رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من القاتل

جريدة الدستور

عندما كنت في سن العاشرة سمعت حكاية وقف عقلي عندها كثيرا ولم أستطع تفسيرها أو حتى تصديقها وكنت أظن حينها أنهم يحكون هذه الحكاية لتخويفنا لنسمع كلام أمهاتنا دون مناقشة.

وكانت هذه الحكاية هى أن رجلا يعمل جزارا ذبح زوجته وقطع لحمها وباعه في محل الجزارة وتم القبض عليه ليلقي جزاؤه، وكنت أمر كل يوم أمام محل الجزارة وأنظر على اللحوم المعلقة وتتوقف عيني دون أن تغمض أمامها وأتساءل أيعقل أن يكون هذا اللحم لحم إنسان، بهذه البساطة!!!!

وعندما كبرت وامتهنت المحاماة وجدت جرائم كثيرة من هذا النوع، فتقتل أمرأة رجلها وتقطعه إربًا إربًا وتضعه في أكياس القمامة، وأم تقتل أولادها، وأب يقتل أولاده،ولم تتوقف حوادث القتل التي رايتها عند هذا الحد داخل افراد الأسرة الواحدة اوالجيران، بل امتد ليشمل قتل الانسان لانسان آخر مخالفا له في الرأي أو العقيدة دون حتى أن يعرفه أو يراه، هو يقتله قتلًا أعمى.

ومع ازدياد وتيرة القتل إلى حد يعجز القلم عن وصفه ازدادت أيضا وتيرة الانتحار وقتل النفس.
ولذا فالموضوع أصعب من أن يتم الالمام به في مقال أو بحث بل إنه يحتاج مجلدات عن تاريخ القتل الانساني وسفك الدماء على الأرض بين الأفراد وبعضهم البعض وبين الدول والحكومات، وسنحاول هنا جاهدين إلقاء الضوء على عدة نقاط هامة ربما يقرأها أحدهم وتهدأ وتيرة عنفه وميله الاجرامي للقتل.

النقطة الأولى: الانتاج البشري: ما هو الانتاج الذي ننتظره من أب يضرب زوجته كل يوم أمام أطفاله، وما هو الناتج الذي ننتظره من أم قتلت الزوج، وفي بعض الأحيان تتزوج الأم بعشيقها الذي يرونه الأطفال في علاقة آثمة مع أمهم ؟ سيكون الناتج طفل لديه طاقة عنف مكبوتة نتيجة ما كان يراه ولم يستطع إيقافه أو تغييره.

كذلك ما هو ناتج تربية خاطئة حيث نجد الأب والأم فيها مشغولون بأنفسهم وبجمع المال، وهو ماسينتج في النهاية طفلا حاقدًا على المجتمع الذي لم يحن عليه ولم يعطيه القيم الذي يحتاجها ليكون إنسان وهذا المجتمع المتمثل في أمه وأبوه فينتقم من كل أفراد المجتمع وربما يقتل أبوه وأمه.

كذلك أيضًا ما هو ناتج الظروف الاقتصادية الخانقة التي تجعل الأب خائف على أولاده من الجوع والذل فيقتلهم، ويقتل كل أحباءه ثم يقتل نفسه.
وكذلك ما هو ناتج الكبت والعنف السياسي من بعض الدول تجاه مواطنيها سوى أنهم تسببوا في نتاج أشخاص غاضبة ناقمة على المجتمع ونظام الحكم، مع العلم حتى وإن كان نظام الحكم عادل، ولكنه قابل عنف هؤلاء بعنف أكبر منه فتأزم الموقف وأصبح في غاية التعقيد، وهذا الحال موجود في دول كثيرة على مستوى العالم كله، وأصبحت لغة العنف والسلاح هي اللغة المتعارف عليها إزاء قضايا كثيرة في المجتمع الدولي.

هذا الانتاج القاتل من المسئول عنه، الأب والأم في بداية تربيتهم الخاطئة، أم رجل الدين الذي لم يقل كلمة واحدة عن الجنة والتسامح بل كل حديثه عن أهل النار والخطيئة والكفار وأننا علينا نحن إقامة دولة الرب على الأرض وخلافته وعلينا نحن محاسبتهم، من المسئول عن القتل وسفك الدماء في الأرض، تجار السلاح الذين يشعلون فتيل الفتن والحروب الأهلية لتستثمر تجارتهم، أم الحكام الذين امتلأت قلوبهم بحب السلطة والنفوذ والمال حتى ولو كان مقابل هذا جسر من الجثث ومزيدًا من الدماء.
من المسئول عن قتل طفل مولود لا يعلم شيئًا في الحياة وكل ذنبه أنه ولد في فلسطين، هل المسئول عن قتله حماس وفتح اللذين طغت عليهم خلافاتهم وأطماعهم، أم المسئول هم الصهاينة المغتصبون لأرض ليست من حقهم، أم المسئول هم العرب الذين يشاركون في هذا القتل بصمتهم وعجزهم.

وكما قال أحمد زكي: ( كلنا فاسدون، حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة ).

النقطة الثانية: هل القتل حلال ؟!!! هل يرضى الرب بكل هذه الدماء، كيف جرأوا هؤلاء السفلة على أن يقتلوا ثم ينطقوا الشهادة وكأنهم فتحوا الأندلس.
هل يرضى المسيح أن يُقتل ويُسفك الدماء باسمه وبدعوى ملكوت الرب على الأرض، إن الملكوت في السماء وليس في الأرض ومن يعمل صالحًا يدخل ملكوت الرب ومن يقتل إنسانًا يطرد من ملكوت الرب وتصحبه اللعنة إلي الأبد.

والغريب في الأمر استناد هؤلاء القتلة لآيات من القرآن والانجيل والتوراة في كل جرائمهم البشعة، إن لم تكن الأديان كلها وازعًا قلبيًا ووجدانيًا لمنع القتل فلا جدوى من كل هذه الشعائر، هل خلقنا الله لنخرب الأرض ونقتل بعضنا البعض ؟!!!

وعلى جانب آخر: يأتي مدعي أنه ملحد بسبب الشر والقتل في الكون ويقول لماذا تركنا الله ؟، ولماذا سمح بكل هذا القتل ؟ أقول له عزيزى الملحد إنك تهرب من مواجهة الواقع وتحمل المسئولية على عاتق الرب.

إن الله خلقنا بإرادة حرة، فالملائكة مأمورون بأمره وكل المخلوقات ليست لها إرادة مثل إرادة الإنسان، وهذه الإرادة هى التي جعلت من الإنسان يتصور نفسه أنه إله هذا الكون وهو المتحكم فيه تحكم مطلق، وأخذ يقتل ويسرق ويزني، وبعد إعطاء الله للإنسان حرية الإرادة، نقول له لماذا يارب أعطتنا حرية الإرادة ؟؟!!!! وكأننا نريد أن نصبح آلات تنفذ فقط الأوامر، لقد أنعم الله علينا بالعقل والقلب والإرادة وأعطانا قوة ذهنية للمقاومة، ولكننا بعدنا ونسينا خالقنا، وألقينا عليه لوم القتل في الأض.

النقطة الثالثة: اقامة دولة الرب أصبح الآن شعارا مثله مثل أي شعار سياسي يستغل البسطاء لاقامة نفوذ وسلطات، حتى ولو كانت بإسم الرب فلا مانع من استخدامات شعارات دينية لجذب عدد أكبر من الجماهير المغفلة، ولكن الله لا يرضى أبدًا أن تقام دولة له على جثث وضحايا بني ادم الذين خلقهم الله ونفخ فيهم من روحه ليقتلوا كالبهائم لاقامة دولة مزعومة.

لماذا يحفظ هؤلاء فقط آيات القتال ويريدون تنفيذها ؟ ماذا لو عكسنا الأمر وحفظنا آيات السلام وحاولنا تنفيذها خاصة أننا في الأشهر الحرم التي حرم الله فيها أي قتال فهل سيلتزم هؤلاء بتعاليم الله، أم أنهم لا يحفظون سوى ( اقتل ) و( قاتلوهم ) ؟؟

لقد حرم القتل وسفك الدماء في الاديان كلها، أليست من تعاليم المسيح عليه السلام( قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم، وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم ).

وقال أيضًا: لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور.

وفي القرآن يقول الله عز وجل: ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )، ويقول عز من قائل: ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا).
أما التوراة: فلم يأمر الرب أبدًا أن ينتهكوا حرمة الإنسان ويقتلوه، حتى حروب يشوع لتوسعة الملك السياسي وبوحي مباشر من الرب، ولم يأمر اليهود باستكمال مسيرة حربهم بادعاء شعب الله المختار وأكذوبة الارض المقدسة.

إننا أمام حقيقة لا مهرب منها أن الدنيا بما أن فيها بني ادم الذين تتصارع مصالحهم وتتصارع الدول التي ينتمون اليها إذن فالحرب والدمار لا مهرب منها، ولكن نزهوا الله والأديان عن هذه الصراعات الدنيوية الزائلة.

وأخيرًا أرجو من الله أن يهدي القلوب التي امتلأت بحب الدنيا ويعم علينا بالسلام النفسي والعالمي. آمين.