رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليست الدنيا دار الخلود

جريدة الدستور

رغم أن الموت حق بإجماع الناس لكن أكثرهم يكرهونه ولعل السبب أنه يتعارض مع غريزة حب الخلود التى نشأت فى الانسان أولا وقد استغلها الشيطان عليه اللعنة- فى اغواء أدم عليه السلام عندما أسكنه الله الجنة وأذن له فى الأكل منها الا من شجرة معينة ويفهم من حرف الفاء( فأكلا منها) أن أدم وزجه أسرعا فى الأكل من الشجرة مع أن الوسوسة كانت لأدم عليه السلام وحده حسب ظاهر النص وما ذلك الا من أجل الخلود الذى يرجوانه ويتمنيانه من هنا كان الموت مكروها ولذلك أسماه الله تعالى مصيبة .

ويعد الموت فى الدنيا من النعم التى تستحق الذكر حيث يتقلد الابناء والأحفاد مثل ما كان للإباء والأجداد من مكانة وحفظ وحيث يجد الانسان خلاصا طبيعيا لعواطفه المرتبطة بالأخرين مثل الأبناء الذين هم بحكم التطور يستقلون ويتفرقون.

كما يضع الموت نهاية لصور الظلم والعقد النفسية التى تفسد جمال الحياة وفوق كل ذلك فان الدنيا ليست دار الخلود بل هى طريق الى حياة الخلود اما الى جنة تشتاق الى صاحبها ويشتاق صاحبها اليها واما الى نار متغيظة من صاحبها لتخلص الدنيا من ظلمه وبطشه وفى كل خير.
وأيضا الموت نعمة لأنه أية من أيات الله يصدقها الجميع تثبت أن الدنيا ومن فيها زائلون فهو صوت حق يحمل الناس على الايمان بالحق وهو الله تعالى ولما كان الايمان بالله سبحانه أجل النعم كانت الأيات الموصلة الى هذا الايمان من النعم التى تستوجب الحمد والشكر والذكر.

ومن هنا قال الله تعالى مخاطبا الجن والانس( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام فبأى ألا ربكما تكذبان) يقول ابن كثير: أى فبأى الألا يا معشر الثقلين من الأنس والجن تكذبان؟ أى النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون انكارها ولا جحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به : اللهم ولا بشى من الائك ربنا نكذب فلك الحمد.

وعن أبى قتادة ابن ربعى أنه كان يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال:( مستريح ومستراح منه) قالوا: يارسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال: ( العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها الى رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب).

واذا كان من مات من الناس اما ان يكون مستريحا أو مستراحا منه ففى الحالتين يكون الموت نعمة ومن كل ماسبق يتضح ان الدنيا ليست دار الخلود ويحب تهيئة النفس له والاستعداد لمقابلة ونعمل عمل ابن عمر رضى الله عنهما اذا اراد أن يتعاهد قلبه يأتى الخربة فيقف على بابهاوفينادى بصوت حزين فيقول: أين أهلك؟ ثم يرجع الى نفسه فيقول: ( كل شىء هالك الا وجهه).