رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خلف خطوط موسم رمضان ٢٠٢٢

يقدم صناع الدراما هذا العام وجبة رمضانية دسمة ومتنوعة فيها أكثر من ٤٠ مسلسلًا دراميًا، وأعتقد، على عكس الكثيرين، أنها ظاهرة صحية وإيجابية لأنها تُحدث رواجًا فى صناعة الدراما، كما تحدث رواجًا للفن المصرى.

فى الوقت نفسه، لا بد أن ينتبه صناع الدراما إلى أن إنتاج أعمال درامية كثيرة العدد يقتضى أيضًا الحرص على تقديم أعمال فنية راقية ترتقى بالفن المصرى، وتجمع بين المتعة والرسائل التى تسهم فى صياغة العقل المصرى، بما يسهم فى تقدم الوطن ونشر الفكر التنويرى الذى بدوره يؤدى إلى التقدم إلى الأمام، ويأخذ مصر إلى المكانة اللائقة بها، ويتصدى للانغلاق والتشدد والتطرف الفكرى المقيت.

وإلى جانب وجبة الدراما، هناك البرامج الجديدة، بالإضافة إلى برامج تقدم كل عام بنفس المقدمين، مضافًا إلى هذا جرعة هائلة من الإعلانات التى تعاد فى كل المسلسلات تقريبًا.

تطور فنى فى الإعلانات.. لكن عرضها فى بداية ونهاية المسلسلات فقط «ضرورة»

هناك عدة ملاحظات على وجبة رمضان هذا العام؛ وأولاها أن هناك جرعة ضخمة من الإعلانات أدت إلى تخمة وفقدان التركيز فى المسلسلات هذا العام، خاصة أن بها زخمًا كبيرًا من النجوم والفنانين من مختلف الأجيال، وكل منها يحاول استقطاب المشاهد إلى سلعة أو منتج أو أجهزة أو مستشفى خيرى، ومن المعروف أن الفنانين يتقاضون أجورًا ضخمة فيها لأنها أسهل من الدراما وأكثر ربحًا، لهذا يجدها الفنانون والمطربون طريقة سهلة ومربحة ويتجهون إليها دون تردد.

ورغم أن الإعلانات هى مصدر دخل للقنوات وكلنا نعرف ذلك، كما أنها دليل لمشاهدة عالية للمسلسل أو البرنامج من المشاهدين، ورغم أننا ندرك هذا ونفهمه فإننا طالبنا، وطالبت أنا شخصيًا فى مقالاتى فى رمضان الماضى وقبل الماضى، بأن تكون الإعلانات فى بداية ونهاية المسلسل حتى لا تقطع تركيز المشاهدين خاصة إذا ما كان المسلسل يتناول موضوعًا سياسيًا أو من نوعية الأكشن، إلا أنه لم يحدث تغيير ولم يتغير الحال هذا العام مما يفقد المشاهد متعة متابعة المسلسل، وأحيانًا ينسى الأحداث، بل القناة التى كان يشاهدها.

ومن غير اللائق قطع متعة متابعة الأحداث للمشاهد، وبخاصة لو كانت الأحداث سريعة فيها أكشن يتطلب التركيز، إلا أن جهات الإنتاج ما زالت على إصرارها بأن تعرض الإعلانات كل ٥ دقائق تقريبًا، ولهذا رأينا هذا العام أن معظم النجوم والفنانين والمطربين قد اتجهوا للمشاركة فى الإعلانات بشكل طغى على المسلسلات.

وهناك ملاحظة ثانية بالنسبة للإعلانات.. وهى توهان المشاهد أحيانًا وعدم معرفة السلعة أو المنتج المراد من الإعلان، حيث إن التركيز يكون على الاستعراض أو الفنان أو على الأغنية وليس على مضمون الإعلان أو السلعة، فرأينا هذا العام إعلانات متوالية ومتتالية يشارك فيها المشاهير أو النجوم مثل يسرا وأحمد عز وعمرو دياب وياسمين عبدالعزيز وأحمد الفيشاوى وكريم عبدالعزيز ونيللى كريم ومنى زكى وتامر حسنى والعسيلى وشيرين رضا ويسرا اللوزى ومحمد ممدوح وأحمد حاتم وأبو والمطربات إليسا وشيرين وروبى ومريم فارس، وإعلانات المستشفيات الخيرية تشارك فيها إسعاد يونس وسوسن بدر.. صحيح أنه قد حدث تطور فنى فى إخراج وتصوير وتقديم الإعلانات، إلا أنه ليس رفضًا للإعلانات وإنما أطالب بتنظيم عرضها فى أول المسلسل وآخره.

موضوعات جادة.. براعة فى الإخراج والتصوير.. و«الأكشن» يهزم «الكوميدى»

هذا العام مع الأيام الأولى استطعت أن ألتقط بعض الملاحظات الأساسية وبعض الخيوط للمسلسلات المصرية، وأول ملحوظة هى أن هناك مسلسلات اختارت موضوعات سياسية ووطنية وجادة، ولاقت إقبالًا لافتًا للنظر وعلى رأسها مسلسل «الاختيار٣»، الذى يقف فى منطقة بمفرده خارج المنافسة، لأنه يتناول أحداثًا حقيقية مرت بوطننا وعانينا منها وكواليس فترة من أخطر الفترات التى مرت بالوطن خلال ٢٠١٢ و٢٠١٣.

وقدم لنا البطولات التى قام بها أبطال الجيش المصرى والمخابرات المصرية والأمن الوطنى والأمن العام، ويظهر فيه شخصية الرئيس عبدالفتاح السيسى حينما تولى مسئوليته وزيرًا للدفاع فى هذه الفترة الخطيرة ودوره الوطنى والشجاع فى إنقاذ البلاد من جماعة الظلاميين ودور المشير طنطاوى الوطنى فى تلك الفترة.

الملاحظة الثانية: هى تقديم مسلسل هذا العام أيضًا عن دور المخابرات المصرية فى التصدى للإرهاب الأسود، وهو مسلسل «العائدون» وهو مسلسل سياسى جاد وفيه كشف لأحداث خطيرة مر بها الوطن والمنطقة من حولنا وهو من نوعية الأكشن ولاقى إقبالًا رغم قسوة بعض المشاهد فيه.

الملاحظة الثالثة: أن هناك تطورًا ملحوظًا فى النواحى الفنية والتقنية للدراما المصرية خلال الشهر الكريم مثل الإخراج والتصوير وتطور ملحوظ وواضح فى إخراج الأكشن والإضاءة.

والملاحظة الرابعة: هى أن هناك تنوعًا فى الموضوعات، وإن كانت مسلسلات الأكشن أفضل فى مستواها الفنى عن المسلسلات الكوميدية التى فيها ضحالة فى الموضوعات، وفى حاجة إلى نصوص كوميدية أفضل وأكثر إتقانًا وتتضمن رسائل توعية أو ترتقى بالمشاهد وبعقليته، لأنها تستقطب الصغار قبل الكبار.

الملاحظة الخامسة: أن هناك موضوعات تقدم نوعية مختلفة لها نوعية معينة من المشاهدين وتقديمها يعد من قبيل المغامرة فى الشهر الكريم، وفى تقديرى أنها ليست مناسبة فى الشهر الكريم مثل مسلسلات الرعب أو الجن والعفاريت.

الملاحظة السادسة: لدينا نقص فى المسلسلات التاريخية أو التى تتناول شخصيات مصرية تاريخية مثل الناصر صلاح الدين أو أحمد عرابى أو سعد زغلول أو مصطفى كامل أو صفية زغلول أو أمينة السعيد أو هدى شعراوى أو الملكة نفرتيتى وغيرها من الشخصيات ذات التأثير فى التاريخ المصرى، ومن حقب تاريخية لم نعاصرها لأنها شخصيات تزرع الفخر بالتاريخ المصرى فى النفوس وفى الوجدان، بدلًا من أن تترك للدول الأجنبية لتقديمها، قد تكون صعبة وتحتاج لميزانيات ضخمة لكنها مطلوبة خاصة بالنسبة للشباب والشابات.

الملاحظة السابعة: أن هناك برامج مستمرة وفيها سخرية من الفنانين المصريين وعلى رأسها برنامج مقالب رامز جلال الذى انتقدناه من قبل، ولكنه مستمر وما زال الفنانون المصريون يشاركون فيه، رغم أنه يسخر منهم ويقدمهم بشكل غير لائق.

وهناك ملاحظة ثامنة: هى ظهور وجوه جديدة فى العديد من المسلسلات.. وإن كانت البطولات لنجوم كل عام لا تزال ظاهرة مستمرة، وتقديم نجوم جدد أو فنانين جدد هو ظاهرة صحية تعكس الإقبال على صناعة الدراما والفن بصفة عامة.

«الاختيار3» يتربع على عرش الدراما.. وياسر جلال خارج المنافسة بـ«دور العمر»

أبدأ بتقديم رؤيتى النقدية فى شهر رمضان الكريم حول مسلسل «الاختيار» الذى لفت نظرى منذ الحلقة الأولى، كما لفت نظر الكثيرين، كما يظهر ذلك واضحًا على مواقع التواصل الاجتماعى.

وفى تقديرى أن مسلسل «الاختيار ٣» يقف فى منطقة بمفرده فهو يتربع على عرش مسلسلات شهر رمضان الكريم، ويأخذنا إلى منطقة خاصة تختلف عن أى مسلسل آخر هذا العام، فهو يوثق أحداثًا خطيرة ومتغيرات حدثت فى بلدنا فى السنوات الأخيرة وكنا شهودًا على بعض أحداثها الخطيرة خاصة خلال السنة السوداء التى وصل فيها الظلاميون إلى سدة الحكم.. والأهم من هذا أنه يظهر شخصية الرئيس عبدالفتاح السيسى حينما تم اختياره وزيرًا للدفاع إبان حكم محمد مرسى، ووطنيته تظهر منذ اللحظة الأولى لظهوره على الشاشة، حيث جسده ياسر جلال ببراعة.

كما قدمت الحلقة الأولى دور المشير طنطاوى الوطنى ومواقفه الوطنية فى حماية مصر، وأيضًا كشف وطنية الجيش المصرى وولاءه للشعب المصرى، وبطولات رجاله، ومنذ الحلقة الأولى يظهر حادث رفح الأليم واستشهاد جنود الجيش المصرى فى معركتهم مع الإرهاب الأسود، وتظهر الوجوه القبيحة للظلاميين وجرائمهم التى كانت تنفذ وتحيك مؤامرات ملعونة سبق تجهيزها لتدمير بلدنا ونشر الفوضى والدمار فى ربوعها.

كان أداء أبطال العمل لافتًا منذ الحلقة الأولى، وأتوقف بشكل خاص أمام أداء الفنان المبدع ياسر جلال الذى أعتقد أنه يقدم دور عمره.. ما قدمه من أدوار من قبل شىء ودوره فى تجسيد شخصية الرئيس عبدالفتاح السيسى شىء مختلف تمامًا.. فمن الواضح أنه درس الدور جيدًا وتدرب على أدائه بشكل صحيح، فقد تقمص الدور إلى حد التوحد معه.. شكلًا ومضمونًا حتى نبرات صوته غيّرها ليقترب من صوت الرئيس السيسى وأسلوبه فى الحوار، وهذا الدور هو فى تقديرى ضربة حظ لياسر جلال أن تم اختياره لتأدية هذا الدور، وذلك لما يحظى به الرئيس عبدالفتاح السيسى من شعبية كاسحة لدى أبناء وبنات الشعب المصرى ونظرًا لأننا عايشنا دورة البطولى منذ سنوات قليلة فى إنقاذ البلاد من جماعة الظلاميين، حيث وضع حياته على كفه لحماية الشعب المصرى من جرائم الإخوان، ووقف إلى جانب الثورة الشعبية الهادرة التى طالبت برحيله من سدة الحكم هو وأتباعه.

إن ياسر جلال قد أدى دورًا خارج المنافسة الرمضانية بأدائه دور الرئيس عبدالفتاح السيسى، هذا رغم أن ملامح ياسر جلال لا تشبه فى الحقيقة ملامح الرئيس السيسى إلا أن براعة الأداء وتقمص ياسر جلال الدور إلى حد التوحد قد وضعاه خارج المنافسة، أضف إلى هذا براعة المكياج وتصفيف الشعر، إلى حد أن أتباع الظلاميين قد انتابهم الغل والغيظ منه، فأخذت كتائبهم الإلكترونية تملأ المواقع منذ الحلقة الأولى بالهجوم عليه وبانتقاد أدائه وبأسماء مستعارة استخدموها للتمويه، لكننا اكتشفناها من شدة غيظها المكشوف على مواقع التواصل الاجتماعى.

وفى رأيى أن ياسر جلال بهذا الدور يمكننا أن نقول منذ الحلقة الأولى إنه قدم أفضل أداء لفنان فى السباق الرمضانى هذا العام، فقد تميز وتقمص وتجاوز أبطالًا آخرين كانوا يتصدرون المشهد الدرامى فى السنوات الأخيرة.

وفى الوقت نفسه، نرى تميزًا وبراعة فى الأداء لأحمد عز وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز فى أدوارهم، مما وضع المسلسل فى صدارة المسلسلات وجعله خارج المنافسة، وما أحوجنا لهذه النوعية من الدراما التى تقدم الحقائق للمشاهدين من خلال الدراما المحببة للجمهور التى تدخل كل البيوت.

أما الإخراج لبيتر ميمى فأستطيع أن أقول إنه أيضًا خارج المنافسة، فهو مخرج فذ وبارع فى تقديم الأكشن منذ «الاختيار» فى الجزء الأول، وبـ«الاختيار ٣» يؤكد أنه يقف فى صدارة دراما الأكشن فى مصر.. ونجح أيضًا فى المزج بين المشاهد الفنية والمشاهد الحقيقية.. مما أعطى للمسلسل أهمية خاصة ومصداقية كبيرة، كما أثبت براعة كبيرة فى مشاهد الأكشن الصعبة وتحريك مجاميع الفنانين خاصة فى مشاهد اقتحام مخابئ الإرهابيين والقبض عليهم فى منطقة سيناء.

وإن كانت لى ملحوظة هنا بالنسبة لديكور الاتحادية، حيث يظهر أنيقًا فى وجود مرسى رغم أننا رأينا كيف تلاعب الظلاميون بديكور الاتحادية من الصور التى كانت تنشر فى القنوات والإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى.

ولا بد أن أضيف كلمة حق فى أداء بارع لفنانين أضافوا بإتقان أدائهم لنجاح المسلسل ومنهم أحمد بدير وخالد الصاوى وجمال سليمان وصبرى فواز ولقطة فيها تفوق فى الأداء دون كلام إلا من كلمة واحدة للفنانة نادية رشاد فى دور والدة الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى كان لها التأثير الأكبر فى مسيرة حياته ووطنيته وقيمه وإنسانيته.

ويحسب للمسلسل أنه ومنذ الحلقة الأولى نجح فى جذب الجمهور ليتابعه ووضح أنه كاشف فترة خطيرة عانى فيها الوطن من جرائم ومخططات جماعة الإخوان الظلامية، ووضح أنه سيقدم لنا أسرارًا أو صفحات مأخوذة من ملفات الأمن والمخابرات ويكشف لنا قدرات فذة للرئيس عبدالفتاح السيسى قبل انتخابه لرئاسة الوطن، ولأبطال الجيش والمخابرات والأمن الوطنى والأمن العام والداخلية فى حماية مصر وصونها وكشفهم الخطط والمؤامرات التى تم وضعها ضد الشعب المصرى.

كما يقدم لنا كواليس أليمة لأيام سوداء عانى فيها الشعب المصرى الكثير وتعرضت فيها البلاد لعمليات إرهابية لأعداء الوطن استُشهد فيها جنود وضباط كانوا يقومون بحماية الأرض والعرض.. كما وضح للمشاهد تحركات العصابة التى كانت حول محمد مرسى ضد الشعب المصرى ولمحاولة اختراق الجيش واستحالة تحقيق أحلامها الغبية، بسبب ذكاء ويقظة وشجاعة أبطال الجيش وولائه للشعب وعقيدته الحديدية فى حماية الدولة المصرية.

ومع تقدم الحلقات، فإننا سنعرف إن كان المؤلف قد استطاع أن يقدم دور الشعب فى ثورة ٣٠ يونيو الذى خرج بالملايين فى شوارع وميادين المحافظات المصرية، وإن كان سيقدم دور نساء وبنات مصر فى الدعوة للثورة والمشاركة فيها والصمود ورفض الظلاميين والمطالبة برحيلهم.