رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دفاعًا عن الإمام "ابن حجر المصرى"

جريدة الدستور

نشرت جريدة الدستور الغراء بتاريخ 23-9-2018م مقالا بعنوان ( الأخطاء العقدية في فتح الباري بشرح صحيح البخاري ).

ولما كان عنوان المقال ومحتواه صادما ومستفزا وبه مغالطات كثيرة حول أحد أئمتنا الأعلام، كان لزاما الرد حتى تتضح الحقائق.

والمقال عبارة عن تلخيص وعرض لما جاء بكتيب ( أخطاء فتح البارئ في العقيدة ) لعبد الله الدويش وعبد الله الغامدي العبدلي بتعليقات الشيخان عبد العزيز بن باز ومحب الدين الخطيب.

ولكن خطيئة الأستاذ الفاضل كاتب المقال أنه قام بعرض ما جاء بالكتيب على أنه رأى ( أهل السنة والجماعة وكثير من علماء العقيدة ) !!!

أولا: فمن هو ابن حجر هذا ؟!

هو الإمام الحافظ أحمد بن على بن محمد بن محمد بن على الكناني الشافعي المصري " 773 – 852 هجرية ".

ولد ونشأ وعاش ومات في مصر بعد حياة حافلة في طلب العلم والتدريس والقضاء والإفتاء:
( فهو أمير المؤمنين في الحديث وهذا اللقب لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر كما قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله، وهو مفتى الديار المصرية، وهو القاضي الشرعي، وهو المؤرخ، وهو الفقيه بل ملك الفقهاء كما وصفه بذلك الإمام برهان الدين البقاعي، وهو عالم العقيدة المنافح عن عقيد أهل السنة والجماعة، وهو صاحب المصنفات الكبرى في تراثنا الديني مثل فتح الباري والإصابة في تمييز الصحابة ولسان الميزان وتهذيب لتهذيب وبلوغ المرام من أدلة الأحكام، وهو شيخ الأئمة السيوطي والسخاوى والأنصاري ).

ثانيا: الرد على مغالطات المقال:

- يقول كاتب المقال: ( فقد وجه الكثير من علماء العقيدة النقد لمنهج الإمام ابن حجر العسقلاني.)
الرد:

نريد أن نعرف من هم هؤلاء ( الكثير من علماء العقيدة الذين وجهوا النقد لمنهج الإمام ابن حجر ؟! )
بكل أسف هذه العبارة موهمة من يقرأها بدون معرفة تاريخ المذاهب والفرق الإسلامية يفهم منها أن جماهير علماء العقيدة يخالفون الإمام ابن حجر وهذا قمة التدليس.

إن جماهير علماء الأمة على منهج الإمام بن حجر ولم يخالفه إلا أتباع ابن تيمية فقط.

وأتباع ابن تيمة من الوهابيين والسلفيين لم يخالفوا منهج الإمام ابن حجر وحده بل خالفوا منهج جماهير علماء الأمة أمثال ( أبو الحسن الأشعري، أبو منصور الماتريدى، البيهقي، الباقلاني، أبو المعالى الجويني، أبو حامد الغزالي، أبو الوليد الباجي، الفخر الرازي، النووي، السيوطي، العز بن عبد السلام، تقى الدين السبكي، ابن عساكر، ابن الجوزي، ابن دقيق العيد، زين الدين العراقي وغيرهم كثير ) ولم يكتفوا بالمخالفة فقط بل بدعوهم وضللوهم ووصل الأمر ببعضهم لتكفيرهم.

فكيف حول كاتب المقال مذهب ابن تيمية الشاذ إلى أغلبية وحول مذهب جماهير علماء الأمة إلى مذهب شاذ ؟!!

- يقول كاتب المقال: ( ظهرت للكثير من علماء العقيدة العديد من الأخطاء أبرزها: انتماؤه المذهبي )
الرد: ماذا يعنى الكاتب بانتمائه المذهبي ؟!

المعروف لكل دارسي التراث الإسلامي أن الإمام ابن حجر هو أشعري في العقيدة شافعي في المذهب صوفي في السلوك والأخلاق.

فهل تحول الانتماء للمذهب الأشعري " مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب جماهير علماء الأمة قديما وحديثا والمذهب الذى جمع بين العقل والنقل والمذهب الذى يدرسه الأزهر الشريف منذ ألف عام " هل تحول هذا الانتماء لجريمة وخطأ ؟!!!

أم أنه يقصد انتماءه الفقهي، فهل تحول أتباع أحد المذاهب الفقهية المعتبرة إلى جريمة وخطأ ؟!
أم يقصد انتماءه الصوفي ؟!

إن الإمام ابن حجر ليس بدعا في ذلك، فهذا هو منهج جماهير علماء الأمة الكبار.

ولم يطعن في ذلك ويعتبره جريمة إلا أتباع ابن تيمية.

فكيف يعرض رأى ابن تيمية الشاذ على أنه رأى كثير من العلماء ؟!

- يقول الكاتب: ( ومن أبرز الذين علقوا على هذه الأخطاء محب الدين الخطيب أحد كبار علماء دمشق في الطبعة التي أشرف عليها في تحقيق كتاب فتح الباري طبعة المكتبة السلفية. )

الرد:

مشكلة كاتب المقال أن جعل رأى الكتيب الذى يعرضه كما أنه الصواب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !!

ومن ثم حكم على آراء واجتهادات الإمام ابن حجر على أنها " أخطاء "

رغم أنها آراء جماهير علماء الأمة ولم ينفرد بها ابن حجر وحده.

أما كون محب الدين الخطيب من كبار علماء دمشق فهذا مردود عليه.

فمحب الدين الخطيب " 1886 – 1969م " اشتغل بالصحافة ولم يتفرغ للعلم الشرعي حتى يوصف بأنه من كبار علماء دمشق.

وعندما استقر بمصر في 1920م أصبح من دعاة المذهب التيمي الوهابي وأنشأ " المطبعة السلفية " خصيصا لنشر كتب ابن تيمية التي تبدع وتضلل جميع مذاهب الأمة من أشاعرة وصوفية ومعتزلة ومذاهب فقهية.

هذا هو إنجاز محب الدين الخطيب بمصر فهو من الرعيل الأول الذى جاء لنشر أفكار ابن تيمية الإقصائية التكفيرية.

ويحول التدين المصري الأزهري الصوفي السمح إلى تدين وهابي شكلي متعصب.

- ثم يعدد كاتب المقال أخطاء الإمام ابن حجر العقدية من وجهة نظره كالتالي: ( تأويل النصوص الواردة في صفات الله تعالى بحسب منهج ابن حجر وتفويض علم بعض الآيات التي تتحدث عن ذات الله، كذلك مخالفات تتعلق بمسائل الإيمان بالله ومسائل القضاء والقدر وهو ما عده علماء العقيدة مخالفات في أصول الدين ).

الرد:
كما سبق فإن منهج تأويل آيات الصفات الواردة بالكتاب والسنة طبقا لقواعد اللغة العربية أو تفويض المعنى – وليس الكيف - لله سبحانه وتعالى وعدم الخوض فيها هو منهج جماهير علماء الأمة الأعلام من المتكلمين والفقهاء وعلماء الحديث وليس منهج الإمام ابن حجر فحسب كما يدعى كاتب المقال.

وهو في هذه الفقرة يتهم إماما من أئمة الأمة الأعلام بأنه عنده مخالفات تتعلق بمسائل الإيمان بالله ومسائل القضاء والقدر وهى مخالفات في أصول الدين !!!

فكيف يستحق لقب الإمامة إذن وهو رجل لا يعرف أصول دينه !!

أليس هذا تبديعا وتضليلا للإمام ابن حجر ومن وافقه من العلماء وهم بالمناسبة أساطين وجماهير علماء الأمة ؟!

- يقول كاتب المقال: ( تأويله صفات الله تعالى في محاولة لتنزيهه عن مشابهة خلقه الأمر الذى أوقعه – بحسب علماء السنة- في التشبيه والتجسيم ثم تحول ذلك إلى تعطيل هذه الصفات ليصبح الله تعالى عن ذلك بدون صفات ذاتية أو وفعلية ومن هذه الصفات صفة اليد والقدم والساق والعين والنزول والإتيان والاستواء والوجه والرحمة والعلو والمجيء والمناجاة والقرب والعندية والاستحياء والغضب والرضا والعجب والضحك والغيرة والفرح والنظر والمحبة والسخط والكره والأصابع والدنو والمعية والرداء )
الرد:

من هم علماء السنة الذين اتهموا الإمام ابن حجر بالتشبيه والتجسيم كما يدعى كاتب المقال؟!

بل إن الكلام متناقض فمن أين يحاول التنزيه ثم يقع في التجسيم ثم يتهمه بالتعطيل؟!

الجملة تجمع المتناقضات.

ثم يتهم الكاتب الإمام ابن حجر بأنه جعل الله – عز وجل – بدون صفات ذاتية أو فعلية لماذا يا أستاذ؟!
لأنه أول أو فوض معنى الصفات الواجب وصف المولى سبحانه وتعالى بها من وجهة نظره مثل اليد والساق والقدم والعين والنزول والاستحياء والغيرة والأصابع والرداء وغيرها.

وما قال به كاتب المقال يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة.

ويؤدى حتما للتجسيم والتشبيه رغم هروبهم من ذلك بقولهم: نحن نقول بهذه الصفات على الحقيقة ولكن نفوض الكيف.

وهذا ما أخذه علماء الأمة على عقيدة ابن تيمية وناظروه بسببها وتهرب منها – تقية - وقال إنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ثم رجع إليها.

فلم يجدوا بدا من تحذير العامة من عقيدته المجسمة.

ولكن كاتب المقال يريد إحياء الفتنة بعدما أماتها الله.

ثم يأتي كاتب المقال بأمثلة توضح فكرته وتؤكدها:

- فيقول: ( من ذلك: " استوى على العرش " هذا نص محكم قطعي لا يحتمل أدنى تأويل وقد أجمع أهل السنة على الأخذ بها ).
وينتقد قول الإمام ابن حجر في تفسير الآية: ( هو من المتشابه الذى يفوض علمه إلى الله تعالى ).
الرد:
كيف يدعى الكاتب إجماع أهل السنة بأن الاستواء على العرش نص محكم لا يحتمل التأويل ؟!
لم يقل بهذا الرأي الشاذ إلا المجسمة قديما وأتباع ابن تيمية حديثا.

أما تأويل الآية فوارد عن الصحابة:" ابن عباس "، والتابعين " مجاهد " وفقهاء الأمة ومحدثيها ومنهم الإمام أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم.

وهذا ثابت في كتب التراث المعتبرة " تفسير الطبري نموذجا ".

- ثم ينتقد قول الإمام ابن حجر: ( فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السنة من الخلف أن الله منزه عن الحركة والتحول... ).
- الرد:
إن الله سبحانه وتعالى منزه عن النزول والحركة والتحيز والزمان والمكان وما ورد بالآيات مثل " ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل " معناه نزول رحمة الله سبحانه وتعالى.

ولكن مدرسة ابن تيمية تجعله نزول على الحقيقة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وكذلك الآية " تجرى بأعيننا " معناها تجرى برعايتنا.

ولكن أتباع ابن تيمية يفهمونها بأن الله – عز وجل – له عين على الحقيقة ثم يهربون بقولهم " ولكنها ليست كعين المخلوقات ".

ولقد رد علماء الأمة على هؤلاء المجسمة من غلاة الحنابلة وأتباع ابن تيمية وعلى رأس هؤلاء العلماء الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه " دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه " متهما لهم: بأنهم شانوا مذهب الإمام أحمد بن حنبل بما لا يغسله ماء البحر.

- ثم يمارس الكاتب لعبة دس السم في العسل قائلا: (يعتبر هذه المراجعات والتصحيحات التي وجهها العلماء في هذا المكان واحدة من أروع الصور في التعامل مع العلم والعلماء وعدم تقديسهم ويمتدح ما جاء بالرسالتين بأنه تناول علمي محايد لأخطاء علم من أعلام الأمة ونموذجا مثاليا لكيفية التعامل مع العلماء واحترام ما قدموه).
الرد:
إن ما جاء بالكتيب الوهابي ليس مراجعات أو تصحيحات وليس تناولا علميا محايدا!!!

ولكنه جهل مطبق بقواعد الدين واللغة وأصول الفقه.

وأس هذا البلاء هو قول ابن تيمية ومن أتبعه " بإلغاء المجاز في القرآن والسنة واللغة ".
وهذا القول الذى لم يقل به أحد من العقلاء بله العلماء.

هو سبب هذا التخبط سواء في العقيدة أو الفقه.
وأخيرا:
إن دافعي للرد على ما جاء بالمقال هو:
- دفاعي عن علم من أعلام الأمة الكبار، حيث إن ما ورد بالمقال ليس ردا علميا ولكنه تحطيم لهذا العلم بدون أي دليل إلا تقليد ابن تيمية.

- أرحب بنقد أي عالم في اجتهاده فليس هناك قدسية لأحد ولكن ما جاء بالمقال أبعد ما يكون عن النقد العلمي.

- حبى واعتزازي لجريدة الدستور وموقع "أمان" فهي منارة سياسية وفكرية، تحارب الغلو والتطرف.

مقال أمان الأصلي

الأخطاء العقائدية في "فتح الباري" بشرح صحيح البخاري