رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المفتى: صورة الإسلام فى الغرب على المحك و"الإخوان" شوّهت الدين (حوار)

جريدة الدستور

أقرأ وردًا من القرآن كل يوم فى رمضان وأحاول تخصيص وقت لزيارة الأقارب
- نحن مع مواجهة فوضى الإفتاء ونؤيد إعداد قانون يُجرّم فتاوى غير المختصين

شدد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، على أن جماعة الإخوان الإرهابية «صورة مشوهة للإسلام»، وممارستها العنف والإرهاب ليست وليدة اللحظة إنما تطبيق عملى لنصوص مؤسسى الجماعة. 

واعتبر المفتى، فى حواره مع «الدستور»، أن عنف الجماعة الإرهابية استراتيجية متجذرة، وضعها مؤسس الجماعة حسن البنا، وسار على نهجها من بعده قيادات ومنظّرو الجماعة كافة، وعلى رأسهم سيد قطب. 

وتناول المفتى فى حواره قضية تجديد الخطاب الدينى وجهود دار الإفتاء المصرية خلال الفترة الماضية لتقويض فوضى الفتاوى، ومواجهتها عبر الفضاء الإلكترونى وعلى أرض الواقع، باستخدام الدار وسائل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى.

■ فى البداية.. كيف يمكننا اغتنام شهر رمضان؟

- شهر رمضان من أوله إلى آخره نفحات ربانية ومنح إلهية تتنزل على بنى آدم ليعم السلام والوئام وتعم السكينة والهدوء فى هذا الشهر، حتى إن الكون كله ليتناغم مع طبيعة هذا الشهر من الطمأنينة وراحة البال.

وهذا الشهر هو مرحلة إيمانية يجب أن يتزود المسلم قبلها بالأخلاق التى تعينه على الصوم وتحقيق الغاية الكبرى من هذه العبادة المباركة، كما يجب أن يخلص النية لله والعزم على اغتنام أوقاته والاجتهاد فيه بالأعمال الصالحات، فقد كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يستعجل قدوم رمضان ويدعو الله بقوله: «اللهم بلغنا رمضان» لأجل استعجال الطاعة، ولم يحرص على استعجال الزمن حرصه على رمضان، لما له من فضائل وخصوصية، فمن توفيق الله للعبد الاستمرار على الطاعة وأداؤها كما ينبغى، فهذا الشهر يحدث التوازن لدى المسلم، لأن الصوم جاء لغذاء الروح، حيث تنتفع به الروح كما ينتفع الجسد بالطعام.

■ ما طقوس فضيلة المفتى فى الشهر المبارك؟

- أقرأ وردًا من القرآن كل يوم، لأن رمضان شهر القرآن، مع تدبر معانيه والعمل به، وكذلك ذكر الله وتسبيحه كلما وجدت فرصة، والحرص على السنن الواردة عن النبى، صلى الله عليه وسلم، لأن الثواب مضاعف، وفى الليل تكون صلاة التراويح فرصة عظيمة للاجتماع على الطاعة فى بيت من بيوت الله وتدارس العلم، كذلك اللقاء مع الجيران والأصدقاء، وفى العشر الأواخر تأتى صلاة التهجد لنعمر ليلنا بذكر الله وطاعته، كما أحاول قدر الإمكان تخصيص وقت لزيارة الأقارب وصلة الأرحام.

■ كيف يطمئن المفتى الشعب المصرى على وضع الإسلام الوسطى؟

- دار الإفتاء المصرية تحرص دائمًا على نشر صحيح الدين، حيث إن ذلك هو السبيل الوحيد لضمان العيش فى وئام مع النفس والتعايش مع الآخر، والإسلام الوسطى المعتدل المتسامح هو إسلام الرحمة الذى يهدف إلى استقرار المجتمعات، وليس إسلام الخوارج والمتطرفين والجماعات الطائفية، ولا إسلام داعش والنصرة، وسيأتى اليوم الذى يعود فيه هذا الإسلام الصحيح إلى الصدارة، حين تلتف الشعوب حول العلماء الوسطيين وترى فيهم الممثلين الحقيقيين للإسلام، ولن يكون ذلك إلا بعد أن تنكشف حقيقة كل ناعق باسم الإسلام، وبعد أن تنكشف للشعوب حقائق التيارات والجماعات الطائفية المتطرفة، كما أن مؤسساتنا التاريخية متمثلة فى الأزهر الشريف تعمل على تقديم الفكر الإسلامى الوسطى للعالم بأسره.

■ كيف تعمل دار الإفتاء على غلق باب الفتاوى المتطرفة؟

- عملنا على قدم وساق خلال الفترة الماضية، وما زلنا فى طور العمل لتقويض فوضى الفتاوى، من خلال أصعدة عدة عبر الفضاء الإلكترونى، وأرض الواقع، باستخدام الدار وسائل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى، الأمر الذى أسهم على نحو كبير فى وصول صحيح الدين إلى أكبر قدر ممكن من الناس، خصوصًا الشباب، كما عقدت الدار المجالس الإفتائية التى شارك فيها علماء دار الإفتاء فى مراكز الشباب على مستوى المحافظات، بالتعاون مع وزارة الشباب، من أجل التواصل على أرض الواقع، لترسيخ المفاهيم الإفتائية وثقافة الاستفتاء الصحيحة بين الشباب، ونحن مع أى إجراءات لمواجهة فوضى الإفتاء، وفى مقدمتها إعداد قانون يُجرّم الفتاوى التى يُطلقها غير المختصين، استنادًا إلى الأفكار المستوردة، التى تحاول نشر العنف والتطرف والإرهاب، كما أن تجديد الخطاب الدينى أصبح أمرًا ضروريًا لمواجهة الفكرالمتطرف، خصوصًا الذى يستهدف الشباب على الإنترنت، فالمجتمع يعانى حالة من السيولة والموضوعية غابت عن شرائح كبيرة فى المجتمع.

■ بمناسبة مواقع التواصل.. كيف أثرت السوشيال ميديا على مجتمعنا العربى؟

- وسائل التواصل الاجتماعى وسيلة ذات حدين، فكما يسّرت حركة الحياة وسهلت متابعة الكثير من الأمور، كان لها أيضًا من الاستخدامات الخاطئة الكثير، مثلًا انهماك الشباب بها وانشغالهم عن الأسرة، ولما لها من أهمية لدى الغالبية العظمى فى الوقت الحالى اهتمت دار الإفتاء بالوجود والتحدث إلى روادها، بهدف مواجهة موجات التشدد والتطرف المنتشرة عبر تلك المنصات من قِبل أعضاء التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، الذى يعمل بكثافة ولديه القدرة على اختراق مواقع السوشيال ميديا، نظرًا لسرعتها فى محاولات التجنيد والاستقطاب لعدد من الفئات العمرية التى توجد بكثرة عبر هذه الوسائل. 

هذا إلى جانب إطلاق الدار حسابين بالإنجليزية والفرنسية، بخلاف الحساب الرسمى الذى يتابعه نحو 7 ملايين شخص، والحسابان معنيان بنشر محتويات الدار باللغتين الإنجليزية والفرنسية، بهدف الوصول للمسلمين الناطقين باللغات الأجنبية، إضافة إلى حساب على «إنستجرام»، ويعتنى هذا الحساب بنشر صور دينية ترفيهية ووعظ، إضافة إلى صور تحتوى على فتاوى دينية، وقناة دار الإفتاء على يوتيوب التى يتابعها 15 ألف مشترك، و129 ألف متابع على تويتر، غير التليجرام وجوجل بلاس وساوند كلاود.

■ من وجهة نظرك.. لأى مستوى نجحت الدار فى مواجهة الجماعات المتشددة؟

- اجتهدنا فى مواجهة جماعات الظلام، وما زلنا نجتهد، إلا أننا لا نزال نواجه مجموعة من التحديات التى تلزم علينا جميعًا الانتفاض من أجل مواجهتها، ولا يزال تهديد جماعات الظلام الإرهابية يُلقى بظلاله على العالم بأسره، ومن الأهمية بمكان حتى نقضى على هذه الأفكار الشاذة أن نتكاتف جميعًا لمحاربة الإرهاب الأسود وتجفيف منابعه ومواجهته بالوسائل المشروعة، وفى مقدمتها مشروعات التجديد وتصحيح المفاهيم التى تقوم بها المؤسسات الدينية، وفى مقدمتها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم.

■ هل حقق الانفتاح على الغرب تقدمًا فى نشر الدين الوسطى؟

- الإسلام دين الانفتاح والتواصل مع جميع الحضارات؛ لأن طبيعة الرسالة المحمدية عالمية، والله أرسل النبى، صلى الله عليه وسلم، للناس كافة، فكان لا بد أن تصل الرسالة إلى الآفاق، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق التواصل مع الآخر ومع كل الحضارات، والمسلمون فى الغرب قوة ضاغطة ترفع صوتها مدافعة عن دينها وصورتها وهويتها وثقافتها، بصورة حضارية ضد حملات الإسلاموفوبيا التى زادت وتيرتها فى الفترة الأخيرة، فالتطرف والإرهاب أثَّرا بشكل كبير على سمعة الدين الإسلامى فى الغرب، فهى على المحك الآن، بدلًا من أن تكون صورة الإسلام مشرقة، كما كانت فى البداية، إلا أننا نحاول، من خلال الوسطية الأزهرية، تحقيق الأمن الفكرى للمجتمعات، خاصة أن الدولة المصرية منفتحة على الجميع.

■ كيف قادت دار الإفتاء بأسلحتها العلمية حربها مع جماعة الإخوان فى الفترة الأخيرة؟

- الإخوان صورة مشوهة للإسلام، ودار الإفتاء تعمل وفقًا لاستراتيجية محددة لمواجهة جماعة الإخوان والتيارات المتشددة، من خلال محاور، منها ما يتعلق بالدراسة والبحث وتفكيك وتشريح فتاوى العنف عند الجماعات الإرهابية، وانتهى مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الإفتاء، من دراسة حول جذور التطرف والعنف فى نصوص مؤسسى وقيادات الجماعة الإرهابية، مع التركيز على دراسة مراحل تطور العنف لدى الجماعة على مستوى التنظير والممارسة، وهو ليس وليد اللحظة الراهنة بل يعتبر استراتيجية متجذرة وضعها مؤسس الجماعة حسن البنا، وسار على نهجها من بعده قيادات ومنظرّو الجماعة كافة، وعلى رأسهم سيد قطب.

■ ما التغير الذى تلمسه على أرض الواقع بعد 5 سنوات من دعوة تجديد الخطاب الدينى؟

- المؤسسات الدينية فى مصر مهمومة بقضية تجديد الخطاب الدينى، ونحن فى دار الإفتاء ننفذ أكبر عملية تطوير وتحديث فى أطر الخطاب وأدواته وتنقية ما لحق بها من شوائب، واقتحام عوالم جديدة ومساحات حديثة على رأسها عالم التواصل الاجتماعى، فكانت الدار سبّاقة فى عالم التواصل الاجتماعى، وأصبحت تتربع على عرش المؤسسات الإسلامية فى العالم، من حيث عدد المتابعين والمهتمين، كما توسعت فى منظومة العمل الإفتائى وكثفت من جولات علمائها بالخارج، وقدمت أوجه الدعم والمساعدة العلمية والتأهيلية لدور الإفتاء فى مختلف الأقطار، واستهدفت قيادة قاطرة تجديد الخطاب الدينى عبر تقديم النماذج الواقعية فى التجديد، ومن ثم تخفيف ما لحق بالإسلام من عداء وتشويه تقوم به الجماعات المتطرفة، والتصدى لظاهرتى الفوضى والتطرف فى الفتوى، ولا شك أن هناك أناسًا اختطفوا الخطاب الدينى، ورسخوا مفاهيم خاصة بهم لتحقيق أغراض سياسية بدعم جهات خفية وعلنية، ونحن نريد إعادة الخطاب الدينى المختطف إلى حضن المؤسسات الدينية العريقة التى تقدم صحيح الدين.

■ هل تتمتع المؤسسات الدينية بثقة المواطنين فى الوقت الحالى؟ 

- نعم، فكل المؤسسات الدينية فى الدولة تعمل فى تكامل وتناغم مع بعضها البعض لنشر صحيح الدين، ولا شك أن المواطنين يجدون ضالتهم لدى كل مؤسسة يقصدونها، فعلى سبيل المثال إصدار الفتوى بدار الإفتاء يتم وفقًا للمنهج الأزهرى القائم على مراعاة المآلات والأحوال والعادات والتقاليد التى تتفق والشرع الشريف وكذا إدراك الواقع، ما يفتح باب الاجتهاد أمام علماء الأزهر ودار الإفتاء للتفاعل مع قضايا الأمة، بما يعود عليها بالنفع ويناسب العصر ويسد الباب أمام الفتاوى المتطرفة والشاذة، فالفتوى علاوة على كونها مستمدة من منهج الأزهرالشريف فهى أثناء التكييف الفقهى للمسألة تبحث فى الوقائع بصورة متخصصة، إضافة إلى التنقل بين المذاهب الفقهية المعتمدة، مع دراسة الواقع ومآلات الفتوى لأجل الوصول إلى حكم شرعى صحيح يراعى الزمان والمكان والعوائد والأحوال.

■ وما رأى المفتى فى الأصوات التى تعلو وتنادى بفصل القرآن عن السنة؟

- القرآن والسنة هما المعتمد والأساس لكل مصادر التشريع الأخرى من القياس والإجماع والمصالح المرسلة وغيرها، والفقهاء اهتموا بالتعامل مع المسائل والقضايا غير الموجودة فى القرآن والسنة بصورة جزئية تفصيلية من المستجدات والنوازل، وقعَّدوا القواعد الضابطة لاستنباط الأحكام لها، والأمة عبر تاريخها عملت على ضبط حركة الحياة بالأحكام الشرعية فى تناسق حكيم، وذلك لأنهم فهموا ماهية الشرع الشريف فهمًا صحيحًا على وفق مراد الله ومراد رسوله، الذى تُعد المرونة من أهم خصائصه، وهى تقضى على المسلم بضرورة الانطلاق من القواعد الشرعية الكلية والاهتمام بترسيخ القيم والمبادئ العامة الثابتة، وهو منهج حكيم رسَّخه النبى، صلى الله عليه وسلم، فى تطبيق الشرع الشريف، ثم سار على ضوء هذا الهدى الخلفاء الراشدون ومن بعدهم أئمة الإسلام المجتهدون عبر العصور من أجل تحقيق هذه الرسالة النبيلة.

■ كيف يحث المفتى الشباب على استغلال الشهر؟

- الصوم تربية روحية للجميع، وغايته تهذيب النفوس ليتحقق الإيمان فيكون الدافع لتحقيق تعاليم الإسلام الحقيقية، وعلى كل شاب مسلم أن يذكِّر نفسه دائمًا بأنه صائم حتى لا يضيع صيامه، لقول النبى «فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ إِنِّى صَائِمٌ».