابية تحت مسميات مختلفة، ولربط الأحداث والأدوات الصهيونية بمدينة الإسكندرية فقط تعرض الزعيم التاريخي الرئيس جمال عبدالناصر العدو اللدود للصهيونية لمحاولة اغتيال عام 1954 في الإسكندرية علي يد جماعة الإخوان الإرهابية والتي ركزت نشاطها وتواجدها في مدينة الإسكندرية رغم أن تأسيسها كان عام 1928 في الإسماعيلية.
وتقسيمًا للأدوار بين الأم المتمثل في جماعة الإخوان الإرهابية وبين باقي التشكيلات الراديكالية فقد تركزت الجماعة السلفية وكوادرها ورموزها في مدينة الإسكندرية، وقامت علي مدار سنوات طويلة بالعديد من الأحداث الطائفية والإرهابية، ومن الحاضر إلى المستقبل، هناك تغيير كبير للغاية حدث في مدينة الإسكندرية ذلك التغيير الذي أسميه في كتاباتي (التهجين والتجنيس) وما يطلق عليه في العلوم الاجتماعية "التحول الديمغرافي" بالإنجليزية "demographic transition" فمنذ 50 عامًا ما بين بدايات حكم الرئيس السادات وإلي الآن، قد تغيرت التركيبة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لمدينة الإسكندرية وأصبح التيار السلفي هو المهيمن ثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا علي الكثير من المناطق في الإسكندرية.
ولا ننكر أن التهجين الأيديولوجي الصهيوني قد طال الكثير من تركيبة الشخصية المصرية أيديولوجيًا وثقافيًا واجتماعيًا، ذلك التهجين يرمي في كل الأحوال إلى اختراق مكون الهوية المصرية وتسطيح الموروث وجعله هشًا ضعيفًا غير قادر على مقاومة المشروع الصهيوني في المنطقة، وبالفعل نجح المخطط باقتدار وساعده على ذلك ضعف رؤية الأنظمة السابقة وإهمالهم التعليم الذي تم استخدامه كمختبر بيولوجي قادر على إنتاج ملايين من الفيروسات من الجماعات الراديكالية، هنا الإجابة لماذا تتكرر الأعمال الإرهابية في مدينة الإسكندرية.
والعلاج كما ذكرنا مرارًا وتكرارًا من منهج التعليم وسطور الهوية والحضارة المصرية، ومعلم ليس ابن بيئة التهجين الأيديولوجي الصهيوني، هنا مداخل المشكلة ومخارج حلها.