رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الاحتطاب" والغنائم.. تبريرات الجماعات الإرهابية لسرقة أموال المسلمين

تعبيرية
تعبيرية

يعتبر استحلال أموال المخالفين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين من الأهداف الرئيسية للجماعات التكفيرة منذ القدم، تظهر وتختفي، هذا الظاهرة، حسب الحاجة إليها أو في حالة ضعف التمويل، ويرفع قيادات هذه الجماعات في فتاوايهم ما يمكن أن يجعلوه مستندا شرعيا للتلاعب بعقول أتباعهم بهدف الاستيلاء على الأموال، والتي تتحول بسببها الجماعة إلى أشبه بعصابة للنصب على الممولين والسطو على الآمنين.. السطور التالية تلقي الضوء على الأصول الشرعية المحرفة التي يستند عليها لصوص الدين والأموال من الجماعات الإرهابية، وابرز العمليات التي نفذوها في هذا الإطار.

الغنائم

 

يطلق الجماعات الإرهابية اليوم على مصطلح الغنائم اسم "الاحتطاب" الذي يعني الاستيلاء على أموال الكافرين، ويعرف الشافعية الغنائم والأسلاب كما جاء في كتاب "الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي" بأنها:

 

"المال المأخوذ من أهل الحرب قهرا، سواء كانت منقولة أو غير منقولة، وسواء أخذت والحرب قائمة، أو أخذت عند مطاردة الأعداء وفرارهم، والأسلاب: جمع سلب، وسلب القتيل: ما وجد معه وفي حوزته من المال والسلاح.

 

ومن المعروف أن الغنائم مشروعة بنصوص الكتاب والسنة، في حالة وقوع الحرب بين جيوش المسلمين، وغيرهم، بل ومعمول بها في كل جيوش العالم النظامية الشرعية التي تمثل الدولة، وتفصيل ذلك موجود في كتب الفقه قديمها وحديثها، وهي من الأمور التي تختص بها الدولة وليست الجماعات، ولكن التنظيمات الإرهابية نصبت نفسها مكان الدولة وأنزلت أحكام الجهاد والحرب وما يترتب عليها من غنائم واستلاب وغيرها على التنظيم، ومنها ما وقع في مصر في السبعينات والثمانينيات بعد ظهور الجماعات المسلحة التي استحلت أموال المصريين خاصة المسيحيين، والتي راح ضحيتها العشرات من أبناء الوطن.


القضية 462 لسنة 1981

 

ضمت اعترافات المتهمين  في القضية رقم 462 لسنة 1981، الخاصة بأحداث الاستيلاء على اموال محلات الذهب المملوكة للمسيحيين في نجع حمادي، أنهم اعتمدوا على فتوى للشيخ عمر عبدالرحمن في استحلال "أموال النصارى" ونصت الفتوى على أن نصارى مصر "محاربين"  وجاء في نص الإجابة حول هذه الفتوى :

"أنه يجوز شرعا محاربة النصراني المحارب وقتله وأخذ أمواله، واستخدامها فيما ينفع المسلمين دون استخدامها في الأغراض الشخصية، وقد جاءت الفتوى حينما بحثنا عن مصدر لتمويل التنظيم، حتي يمكن شراء الأسلحة والذخيرة التي يحتاجها التنظيم، واللازمة لعملية التسليح بناء على ما اقترحه علي الشريف من وجود بعض محلات الذهب في نجع حمادي، وبناء على تلك الفتوى قام علي الشريف بالهجوم على هذه المحلات واستولوا علي ما فيها من ذهب ونقود، ومن حصيلة هذه العملية أمكن تسليح التنظيم وشراء السيارات اللازمة لتنقلات أعضائه، في الربط والتنسيق بين الوجه القبلي والقاهرة".


إعادة إنتاج الفتاوى القديمة


وتعليقا على هذه الفتوى قال خالد عكاشة الخبير في الحركات الإسلامية، في تصريحات خاصة لـ "أمان" إن الحديث عن "الاحتطاب" أو الغنائم حاليا يعتبر اعادة انتاج لافكار الجماعات الإرهابية القديمة وطرحه مرة أخرى من خلال التظيمات الحديثة.

 

وأضاف أن ذلك من المسائل التي تظهر عادة في وقت الفقر الذي تعاني منه الجماعات الإرهابية، حينما تواجه مشاكل في التمويل، وبالتالي فإنها تلجأ للعودة إلى مرجعياتها الفكرية لتحقيق مكاسب من المخزون القديم، الذي يشمل الكثير من الفتاوى التي تبيح ليس فقط الاستيلاء على الأموال ولكن تشمل أيضا القتل علي الهوية.

 

وأشار عكاشة إلى أن واقع هذه الجماعات مع جمع الأموال يمكن تسميته عملية نصب باسم الدين، ابتداء من التمويلات التي يكون الممول فيها على علم بأن جزءًا كبيرًا من أمواله لن يتم استخدامه في الغرض الموجه له، بل تذهب لجيوب قيادات هذه الجماعات بشكل اساسي، ويتغاضى عن ذلك مقابل الرضا عن تحقيق هدفه، وهي من البداية عملية ملوثة لا تعتمد على دفاتر أو تعاقدات مشهرة بين الطرفين.

 

وأوضح أن الأحداث، كشفت وجود الكثير من عمليات الفساد الداخلي لهذه التنظيمات التي يعلنها قياداتها حينما يتعرضون للسرقة من أحد أتباعهم أو من الجماعات المنافسة لهم، وهو ما يمكن أن تراه في الإعلان عن بعض مرتكبيها أو قتلهم، ومنها قضية القيادي المصري في داعش المدعو أبو عبيدة، الذي كان يشغل منصب "أمير ديوان الزكاة" في مدينة الميادين شرقي دير الزور.

 

وسرق أبو عبيدة مبلغا يقدر بحوالي مليار ليرة سورية (أي ما يعادل نحو 5 ملايين دولار أمريكي)، كانت من المقرر أن تصل إلى الفقراء في دير الزور حسبما زعم التنظم.


أبرز عمليات السرقة          

 

الأحداث كثيرة، فبناء على فتاوى استحلال الأموال،  شن عناصر تنظيم داعش الإرهابي سطوا مسلحا على البنك المركزي في مدينة الموصل العراقية في يونيه 2014م، وسرق عناصر التنظيم مدخرات تقدر بـ425 مليون دولار.

 

وقال محافظ نينوى، أثيل النجيفي، وقتها: إن التنظيم وضع يده كذلك على ملايين الدولارات الإضافية وعلى كمية كبيرة من سبائك الذهب بعد استيلائه على مصارف عدة في الموصل.

 

واعتبر محللون إن هذه المسروقات تجعل من "داعش" أغنى تنظيم إرهابي في العالم.

 

حادث العريش

 

استيقظ أهالي العريش في السادس عشر من أكتوبر 2017 على واقعة غير مألوفة من التنظيمات الإرهابية بسيناء، وهي عملية السطو المسلح على فرع البنك الأهلي بالعريش، واستهداف التمركزات الأمنية المعينة لتأمين المنشآت الحيوية بشارع 23 يوليو دائرة قسم ثاني العريش، وقتها لم يلتفت الكثيرون إلى أن العملية تعتمد على مبررات شرعية من الفتاوى المنحرفة للتنظيم، وانصب الحديث حول أن تنظيم داعش الإرهابي لجأ لهذه العملية فقط بسبب تضييق الخناق عليه، وقلة الموارد المالية لديه.


الجماعات المسلحة بسوريا

 

وباسم الغنائم أيضا، عاد المصطلح من جديد في الظهور لدى العديد من الفصائل المسلحة في الأراضي السورية تحت مسمى "الاحتطاب" الذي انتشر بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين، وامتد الاحتطاب من الاستيلاء المسلح على الأموال إلى الخطف مقابل الفدية، واشهره واقعة اختطاف أكثر من 27 امرأة وطفلا من مدينة السويداء السورية، وكذلك اختطاف الطفلة ياسمين ومساومة والدتها البلجيكية على دفع الأموال مقابل إعادتها إليها.

 

وانتشرت أيضا عمليات اقتحام منازل المدنيين والاستيلاء على أموالهم ومنها وما تداولته حسابات الجماعات المسلحة أمس الأربعاء بأنه في حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا اقتحم ثلاثة عناصر ملثمين  لمنزل المواطن إسماعيل عنبو من أهالي ناحية بلبل الكائن في الناحية مدعين بأنهم من الجيش الحر وعندما دخلوا المنزل  نفذوا عملية  سطو مسلح على اصحاب المنزل، سلبوا منهم مبلغا قدره ثلاثون ألف ليرة سورية وجهاز هاتف خلوي ولاذ المنفذون  بالفرار مبتهجين  كأنهم حققوا الانتصار".

 

وتتكرر هذه الوقائع بشكل يومي على مدار الشهرين الماضيين الأمر الذي بدأت رائحته تظهر على صفحات شرعيّ هذه التنظيمات، والتي تدافع حينًا عن الفصيل الذي تنتمي إليه، أو تتهم فصيلا آخر بالجريمة.


فساد داخلي

 

ويستغل أغلب قيادات هذه الجماعات الفتاوى الخاصة بإباحة أموال المحاربين في تحقيق مكاسب خاصة، أو يبررون لأنفسهم سرقة جزء من هذه الأموال، ولا يعلم أحد عن ذلك شيئا لأن الجماعات الإرهابية تحاول أن تظهر بشكل المدافع عن الدين أمام أتباعها على الأقل، إلا أن هذا الوضع لا يبقى كثيرا قيد السرية، حينما تفوح رائحته، ففي نوفمبر 2014، نفذ أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي أمرا بتطبيق حد الحرابة على أحد قيادي التنظيم بتهمة سرقة أموال داعش.

 

وكشف وقتها المرصد السوري في بيان نشره على موقعه إن البغدادي أمر بإعدام قيادي بارز في التنظيم، وتم تنفيذ الحكم بفصل رأسه عن جسده وصلبه عند دوار الجرداق في مدينة الميادين في محافظة دير الزور السورية بعد اتهامه "بأخذ مال المسلمين بغير حق بتهمة أنهم مرتدين، واختلاس أموال من بيت مال التنظيم" حيث حُكِمَ على القياديِّ " بالقتل حرابة بأمر أمير المؤمنين".