رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحطيم هياكل الوهم والعنف

إذا كان تحطيم هياكل العنف والإرهاب هو مهمة الأجهزة الأمنية بالمواجهة والتصدى لجرائمهم المنظمة التى تهدد مظاهر الحياة بكل فروعها، فأجهزة الأمن هى درع الوطن وسيفه فى مواجهة الجريمة الإرهابية والتنظيمات الإجرامية الدينية بأنواعها.

لكنه من المعيب جدًا الاكتفاء بدور رجال الأمن وتركهم فى مواجهة تنظيمات عنقودية لها مصدر فكرى معروف ومرصود فى الثقافة العربية الإسلامية ليس وليد اليوم فحسب.

فينبغى على المجتمع كله مواجهة البنية المولدة للجرائم الإرهابية والسعى إلى تحطيم هياكل الوهم والخرافة المنتجة للجريمة الإرهابية المنظمة التى ولدت تنظيمات عنقودية متلونة بألوان الدم والحقد والكراهية ضد كل مختلف عنهم.

فتنظيماتهم العنصرية الإرهابية الإجرامية ذات طابع سرطانى خبيث، بعضها يداهن ويحرض على العنف سرًا وجهرًا، تصريحًا وتلميحًا، وبعضها خلايا تنفيذ وقتل لكل مختلف معهم سياسيًا أو دينيًا أو أيديولوجيًا، وهذه ظاهرة ليست وليدة اليوم والأمس لكنها وليدة قرون طويلة.

وهنا نتساءل ما الحل؟ وما هو دور المجتمع المنشود لتحطيم هياكل الخرافة والوهم المولدة للإرهاب والعنف والخطاب العنصرى؟

ينبغى لنا أن نعلم أن معركة المجتمع مع هياكل الوهم والخرافة والعنف فى جوهرها معركة فكرية تقوم على هدم وبناء.

فهى معركة لهدم بنية هياكل الوهم والخرافة والعنف الكامن فى الثقافة العربية الإسلامية التى تستخلص منها التنظيمات الإجرامية عدوة الله والوطن والإنسان كل عنيف وقبيح وعنصرى،، وتتجاهل وتهمش وتشيطن كل جميل وسمح ومفيد فى حضارتنا العربية الإسلامية، وتشيطن وتحقد على كل حضارات الإنسان من مصر القديمة حتى حضارات العالم اليوم.

وهى أيضًا معركة بناء لهيكل جديد منشود من داخل الثقافة الإنسانية كلها من أول حضارتنا المصرية العريقة لأجدادنا العظام، مرورًا بالحضارات التى مرت علينا من إغريقية ورومانية وعربية إسلامية وغيرها، لكن مع اصطفاء نقدى واعٍ يأخذ من كل ما مر علينا من حضارات وثقافات ما هو مفيد وعقلانى وإنسانى فنأخذ الوجوه الجميلة من كل ما سبق، وكذلك نكون على وعى بالتجربة الإنسانية وتطورها من حولنا شرقًا وغربًا، فنأخذ منها أيضًا كل مفيد وعقلانى وإنسانى، وندع ما هو دون ذلك.

ومن السذاجة بمكان الظن بأن عملية الهدم والبناء تلك يقوم بها فرد أو مجموعة بشكل عفوى انفعالى، فلو كانت كذلك فلن تسمن أو تغنى من جوع، وتنظيمات الإرهابيين ستتغلب عليها وتفتك بها، وكلما نجحت أجهزة الأمن مشكورة فى حماية المجتمع والدولة من جماعة عنصرية إرهابية ظهرت بدلًا منها جماعات ألعن وأضل سبيلًا وأشد عنفًا وتدميرًا لمجتمعنا المسكين.

فلا بد من مواجهة منظمة شاملة من مؤسسة قومية ودولية لمواجهة تنظيماتهم المحلية والدولية، وهدم هياكل الخرافة والعنف والعنصرية المنتجة للإرهاب والقتل المنظم، ودون تلك المؤسسة القومية التى تشرف على عملية الهدم والبناء المنشود سنظل فى حلقة مفرغة ومواجهات دونكشوتية مع التنظيمات الإرهابية الممولة لا أقول من أعداء مصر والعرب فقط بل أعداء الإنسانية كلها.

وقديمًا قامت الجامعة العربية بمؤتمر لوزراء الداخلية العرب لتنسيق الجهود فى هذا الصدد للمواجهة الأمنية، ولكنى أرى ذلك غير كافٍ مطلقًا، ولكن لا بد من منظمة عربية للهدم والبناء تقوم بهذه المهمة الوطنية الإنسانية الضرورية لحياة شعوبنا كضرورة الخبز والماء لحياة الإنسان.

وأقول لكم إن الوقت ليس فى صالحنا، فكلما تأخرنا فى القيام بذلك أهدرنا المزيد من الأموال والأرواح، وكلما ولدنا استفحل وتعمق التخلف والعنف فى مجتمعاتنا البائسة.

ولعله من المفيد وجود حركة الوعى الحاصلة فى المملكة العربية السعودية التى يعبر عنها تصريحات ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، وقبلها إفصاح قيادتنا السياسية متمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى بحتمية تجديد الخطاب الدينى، وأظن أن الوعى بهذا امتد للعديد من دول الجوار المتحدثة بالعربية، فأظنه صار لزامًا تحويل تلك التصريحات والأمنيات النبيلة إلى تنظيم كبير تحت إشراف الجامعة العربية لهدم بنية العنف والخرافة والخطاب العنصرى والقيام بثورة عقلانية إنسانية على أساس علمى واقعى تشمل كل مجالات تشكيل الوعى من خلال التعليم بأنواعه والثقافة والفن والإعلام. 

وللأسف تأخرنا فى ذلك له نتائج كارثية والوقت ليس فى صالحنا فلسنا وحدنا فى العالم والأمم من حولنا تسعى للتقدم والنمو ولدينا وحش عنصرى عنيف يسحبنا للعصور الوسطى عصور الجهل والعنف والتخلف. ولا أبالغ إذا قلت إنها معركة كمعركة العبور ولكنه ليس عبور قناة السويس لمواجهة عدو غاشم، عبورًا من التخلف والتعصب والعنصرية إلى حضارة عقلانية إنسانية تسعى لسعادة الإنسان كل الإنسان لا الأهل والعشيرة والعصابة فقط.