رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطأ القيادات أم خطأ المنهج

جريدة الدستور

كان رسول الله اذا أمر أميرا على سرية مما يوصيه به يقول : وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك ، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا.

هذه وصية رسول الله ، للصحابة الذين ارتضاهم امراءا للجيوش، يحذرهم من الوصاية الدينية وان يقدم أحدهم اجتهاده على انه حكم الله.

على الجانب الآخر، رأينا كيف تحشد جماعات الإسلام السياسى لمنهجها بإعتباره الحق والدين، ومن عاداهم فهو يعادى الدين ، ومن يرفض حكمهم لايرفضه بسبب أخطائهم التى أعترف كثير منهم بها، ولكنه يرفضه لأنه يرفض حكم الله !!! .

هذه هى الإشكالية الكبرى فى منهج الإخوان ومن انشق عنهم من جماعات، وهذه ليست أخطاء عارضة لمواقف بعض القيادات الحالية، ولكنها أخطاء منهجية موجودة فى كتابات حسن البنا، وسيد قطب ،
فمثلا يقول حسن البنا فى رسالة الشباب (نحن أيها الناس ولا فخر أصحاب رسول الله وحملة رايته من بعده ورافعوا لوائه كما رفعوه وناشروا لوائه كما نشروه والمبشرون بدعوته كما بشروا ورحمة الله للعالمين ، ....).

ويقول فى رسالة أخرى متحدثا عن منهج الإخوان: (واننا نعلنها بوضوح وصراحة، إن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج، ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له فى الاسلام، وليبحث له عن فكرة اخرى يدين بها ويعمل لها ))!!.

هكذا كانت نظرية التغيير عند البنا ، تقوم على فكرة الجماعة التى يتجسد فيها الإسلام، وتدعو الناس إلى الإنقياد اليها بإعتبار ذلك انقيادا للدين، عبر عنها سيد قطب بعد ذلك بالعصبة المؤمنة، التى ستأتى لتعيد لا إله الا الله إلى الوجود ،بعد أن ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان.

يقول قطب فى كتابه "فى ظلال القران":، ( لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله ، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله، دون إن يدرك مدلولها، ودون أن يعنى هذا المدلول وهو يرددها ، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التى يدعيها العباد لأنفسهم وهى مرادف الألوهية ، سواء ادعوها كأفراد او تشكيلات تشريعية أو كشعوب ، فالأفراد كالتشكيلات ،او كالشعوب ليست الهة فليس لها اذن حق الحاكمية!!.

الا ان البشرية عادت الى الجاهلية وارتدت عن لا اله الا الله فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الالوهية ولم تعد توحد الله وتخلص له الولاء ، البشرية بجملتها بما فيها اولئك الذين يرددون على المآذن فى مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا اله الا الله بلا مدلول ولا واقع ، وهؤلاء اثقل اثما وأشد عذابا يوم القيامة لأنهم ارتدوا الى عبادة العبادمن بعد ما تبين لهم الهدى ومن بعد ان كانوا فى دين الله فما أحوج العصبة المسلمة اليوم ان تقف طويلا امام هذه الايات البينات ) !!!!.

ليس هذا فقط ولكن حتى استخدام القوة موجود فى رسائل البنا ايضا !!! يقول (سيستخدم الاخوان القوة حين لا يجدى غيرها وحين يستكلمون عدة الايمان والوحدة )!!هذا غيض من فيض ، هكذا منهجهم الذى يجعلهم فى حالة صدام مع كل الأنظمة ، وحتى بعد وصولهم للحكم وخروجهم منه صار الصراع مع الشعب الذى رفضهم والجيش الذى انحاز لمطالب الشعب.

الأخطاء اذن أخطاء منهجية فى احتكارهم لفهم الدين واستعلائهم عما سواهم بهذا الفهم ورغبتهم فى السيادة والحكم ، وأتصور أن أى مراجعات حقيقية ينبغى أن تتناول هذا المنهج الذى يحتوى كثير من الانحرافات الفكرية والشرعية تؤدى الى متوالية الأخطاء التى تشعل نيران الفتنة والتى تأكل أول ما تأكل الشباب المتحمس لدينه.