رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب يوميات الاختيار (7): «اختطاف شهيد»... كنت شاهدًا على محاولة سرقة الإخوان جثة الحسينى أبوضيف

محمد الباز
محمد الباز

صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام الإخوانى ادعى أن الحسينى كان من الإخوان وصور «البلطجية» يعتدون على عناصر الجماعة

أسرة الحسينى ردت على أكاذيب الجماعة الإرهابية ببيان اتهموا فيه التنظيم بقتله مع سبق الإصرار والترصد 

أعضاء الجماعة مجرد لصوص يسرقون كل شىء ولا يتورعون عن فعل ذلك مع الشهداء

بدأت صداقتى بالحسينى أبوضيف بعد استشهاده. 

لا تندهشوا مما أقوله، ولا تتعجبوا من تلك الصداقة التى يخلقها موت أحد طرفيها. 

فى حياته، كان الحسينى يعمل معنا فى جريدة «الفجر» محررًا، لا يتردد عن اقتحام أصعب الملفات وأعقدها، كان نقيًا وبريئًا وصادقًا وحقيقيًا، وربما لكل هذا مات مبكرًا. 

تقاطعت معه بالقدر الذى تسمح به علاقة عمل، لكنه عندما تلقى فى رأسه رصاصة خائنة وغادرة من سلاح إخوانى، وأصبح جسدًا ضعيفًا يقاوم على سرير بارد فى غرفة العناية المركزة فى مستشفى الزهراء الجامعى بدأت صداقتى الحقيقية به، فهكذا الطيبون، لا نشعر بمقدار حبنا لهم إلا بعد أن يرحلوا عنا. 

على باب الغرفة التى رقد فيها، وقفت وإلى جوارى الصديق عبدالفتاح على، كنا صامتين تمامًا، أعطتنا الممرضة ملابسه، وهى تقول لنا: أنتم أهله؟... هززنا رأسينا دون كلام، فأكملت: ربنا يصبركم... هو تقريبًا خلصان. 

بعد أسبوع أصبح ما قالته الممرضة واقعًا، كان الحسينى قد انتقل إلى قصر العينى، ومن هناك وفى ١٢ ديسمبر ٢٠١٢ تم الإعلان الرسمى عن وفاته. 

احتفى «الاختيار ٣» بالحسينى أبوضيف، جدد أيقونته التى شهدنا جميعًا على ميلادها، وهو يواجه الجماعة الإرهابية، يمشى فى المظاهرات، يهتف، يوثق بالصورة ما يحدث، ثم فى مشهد نهايته يقف وجهًا لوجه أمام قناصة الإخوان، وهم يدافعون عن شرعيتهم بالخرطوش والرصاص المحرم دوليًا، لا يخشاهم، بل قرر أن يقنص وجوههم العكرة قبل أن يحصدوا روحه الطاهرة. 

كشف الحسينى عن عورة الجماعة وهو حى... وكشف عن عورتها أيضًا وهو ميت. 

فبعد أن قتلوه، قرروا أن يسرقوا جثته، عندما اجتهدت أبواقهم فى الإشارة إلى أن الحسينى كان عضوًا بالجماعة، وعليه فهو شهيدهم، مات من أجل الدفاع عن شرعيتهم وشرعية رئيسهم التى بدأ نزيفها بإعلانه الدستورى المدمر، الذى ما خرجت جموع المتظاهرين إلا احتجاجًا عليه. 

كانت مهمة كل أصدقاء الحسينى أن يستردوه من بين أنياب جماعة قاتلة، تقتل القتيل وتريد أن تنظم له جنازة وتأخذ فيه العزاء وتطلب له الرحمة. 

بدأت خطة الإخوان لسرقة جثة الحسينى من عند صلاح عبدالمقصود، وزير الإعلام الإخوانى، الذى كان موجودًا فى نقابة الصحفيين، فاستغل مؤتمرًا صحفيًا عقده زملاء وأصدقاء الحسينى لفضح ما تعرض له على أيدى عصابات الإخوان أمام قصر الاتحادية، وهناك قال إن الحسينى من الإخوان، وإنه كان يصور البلطجية الذين ضربوا أعضاء الجماعة وقتلوهم، وإنه يدعو الله أن يقوم من أزمته حتى يشهد بالحق على من قتلوا الشهداء. 

أبدى صلاح عبدالمقصود جهلًا فاضحًا بالمناضل الذى زاره، قال إنه مصور صحفى، رغم أن الحسينى كان محققًا صحفيًا من الطراز الأول، والتصوير بالنسبة له لم يكن إلا هواية، لكن صلاح عبدالمقصود الذى لم أضبطه متلبسًا بمقال كاتبًا أو قارئًا، لم يهتم بالحصول على معلومات دقيقة، ففضح نفسه. 

لم يكتف عبدالمقصود بذلك، بل أعلن أنه ينوى زيارة الحسينى فى المستشفى ليطمئن عليه. 

أهل وزملاء الحسينى أبوضيف ردوا له التحية بأحسن منها. 

أصدروا بيانًا كانوا فيه واضحين ومحددين، فهم يتهمون جماعة الإخوان وميليشياتها بأنها من قتلت ابنهم، قالوا دون إخفاء إنهم يرفضون زيارة الوزير الذى ينتمى إلى جماعة تقتل القتيل وتريد أن تمشى فى جنازته، يومها كنت ضيفًا على أحد البرامج التليفزيونية، وتعمدت أن أقرأ بيان أسرة الحسينى نصًا، فقد كنا جميعًا نحاول أن نخلصه من بين يدى العصابة التى تريد السطو عليه. 

ما فعله صلاح عبدالمقصود لم يكن تصرفًا فرديًا، كان منهجًا سارت عليه جماعة الإخوان دون إبطاء، ففى مشهد درامى وقف مرشد الجماعة محمد بديع فى مؤتمر صحفى باكيًا على من سقطوا من شهداء الإخوان المسلمين فى معركة قصر الاتحادية.

بديع استبق التحقيقات وأعلن عن أن ثمانية شهداء سقطوا، وأنهم جميعًا من جماعة الإخوان، أراد المرشد أن يصور الأمر وكأن جماعته هى التى تم الاعتداء عليها، هى التى قتلت وعذبت، وأنهم ليسوا إلا متظاهرين سلميين ذهبوا إلى قصر الاتحادية ليناصروا محمد مرسى، لكن معارضى الرئيس المسلحين هم الذين اعتدوا وقتلوا.

دخلت دموع الإخوان ومرشدهم وكاذبهم الأكبر على الكثيرين من أبناء الشعب الطيب، لكننا ولأن مصابنا كان حاضرًا فقد عرفنا أن الإخوان يكذبون. قالوا عبر تصريحات ملفقة إن الحسينى أبوضيف إخوانى وإنه كان يعمل فى شبكة رصد الإخوانية، وإنه كان فى صفوف الإخوان يصور القتلة. 

ما قاله الإخوان أكد لنا أنهم ليسوا كاذبين فقط، بل وفشلة أيضًا. 

فلو كلف أحدهم نفسه وراجع موقف الحسينى من الجماعة، لتأكد له أنه لا يمكن أن يكون منهم، وأن حيلتهم ستسقط بمجرد أن يعلنوا عنها، لكن هذا عدل الله، فقد أعمى أبصارهم وطمس بصيرتهم، حتى لا يضيع حق من استشهد دفاعًا عن وطنه فى مواجهة جماعة فاشية محتلة. 

كان السؤال هو: لماذا فعل الإخوان ذلك؟

لقد أرادوا أن يثبتوا براءتهم بكل السبل، أرادوا أن يقولوا إنهم لم يحملوا سلاحًا فى الاتحادية، ولم يقتلوا أحدًا، والدليل أن كل القتلى منهم، وكل المصابين منهم، لكن ولأنه لا شىء فوق هذا التراب لا يُرى، ولا شىء يرى إلا ويذكر، ولا شىء يذكر إلا ويخلد، فقد بدأت الحقائق تتكشف عن خيبة وخديعة الإخوان، لتظهر الجماعة وأعضاؤها مجرد لصوص يسرقون كل شىء، ولا يتورعون عن أن يفعلوا ذلك مع الشهداء الذين دفعوا دماءهم لتحرير أوطانهم.

فى المؤتمر الصحفى الذى عقده محمد بديع للإعلان عن شهدائه، كان منظمو المؤتمر قد وضعوا مجموعة من الصور خلفه، لكن وبعد أن انتهى المؤتمر بدأت الفضيحة، إحدى الصور كانت لأحمد فيصل، رأى الصورة وليد اللبودى صديق فيصل. 

أحمد فيصل الذى وقفت صورته خلف مرشد الإخوان كواحد من شهداء الجماعة، لم يكن قد لقى وجه ربه بعد، كان لا يزال مصابًا، بعد أن تلقى رصاصة فى عنقه وتم نقله إلى العناية المركزة بمستشفى عين شمس التخصصى، وكانت حالته تتحسن بالفعل وقت أن كان بديع يعلن عن شهادته كإخوانى.

وليد، صديق أحمد، قال باختصار تعليقًا على المهزلة التى كان الإخوان المسلمون ينصبونها: «أحمد حى مش ميت.. وكمان مش إخوان». 

هل تكفى هذه الفضيحة؟

بالطبع لا، فهناك فضيحة أكبر وأعم، وقد تكون رأيتها على شاشات الفضائيات، مفجرها غلبه القهر فقرر أن يتحدث حتى لو تعرض للإيذاء بعد ذلك. الشهيد هذه المرة اسمه محمد السنوسى قتل فى أحداث الاتحادية، طبقًا لشهادة أحد أصدقائه لم تكن له أى علاقة بالمظاهرات، كان عائدًا من عمله، مر من أمام قصر الاتحادية فوجد تساقط المصابين والقتلى فأراد أن يساعد الإسعاف فأصابته رصاصة أودت بحياته.

كان شقيقه سامح ينتظر أمام المشرحة حتى يحمل جثمان أخيه إلى قبره، عله يستريح بعد أن أرهقته الحياة، لكنه فوجئ كما روى القصة لأكثر من قناة فضائية بشخص ملتحٍ يطلب منه أن يحجز جثمان شقيقه ليخرج فى مسيرة شهداء الإخوان من أمام الأزهر الشريف، ولكنه رفض لأن الإخوان هم من قتلوه.

والد محمد السنوسى قال جملة بليغة وموجزة: لو وافقت على عرض الإخوان هبقى ببيع ابنى.

الفضائح لا تمنع المفاجآت بالطبع. 

تقرير النيابة العامة عن أحداث قصر الاتحادية أشار إلى أنها قامت بإرسال ٧ جثث لضحايا أحداث قصر الاتحادية إلى الطب الشرعى، لبيان سبب الوفاة، وجاءت التقارير المبدئية بأن الضحايا لقوا مصرعهم متأثرين بإصابتهم بطلقات نارية حية وفرد خرطوش وطعنات ناتجة عن أسلحة بيضاء.

المفاجأة ليست هنا، ولكن فيما هو قادم، فقد تبين أن ثلاث ضحايا لقوا حتفهم بمستشفى منشية البكرى وأربعة بمستشفى هليوبوليس، وأن أحد الضحايا فقط ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين.

النيابة نفسها تشير إلى أن الضحايا سبع وليسوا ثمانى، فمن أين جاءت جماعة الإخوان المسلمين بالضحية الثامنة؟، ثم إن النيابة أشارت إلى أن واحدًا فقط من الضحايا ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، فمن أين جاءت الجماعة بشهدائها الآخرين؟، وهل ما رفضته أسرة محمد السنوسى قبلته أسر أخرى، فباعت جثامين شهدائها للإخوان والمقابل لا يعلمه إلا الله بالطبع؟!.

المفاجآت لم تنته بعد.

فقد أمرت نيابة مصر الجديدة بحبس أربعة من أعضاء الحرية والعدالة أربعة أيام على ذمة التحقيقات فى قضية أحداث الاتحادية، بعد أن تم ضبط أسلحة نارية وخرطوش معهم، وبمضاهاة الطلقات الموجودة فى جثامين الشهداء تبين أنها من الأسلحة التى يحملها أعضاء الحرية والعدالة.