رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علاقاتنا بأنفسنا وبالآخرين فى الحياة

جريدة الدستور

إن علاقتنا بأنفسنا تستمد عناصر وجودها الحى من نقاء علاقتنا بالآخرين، وعلاقتنا بالآخرين تستقطب فى حركة انتمائها علاقتنا بالكون، وعلاقتنا بالكون هى الأخرى تغيم أو تشرق فى ضوء علاقتنا بأنفسنا، ومن هنا كانت هذه الأنماط من علاقتنا الحياتية متكاملة متناغمة الأبعاد والأعماق، كأنها أضلاع مثلث واحد.

ولنبدأ بتأمل (علاقتنا بأنفسنا)، هذه العلاقة قائمة أساسا على التلاحم الوجودى بيننا، كوجود موضوعى وبين أنفسنا كطاقة وكقدرة وكفكر.

إن ذلك كله غاية كل الأديان والرسالات، ولعل أندى صوت فى هذا المجال كان صوت النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، حين قال وهو راجع لأصحابه من غزوة وقتال (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)، وهو جهاد النفس.. إن ذلك كان بدء الجولة الداخلية التى تقوم بتحرير المناطق المحتلة من أغوار الذات، ليبدأ من بعد ذلك الزحف إلى كسب مواقع جديدة، لا بد أنها ستتوق يوما إلى مثل هذا الصفاء الآدمى الصادح فى سلوك هذه الطلائع المسلمة الفاتحة، باسم الله وباسم كرامة الإنسان.

ولقد جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول:(أوصنى يارسول الله.. قال: أمستوصى أنت؟ قال: نعم قال: إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن كان رشدا فأمضه وإن كان غيا فانته عنه)، هنا تخطو القضية خطوة أخرى إلى الأمام، فليست المسألة مسألة جهاد كادح داخل النفس، وإنما بالدرجة الأولى تسليم الذات كل زمام الموقف (إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته)، حتى يمكن للإنسان أن يكون هنا مناط مسئولية، ولكنها مسئولية مسئول أمام هذا الميزان (فإن كان رشدا فأمضه، وإن كان غيا فانته عنه)، هذا تخطيط راشد لتربية النفس،  فأسلوب الكبح لا يجدى ولكن أسلوب الحفز وربط هذا الحفز بضمانات أخلاقية واقية، هو الذى يعمل على تنشيط قوى النفس.

إن علاقتنا بأنفسنا لا ينبغى لها أن تنهض على أسس من الوصايا والشعارات، وإنما ينبغى لها أن تنهض دائما على فهم حقيقة النفس، وحقيقة دورها الشاق، وحقيقة الصراع الناشب فى داخلها بين شتى النوازع والخلجات.

ولا بد من تعميق علاقتنا بالآخرين، على أساس من الحب المطلق، المشاركة فى الغيم والإشراق، كهذا الذى قاله السيد المسيح عليه السلام:(أحبوا أعداءكم..باركوا لاعنيكم..أحسنوا إلى مبغضيكم..صلوا من أجل الذين يسيئون اليكم).

وهكذا الذى مجده محمد صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
إن هذه المقابلة الراشدة بين ما هو لك، وما هو للآخرين تؤكد أن صوتا من نوع فريد قد أراه أن يقيم العالم من جديد على أسس حديدة، لا تتبع فيها الأنانية ولا تستثرى فى زواياها أثرة عمياء.