رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا دكتور سعد إنَّ التسوية بين المرأة والرجل ظلمٌ للمرأة "2/3"

جريدة الدستور

ألم تر يا دكتور سعد أنَّ المرأة هي المُرجِّحَةُ بين الرجال في قانون التعصيب في الإسلام؟!

أولًا: ألم تقف يا دكتور سعد على ترجيح بعض الرجال على بعض بسبب المرأة:

وهذا يُتصوَّر في الإخوة والأعمام وأبنائهم (وإن نزلوا)، عند اتحاد العصبات في الجهة والدرجة واختلافهم في القوة، فترجِّحُ (الأم) الجانبَ الذي أدلى بها فيأخذ التعصيب دون الآخر.

1- مثال ذلك في الإخوة: لو مات عن (أخ شقيق، وأخ لأب).

فالمال للأخ الشقيق دون الأخ لأب، رَغْمَ اتحادهما في الجهة؛ وهي (الأُخُوَّة) وكذا اتحادهما في الدرجة، لكن الشقيق أقوى؛ لأنه يُدلي بقرابة (الأم) مع قرابة (الأب)، والأخ لأب يُدلي بقرابة (الأب) فقط.

وقد نصَّ على ذلك فقهاءُ الإسلام:

قال العلامة السرخسي الحنفي رحمه الله: «قَرابَةُ الأُمِّ... تكونُ عِلَّةً للتَّرجيحِ؛ فلهذا يُرَجَّحُ الأَخُ لِأبٍ وأُمٍّ على الأخ لِأب».

وقال العلامة الباجي المالكي رحمه الله: «إنَّ الأخَ لِلأبِ والأُمِّ أوْلى مِن الأَخ لِلأَبِ؛ لِأنَّ الأُمَّ يُدْلى بها إلى الميراث».

وقال العلَّامة الماوردي الشافعي رحمه الله: «فَوجَبَ أنْ يُقدَّمَ مَن زاد إِدْلاؤهُ بِالأُمِّ على مَن تَفرَّد بالأب».

وقال العلَّامة منصور بن يُونس البُهوتي الحنبلي، رحمه الله، وهو يُرتِّب العصبات: «ثُمَّ الأَخُ مِن الأبويْن؛ لِترجُّحه بقَرابة الأُمِّ».

2- مثال العمومة: لو مات عن: (عم شقيق، وعم لأب).

فكذلك القول كسابقه.

ثانيًا: ألم تر يا دكتور سعد، أنََََّ المرأة مُرجِّحة بين الرِّجال في المسألة المشرَّكة:

سُمِّيت المشرَّكة أو المشتركة؛ لتشريك الإخوة الأشقاء فيها مع الإخوة لأم في ثلثهم، وقد أفردها الفرضيون في باب خاص بها؛ وذلك لشهرة الخلاف فيها.

وأركان المشركة أربعة؛ وهي: زوج. أم (أو جدة)، واحدة أو أكثر. إخوة لأم، اثنان فأكثر. أخ شقيق، واحد فأكثر، سواء كان الأشقاء ذكورًا فقط، أو ذكورًا مع إناث. ويُشترط في المشركة شرطان عدميان: عدم الفرع الوارث مطلقًا، وعدم الأصل من الذكور الوارث. 

محترزاتها: 

1- لو كان بدل الإخوة الأشقاء إخوة لأب ذكورًا، أو ذكورًا وإناثًا، لسقطوا؛ لاستغراق الفروض التركة، ولم يشتركوا مع الإخوة لأم؛ لأنهم بالنسبة للأم أجانب. 2- لو كان بدل الأخ أو الإخوة الأشقاء أخت شقيقة أو أختان، أو أخت لأب أو أختان، لعالت المسألة بنصف الواحدة أو بثلثي الثنتين ولم يحصل فيها تشريك.

وعلى هذا المذهب؛ وهو القضاء بالتشريك بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأم في ثلثهم (ذكورًا وإناثًا)، يكون الذكر والأنثى فيه سواء دون تفضيل؛ وذلك لكون الجميع ورثوا بالرَّحم المجرَّدة.
مثال المسألة المشرَّكة: مات عن (زوج، وأم، وأخوين لأم، وأخ شقيق) فإن للزوج (12)، وللأم (16)، والثلث المتبقي بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأم بالسوية.

تكريم المرأة في هذه المسألة يتبين من خلال خمس ملاحظات: 

الملاحظة الأولى: إن المسألة المشتركة يُنْظَرُ فيها إلى جانب الأم، فيرث الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم بسبب ترجيح جانب الأم لهم ونهوضه بهم، وإلا فليس لهم عن طريق التعصيب شيء من الميراث، وهذا الترجيح لجانب الأم يدل على أهميتها، وعلى احترام الشريعة وضعها وقدرها، ويدل كذلك على تأثيرها في جهة التوريث.

الملاحظة الثانية: إنه لو كان في هذه المسألة (إخوة لأب وأخوات لأب) مكان الأشقاء والشقيقات فلن يرثوا شيئًا؛ وذلك لأن جانب الأب وحده لا يُرجَّح على جانب الأم. ويدل عليه: إن الإخوة الذين أدلوا بالأم كان لهم نصيبهم، وأما الذين أدلوا بالأب فلم يكن لهم شيء، وهذا ترجيح للمرأة وتكريم لها. 

الملاحظة الثالثة: لو كان مكان الأشقاء شقيقات فقط، ورثن بالفرض للواحدة النصف، وللاثنتين فأكثر الثلثان، وهذا يدل على أن جانب الشقيقة أقوى من الشقيق في هذه الحالة.

الملاحظة الرابعة: لو كان مكان الشقيقة أخت لأب، ورثت بالفرض كذلك، للواحدة النصف، وللاثنتين الثلثان، فتكون الأخت لأب أقوى من الأخ لأب في هذه الحالة، وهذا بلا شك تكريم للمرأة وترجيح لها على الرجل في الميراث.

الملاحظة الخامسة: إن جميع الرجال والنساء في هذه الحالة قد ورثوا بالتساوي، الذكر كالأنثى، وهذه من الحالات التي يساوي فيها الرجل الأنثى في الميراث، حتى يعلم الحمقى أن الأمر ليس على حال واحدة أو وضع معين؛ بل إن في هذا التشريع حِكَمٌ لا يعلم حقيقتها كاملة إلا الله عز وجل، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟!.

ثالثًا: ألم تر يا دكتور سعد، أنَّ المرأة مُرجِّحة في المسألة الأكدريَّة:

الأكدرية: هي إحدى المسائل المشهورة في باب الجد والإخوة، وقد أفردها كثير من الفرضيين في باب خاص، وقد اختلف الفقهاء فيها اختلافات عديدة؛ لأن الخلاف واسع في مسائل الجد إذا اجتمع مع الإخوة.

لها أركان أربعة: زوج، أم، أخت لغير أم (شقيقة أو لأب)، جد. وأهم محترزاتها: لو كان بدل الأخت أخ لسقط؛ إذ لا فرض له ينقلب إليه بخلاف الأخت.

والأكدرية معمول بها الآن في البلاد الإسلامية، وهو مذهب علي وزيد، رضي الله عنهما، وقد اتفقا في وجه واختلفا في آخر. ومما هو جدير بالذكر أن مذهب سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، هو المعمول به في قانون المواريث المصري (المادة: 22)، والسوري (المادة: 279)، والسوداني (المادة: 376)، والكويتي (المادة: 310) وغيرها.

ومذهبه كالتالي: للـــزوج (12)، وللأخــــت (12)، ولـــــلأم (16)، وللجـــــد (13) وتعول إلى (9). للـــزوج (3)، وللأخــــت (3)، ولـــــلأم (2)، وللجـــــد (1).

ويظهر وجه تكريم المرأة في هذه المسألة من خلال ملاحظتين:

الملاحظة الأولى: إنه لو كان مكان الأخت الشقيقة أخ شقيق لسقط، ولو كان مكان الأخت لأب أخ لأب لسقط كذلك، لاستغراق الفروض للتركة؛ إذ لا فرض لهذا الأخ الشقيق أو الأخ لأب ينقلب إليه، بخلاف الأخت الشقيقة أو الأخت لأب، فإن لها فرضا مقدرا معروفا؛ وهو نصف التركة، وهذا تكريم للمرأة؛ حيث ورثت الأخت بالفرض المقدر، ولو كان بدلًا منها من هو في درجتها من الإخوة لسقط.

الملاحظة الثانية: إن الأخت قد ورثت في هذه المسألة ثلاثة أضعاف الجد؛ حيث أخذت (3)، وأخذ هو (1).

وكذلك ورثت الأم ضعفَ الجد، فقد أخذت (2)، وأخذ هو (1).

وإنَّه ليظهر لكُلِّ عاقلٍ مُتأملٍ- ولوقليلًا- فيما ذكرتُه التكريمَ الربانيَّ الإسلاميَّ للمرأة، والذي لو اكتفيتُ به تدليلًا على تكريم المرأة في التوريث الإسلاميّ وظلمها في غيره، لكفى العاقلَ والمُنْصِف؛ إذ إنَّ أهل الحق والعقل يكفيهم دليلٌ واحد، وغيرهم لا يكفيهم ولا ألف دليل.

يتبع 

*باحث أزهري