رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عرب أمريكا اللاتينية

 

فى مدينة القديس بولس، أو ساو باولو باللغة البرتغالية، أكبر المدن البرازيلية، شارع اسمه «فينتى إى سينكو دى مارسو»، أى «٢٥ مارس»، أسسه المهاجرون العرب الأوائل فى أواخر القرن التاسع عشر، وهو أقرب ما يكون إلى سوق عربية. وأمس الجمعة، وكعادتها، منذ سنة ٢٠٠٨، احتفت البرازيل بـ«يوم الجالية العربية»، التى لا تزال غالبيتها، خاصة فى المنطقة المركزية وحى براس، تستخدم اللغة العربية كلغة رئيسية.

إلى الأمريكتين، الشمالية والجنوبية، مرورًا بأمريكا الوسطى، قام الأب إلياس بن حنا الموصلى الكلدانى، برحلة طويلة استغرقت ٢٣ سنة، تحديدًا منذ ١٦٦٠ إلى ١٦٨٣، ثم عاد إلى بغداد، ليؤلف كتابه الشهير «رحلة أول سائح شرقى إلى أمركة». وهناك وثائق عديدة تؤكد أن العرب سبقوا كريستوفر كولومبوس، الذى قام برحلته الأولى إلى العالم الجديد، سنة ١٤٩٢. وبغض النظر عن تلك الوثائق، فالثابت تاريخيًا هو أن موجات من المهاجرين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين ذهبت إلى أمريكا اللاتينية على دفعات متتالية، منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادى، هربًا من الاضطهاد الدينى أو من تردى الأوضاع المعيشية فى الدولة العثمانية.

الثابت أيضًا، هو أن عدد ذوى الأصول العربية فى أمريكا اللاتينية يقترب، الآن، من ٤٠ مليونًا، منهم ١٥ مليونًا فى البرازيل، وتصل نسبه تمثيلهم إلى ١٥٪ فى مجلس الشيوخ و٢٠٪ فى مجلس النواب. وبعدها، تأتى الأرجنتين كثانى أكبر دولة تحتضن العرب المهاجرين بواقع ١.٢ مليون شخص. ومن الطرائف، أن الروائى الكولومبى الأشهر جابريل جارثيا ماركيز، أكد أن كل شخصيات روايته «سرد أحداث موت معلن» حقيقية، باستثناء شخصية بطلها، سانتياجو نصّار، الذى كان فى الواقع مهاجرًا إيطاليًا، لكنه اضطر إلى أن يجعله لبنانيًا، لكثرة عدد اللبنانيين فى مدينة بارانكيا، أو بارانكيليا، التى تدور فيها أحداث الرواية.

باسم «البرازيل»، أصدر قيصر معلوف سنة ١٨٩٨، أول جريدة عربية فى ساو باولو. وباسم «رواق المعرى» ظهرت أول رابطة أدبية فى تلك المدينة، تلتها «جمعية الخريجين»، وسنة ١٩٣٣، تأسست «العصبة الأندلسية» التى ضمت كبار أدباء المهجر وشعرائه، مثل رشيد سليم الخورى وإلياس فرحات ورياض وشفيق معلوف و... و... وغيرهم، وظلت تلك العصبة تصدر مجلتها الشهيرة، التى تحمل اسمها، إلى أن احتجبت عام ١٩٥٣. وسنة ١٩٦٥ ظهرت رابطة أدبية جديدة هى «جامعة القلم»، ضمت معظم حملة الأقلام العربية فى ساو باولو، وتعاونت مع «ندوة الأدب العربى» فى الأرجنتين.

قبل ظهور الممثلة المكسيكية اللبنانية سلمى حايك والمطربة اللبنانية الكولومبية شاكيرا، تعدّى الحضور العربى فى دول أمريكا اللاتينية، إذن، كونه حضورًا عدديًا، ليصبح حضورًا ثقافيًا. وهناك أكثر من ٥٠٠ مفردة عربية صارت جزءًا من اللغة اليومية المتداولة فى كثير من تلك الدول. ومع ذلك، لا تزيد حجم التجارة المتبادلة بين دول أمريكا اللاتينية والعالم العربى على ١٪ من الناتج المحلى الإجمالى لكلا الطرفين!.

مع الحضور العددى الكبير والثقافى المؤثر، كان لذوى الأصول العربية، حضور سياسى أكبر وأكثر تأثيرًا. وصباح الجمعة ١٣ مايو ٢٠١٦، تداولت صحف العالم باهتمام كبير خبر تولى ميشيل تامر، اللبنانى الأصل، رئاسة البرازيل بعد عزل ديلما روسيف. وفى أغسطس ٢٠١٨ أدى ماريو عبده بينيتز، اللبنانى الأصل، اليمين الدستورية رئيسًا لباراجواى. وفى فبراير ٢٠١٩، فاز نجيب أبوكيلة، ذو الأصل الفلسطينى، فى انتخابات الرئاسة فى السلفادور، متغلبًا على مرشحى الحزبين اللذين تبادلا الحكم لثلاثة عقود. وسبق هؤلاء الفلسطينى كارلوس فقوسة، رئيس هندوراس، واللبنانى خوليو سمير طربيه، فى كولومبيا و... و... وترأس الإكوادور ثلاثة رؤساء من أصول لبنانية: خوليو ثيودور سالم، سنة ١٩٤٤ وعبدالله بوكرم، ١٩٩٦، جميل معوض، سنة ١٩٩٨. ومنذ ١٩٨٩ إلى ١٩٩٩، شغل كارلوس منعم، السورى الأصل، رئاسة الأرجنتين.

.. وتبقى الإشارة إلى أن نجاح العرب فى أمريكا اللاتينية أرجعه الكاتب الكولومبى، لويز فايد، إلى اندماجهم الكامل فى مجتمعاتها، مقارنة بأى مكان آخر فى العالم، موضحًا أن العرب فى كولومبيا، على سبيل المثال، يشعرون بأنهم كولومبيون وليسوا عربًا، بعكس المهاجرين العرب فى أوروبا!.