رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفقة القرن.. لا تنازل عن الثوابت الوطنية العربية

جريدة الدستور

بات مصطلح "صفقة القرن"- الذي أطلقته الجهات الرسمية الأمريكية- الأكثر استخدامًا وانتشارًا بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، لوصف الجهود الأمريكية للتوصل إلى اتفاق سلام في منطقة الشرق الأوسط وحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

ونظرًا لطبيعة تكوين المجتمع الأمريكي، فإن السياسيين دأبوا على توجيه الاهتمام الأكبر بالمجموعات الأكثر نفوذًا وصوتًا، وأصبح الصوت اليهودي أو المنحاز للصهيونية من المجموعات التي تأتي في المرتبة الأولى، وتسابق المرشحون في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والسياسيون للحصول على تأييد الناخبين اليهود والصهيونيين من خلال إصدار تصريحات وإعطاء وعود مؤيدة للمطالب الصهيونية.

فهل سياسة ترامب تجاه إسرائيل ستحسن من مستوى دعمه المنخفض بين اليهود الأمريكيين في جولته الانتخابية الثانية؟ وهل صفقة القرن ستكون أحد أهم الجسور التي سيعبر من خلالها ترامب للحصول على أصوات اليهود والصهيونيين الأمريكيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة؟

إن ترامب يضع نصب عينيه الانتخابات الرئاسية لعام 2020م، في وقت تتسم قاعدته الشعبية بالضآلة، ويحاول كسب أصوات اليهود الأمريكيين، خاصة أن 24% منهم فقط صوتوا له خلال الانتخابات السابقة في عام 2016م، فقد اتخذ ترامب عدة إجراءات لتحويل دفة تأييدهم نحوه، إذ قام بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وخفض المساعدات الموجهة إلى الفلسطينيين، وأغلق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، ويسعى- الآن- لتنفيذ صفقة القرن.

وقد اختار الرئيس ترامب- زوج ابنته اليهودي- جاريد كوشنر ليصبح كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، وأسند إليه حل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي المعقد، ليكون أحد مفوضيه الرسميين لرسم خطوط "صفقة القرن".

كما وقع اختيار ترامب على- اليهودي- جيسون جرينبلات محاميه الأمين لسنوات طويلة؛ ليكون مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، وقد صرح جرينبلات بأن لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك" هي أحد مصادره الرئيسة للبقاء مطلعًا على الدولة اليهودية.

أما الشخص الثالث الذي اختاره ترامب فهو- اليهودي- ديفيد فريدمان، الذي أمضى ما يزيد عن خمسة عشرة عامًا محاميًا ومستشارًا قانونيًّا لشركات ترامب، كما عمل مستشارًا له للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية، قبل أن يعينه ترامب سفيرًا للولايات المتحدة في إسرائيل في ديسمبر 2016م، وهو صاحب سجل في الدعم المالي لمستوطنات الضفة الغربية قبل استلامه منصبه الدبلوماسي.

ومضمون "صفقة القرن"، الذي تم تسريبه عبر الإعلام الإسرائيلي ويُظهر خطورتها على الشعب الفلسطيني ودولته المرتقبة، ينقسم إلى شقين، الأول اقتصادي والثاني سياسي.

أما الشق الاقتصادي من الصفقة كما جاء بالوثيقة، التي سربتها صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من نتنياهو، فينص على: "أن تساعد الدول التي وافقت في تنفيذ الاتفاق ورعايته اقتصادًيا، وهذه الدول هي: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج المنتجة للنفط، ولهذه الغاية يتم رصد مبلغ 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمشاريع تخص "فلسطين الجديدة"، وذلك ثمن ضم المستوطنات لإسرائيل، ويتم توزيع المساهمات بين الدول الداعمة على النحو التالي: الولايات المتحدة الأمريكية 20%، والاتحاد الأوروبي 10%، ودول الخليج المنتجة للنفط 70%، وتتوزع النسب بين الدول العربية حسب إمكانياتها النفطية، وتفسير تحميل دول النفط غالبية تكلفة المشروع أنها هي الرابح الأكبر من الاتفاق".

وفيما يتعلق بالشق السياسي: فلن تكون "فلسطين الجديدة" دولة، وإنما مجرد كيانات منفصلة عبارة عن نقاط مبعثرة في الخريطة، والخطة لم تدعُ إلى إخلاء المستوطنات الإسرائیلیة بل ضمها إلى الدولة الإسرائيلية، ويبدو أن "فلسطين الجديدة" لن تكون دولة ذات سيادة وليس لها جيش، ولا يمكنها التقدم بطلب للحصول على عضوية الأمم المتحدة، ولم تتطرق بنود الصفقة المسربة إلى ملف اللاجئين الفلسطينيين، وهو ملف شديد الأهمية في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة بعد أن اتخذت واشنطن قرارًا بتجميد مبلغ 65 مليون دولار من أموال المساعدات الأمريكية المخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

ومن بين التفاصيل التي ذكرتها الوثيقة أن مصر ستقوم بمنح أراض من سيناء لفلسطين، بهدف إقامة مطار ومصانع ومكان للتبادل التجاري والزراعة، دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها، ويشق طريق أوتوستراد بين غزة والضفة الغربية، ويسمح بإقامة ناقل للمياه المعالجة "أنفاق" بين غزة وبين الضفة.

هذا هو المحتوى الذي تم تسريبه عبر الإعلام الإسرائيلي، وقد رأى كبار المحللين السياسيين والاستراتيجيين أنه يعبر بنسبة كبيرة عن المبادرة الأمريكية المعروفة إعلاميًا بـ"صفقة القرن".

والجدير ذكره، أن جرينبلات نفى الجزء المتعلق بمنح مصر أراض من سيناء إلى فلسطين.

وفي هذا السياق، وجّه الرئيس السيسي رسالة إلى الشعب المصري خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في الثاني من يونيو 2019م، قائلًا: "بتسألوا إيه الحكاية، والسيسى ناوى على إيه وهيدى حاجة لحد، وهو انتم بتعملوا إيه؟ محدش يقدر يعمل حاجة غير بيكم"، هل تتصوروا إنى ممكن أفرط مثلًا؟.. طيب ليه؟".

وقال أيضًا: "إن مصر تدعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى فى كافة مواقفه فيما يخص مصيره"، هكذا صرح الرئيس المصري بأنه لن يفرط في أرض مصر ولا في حقوق الشعب الفلسطيني.

وينظر بعض السياسيين والمحللين للمؤتمر الذي سيعقد في البحرين، خلال يومي 25 و26 من يونيو الجاري، لدعم الاقتصاد الفلسطيني في إطار خطة سلام أمريكية، على أنه الشق الاقتصادي لما يسمى "صفقة القرن"، وصُدمت بعض الأوساط المعارضة للصفقة من موافقة عدد من الحكومات العربية على المشاركة في المؤتمر، بينما رأى فريق من المحللين أن مشاركة بعض الدول العربية لا تعني دعم صفقة القرن، ونرى أن تأثير المؤتمر سيكون محدودًا ما لم ترافقه خطة سياسيّة واضحة وفقًا لمبادرة السلام العربية التي أكدت حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعودة اللاجئين.. أي لا تفريط ولا تنازل عن الثوابت الوطنية العربية.

وختامًا، أقتبس هذه الفقرة من مقال- منشور على موقع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتیجیة - للرمز المخابراتي والخبير الاستراتيجي السيد محمد إبراهيم بعنوان "رؤية هادئة حول صفقة القرن"، قال فيه: "إن القيادات العربية بزعامة مصر سوف تحافظ على الثوابت الفلسطينية دون أي تنازل، كما تحافظ على الأمن القومي العربي والمصري، وأن الصفقة ما دامت كتابًا غير مقدس أو رسالة سماوية، فإننا قادرون على مواجهتها حتى ولو كان الأمر صعبًا، ولكنه بالقطع لن يكون مستحيلًا ما دام عنوان المواجهة سيكون العقلانية والموضوعية ووحدة الصف العربي تجاه القضية الفلسطينية".

*باحثة متخصصة في العلاقات الدولية والشأن الأمريكي- عضو المنتدى المصري للدراسات الإسرائيلية.