رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتاوى التيك أواي.. ظاهرها الرحمة وباطنها الفتنة

جريدة الدستور

انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتوتير، خلال الفترة الماضية، مجموعة من الدعاة يردون على الشباب في جميع استفساراتهم وأمورهم الحياتية، بفتاوى سهلة وبسيطة دون أن تكون مدعومة بالأدلة الشرعية، ودون أن يكون معروفا هوية هؤلاء الدعاة.

هؤلاء الدعاة حاولوا اصطياد عدد كبير من الشباب من خلال ردودهم السهلة المبسطة غير المدعومة بالأدلة الشرعية، وحتى دون توضيح آراء الفقهاء حتى يكون السائل ملما بجميع الأحكام.

وهذه الردود يطلق عليها فتاوى التيك أواي.. "أمان" طرح سؤالا: لماذا يلجأ الشباب إلى فتاوى التيك أواي؟، وما العلاج لتلك الظاهرة؟، مع مجموعة من علماء الدين.

التقارب العمري

من جانبها، أكدت دار الإفتاء، عبر تقرير نشرته خلال الساعات الماضية، أن لجوء الشباب إلى فتاوى التيك أواي يكمن في أربعة أسباب، أولها: التقارب العمري بين الداعية والشاب المستفتي، وهو ما يمثل بدوره تماثلًا في الجانبين الفكري والاجتماعي، فضلًا عن كسر حاجز الرهبة والخجل من قبل الشاب لطرح تساؤله، بل إن بعض الدعاة يحقق المزيد من التقارب بطرح الأمثلة من حياته الشخصية وتعاملاته اليومية.

وأضافت الإفتاء: أما السبب الثاني فيكمن في وضع صورة مغايرة للصورة النمطية للشيخ، من خلال التساهل واستخدام الألفاظ العامية والعبارات الساخرة.

وأشارت إلى أن السبب الثالث هو سهولة الوصول للداعية وعرض السؤال وفي المقابل سرعة الرد والإجابة، فبعكس وسائل الإعلام المتنوعة؛ تتميز مواقع التواصل الاجتماعي بسهولة أكبر في إمكانية التواصل مع الدعاة وطرح التساؤلات، كما أن فئة الشباب هم الأكثر اعتمادًا على هذه المواقع والتفاعل معها.

وتابعت: أما السبب الرابع والأخير الذي جعل مئات الآلاف من الشباب والفتيات يلجأون لمثل تلك المنصات، أنهم يسألون عن أدق تفاصيل حياتهم (مثل فتاوى الطهارة) عبر استغلال مميزات تلك المواقع في أنها تخفي هوية متابعيهم أو الدخول عليها باسم مستعار، وهذا حفزهم للدخول ليسألوا عما يستجد لهم في حياتهم، وقد يخجل بعض الشباب من أن يسأل شخصًا يعرف هويته حول العلاقات العاطفية مثلًا.

فتاوى التيك أواي غير جائزة شرعًا

في السياق ذاته، أكد الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين السابق بجامعة الأزهر، من الخطورة بمكان أن يلجأ بعض الشباب إلى بعض الصفحات المجهول أصحابها ليأخذوا منها الفتاوى والأحكام الشرعية لأنه ما لم يعلن صاحب الصفحة عن اسمه ودرجته العلمية فلا يجوز أن يأخذ العلم عن تلك الصفحات.

وأشار مختار إلى أنه لا يؤخذ العلم كذلك عن الصفحات التي تصور الفتاوى المتشددة اعتمادا على أنها الصواب في المسألة، لأن صاحب الصفحة ما دام قد اعتمد صورة مصورة، كذلك يدل على عدم اطلاعه على الآراء الأخرى وبذلك لا يؤخذ عنه العلم ايضا.

وأضاف، في تصريحات لـ"أمان": أما إن كان أصحاب الصفحات والمواقع التي تبث فتاوى سريعة من العلماء المعروفين بالعلم والفقه فلا بأس بالأخذ عنهم، ويفضل أن تكون أقوالهم مدعومة بالأدلة وذكر المصادر، فذلك هو العمل الكامل.

ووجّه عميد أصول الدين السابق نصيحة لجميع الناس على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي أن يتثبتوا في ذلك الأمر الخطير الذي يتعلق بالأحكام الشرعية، وبخاصة إذا نقلوه على صفحاتهم لأن الفتاوى الشاذة ضرها أكثر من نفعها.

وطالب المسئولين من أهل العلم والعلماء بأن تكون لهم صفحات معتمدة لتلقي الأسئلة والإجابة عنها، مصحوبة بالأدلة والمصادر حتى نقطع دابر الفتنة والبلبلة التي تدور على ألسنة الناس.

آراء شخصية وليست فتاوى

وقالت الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة، جامعة الأزهر: من المعلوم أن أي فتوى تؤخذ من أهلها، أي المتخصصين في الفتوي، ودار الإفتاء هي القائمة على هذا الأمر لأنها المسئولة عن صناعة الفتوى بما يحقق المصلحة، وتحقيقا لمقصد الشرع عملا بقول الله تعالي: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".

وأضافت، في تصريحات لـ"أمان": إن أي فتوى أخرى، خاصة التي تؤخذ من غير المتخصصين، فهي تعد فتوى شخصية أي وجهة نظر شخص بعينه، وهذه لا يؤخذ بها لأنه في فتواه يقدم الهوى على الشرع، وهذه فتاوى التيك أواي، أي أن من يفتى يحكم هواه دون الاعتماد على أركان الفتوى من مراعاة حال المفتي والمستفتي ومكان الفتوى وزمانها.

وتابعت: ومثل هؤلاء يخدعون الشباب ويزينون لهم الفتوى طبقا لهواه ومراده ولم ينظروا الى عواقب هذه الفتوى وأثرها السلبي على الشباب، وهذه الكثير منها لا يستند الى أصول وأركان الفتوى وليس عنده خلفية الاجتهاد وكيفية استنباط الحكم من مصادره، بل قد تكون فتواه مصدرها شخص متطرف، وأنه لا يفتي إلا بالشاذ من الأقوال.

وأردفت قائلة: فكون الشباب يفضلون مثل هذه الفتاوى لأنها تتماشى مع أهوائهم الشخصية التي تحرم الحلال وتحل الحرام.

وحددت "الحنفي" علاجا لتلك الظاهر من خلال عدة أمور، هي: أخذ الفتوى من مصادرها الأصلية، والقائم على ذلك دار الإفتاء، لأنها المخول لها بيان أمر الدين للناس.

وتابعت: والاقتداء بهدي النبي، صلى الله عليه وسلم، وصحابته، رضي الله عنهم، فكان الصحابة يتحرجون في الفتوى مخافة ظلم أحد، وكانوا يستندون في فتواهم إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وإن يجدوا اجتهدوا.

وأشارت إلى أن هناك دورا كبيرا على القنوات الفضائية، لأن الكثير منها يستضيف غير المتخصصين ويطلب منه الفتوى، وهو ليس عنده حسن صناعة الفتوى، والكثير منهم يفتي بما يخالف ما عليه دار الإفتاء فيقع الشباب في بلبلة فيفضل الفتوى التي تتفق وهواه.

ووجهت "الحنفي" نصيحة للشباب قائلة: "إن أمر دينكم لا تأخذوه إلا من منابعه الأصلية المسئولة أمام الله، عز وجل، عن بيان أمر الدين ومخول لها الأمر من قبل الدولة".