رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في مثل هذا اليوم من 36 عامًا.. «صبرا وشاتيلا» مذبحة لم يتطهر منها العرب

جريدة الدستور

جثثٌ مذبوحة بلا رءوس، ورءوسٌ بلا أعين، وأخرى محطمة، وأكثر من 3500 جثة لأطفال ونساء ورجال وشيوخ، كانت شاهدة على مجزرة وقعت منذ 36 عامًا، عرفت بمجزرة "صابرا وشاتيلا"، في ليالى سبتمبر الخريفية، من عام 1982، كانت يد العرب بالمشاركة مع القوات الإسرائيلية، هي اليد التي بطشت وقتلت في اللاجئين داخل المخيم.

لا تزال مشاهد الذبح، وبقر البطون، وغيرها من الأمور البشعة التي وقعت في تلك الليالي، متواجدةً في ذاكرة من نجوا من مجزرة «صبرا وشاتيلا»، رغم مرور 36 عامًا عليها، والتي أودت بحياة أكثر من 3500 معظمهم من الفلسطينيين، كان القتل المستباح هو الأمر المشاع آنذاك على مدار 48 ساعة داخل المخيمين، ولم يتطهر منها العرب حتى يومنا هذا.

«صبرا وشاتيلا»، فالأول صبرا، اسم حي تابلع لبلدية الغبيري الواقعة في محافظة جبل لبنان، ومخيم "شاتيلا" وهو مخيم دائم للاجئين الفلسطينيين يقع جنوب بيروت، أسسته وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين «الأونروا» عام 1949 بهدف إيواء مئات اللاجئين.

المجزرة التي وقعت منذ 36 عامًا، داخل المخيمين، وقعت أحداثها في السادس عشر من سبتمبر 1982 -العام الذي اجتاحت فيه إسرائيل جنوب لبنان-، عندما فرض الجيش الإسرائيلي حصارًا مشددًا على المخيمين، ليسهل عملية اقتحامهما من قبل ميليشيا لبنانية مسلحة موالية له.

وشارك في المذبحة الدموية، قرابة 400 عنصر من عناصر الميليشيا، حملوا الأسلحة الثقيلة والبيضاء -السواطير والفؤوس والسكاكين-، وكانوا ينتمون إلى كتيبة الدامور التابعة لـ"القوات اللبنانية" التي تولى "فادي فرام" قيادتها عقب اغتيال بشير الجميل مباشرة، ومجموعة من "نمور الأحرار" التابعة لحزب الوطنيين الأحرار، ومجموعة من حزب "حراس الأرز" الذي يرأسه إتيان صقر، وأفراد من جماعة سعد حداد.

وبرغم مرور 36 عامًا على «صبرا وشاتيلا»، لا أحد يعرف ماذا جرى بالتحديد في تلك الليالي المرعبة من سبتمبر1982، فما إن وصلت القوات الإسرائيلية إلى مشارف بيروت حتى بادر آريئيل شارون، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، ورفائيل إيتان، رئيس الأركان، وأمير درورى، قائد المنطقة الشمالية، وعاموس يارون، إلى مدينة بيروت، لوضع خطة عسكرية تفصيلية لاقتحام بيروت الغربية، ومنحت هذه الخطة دورًا تنفيذيًا لـ"القوات اللبنانية" التي كان يقودها بشير الجميل، رجل إسرائيل آنذاك.

بدأت المجزرة، فجر السادس عشر من سبتمبر، عقب دخول القوات الإسرائيلية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها، وكان دخولهم إلى بيروت في حد ذاته انتهاكا للاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية، والذي خرجت بمقتضاه المقاومة الفلسطينية من المدينة.

فرضت قوات الاحتلال حصارًا على المخيمين، بدعوى فرض الأمن والنظام"، عقب اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميّل، وقامت القوات الإسرائيلية ترافقها المجموعات اللبنانية العميلة ممثلة بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي بإطباق الحصار على المخيمين، ودخلت ثلاث فرق إلى المخيم لتقتل المدنيين العزل بلا هوادة.



صرّح "شارون"، آنذاك، بدخول ميليشيات حزب الكتائب إلى المخيمين، تطبيقًا لقرار اتخذته الحكومة الإسرائيلية في الخامس عشر من يونيو 1982، أي قبل ثلاثة شهور، بإشراك «القوات اللبنانية» الموالية لإسرائيل في الحرب، فعقد اجتماعا وضعت فيه خطة لدخول «القوات اللبنانية» إلى المخيم، حيث بدأت تتجمع في مطار بيروت الدولي لوضع اللمسات الأخيرة لتطهير المخيمين، واختير إيلي حبيقة قائدًا للقوة التي ستدخل المخيم.

اقتحم خلال تلك المجزرة أكثر من 350 مسلحًا من حزب الكتائب اللبنانية، البيوت بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني، مختبيئن داخل المخيمات، إذ قاموا بقتل واغتصاب وتعذيب آلاف النساء والأطفال وكبار السن المحاصرين في المخيم.

وعكفت قوات الاحتلال الإسرائيلي آنذاك، على مساعدة الكتائب المسلحة، إذ أقدمت على استخدام المدفعية وقامت بقصف المخيمين، حتى باتت الشوارع خالية من المارة خوفًا من هول المدافع، وأصبحوا فريسة سهلة في يد الميليشيات، مستغلين أضواء المدافع لاقتحام البيوت وإخراج اللاجئين من منازلهم وقتلهم بشتى الوسائل المتاحة، وبأبشع الصور الدموية وبوحشية بالغة، حيث بقرت بطون الحوامل بعد اغتصابهن، وقتل الأطفال الذين لم يتجاوز أعمارهم الثالثة والرابعة، وذبح مئات الرجال والشيوخ.

لم يسلم اللاجئون من ويلات المذبحة، على مدار يومها الأول، فبعد وصول التعزيزات الإضافية لميليشيا الكتائب اللبنانية، سارعوا بالدخول مرة أخرى إلى المخيمين، وقاموا بإطلاق نداءات الاستسلام، إلا أن الجثث الملقاة في الشوارع كشفت بوضوح عن أن تلك النداءات التي أطلقت عبر مكبرات الصوت كانت كاذبة.

وتم تبرير المجزرة من قبل الكتائب اللبنانية بأنها انتقام لمقتل زعيم الكتائب "بشير الجميل"، لكن المؤكد ـ وفقا لروايات شهود العيان والمؤرخين ـ أنها نفذت انتقامًا من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية خلال ثلاثة شهور من الصمود والحصار، الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، لكن الدول الضامنة لم تف بالتزاماتها وتركت اللاجئين يواجهون مصيرهم داخل المخيمين.