رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ياسر سعد يروي المسكوت عنه داخل التنظيم السري للإخوان قبل رحيله بأيام

جريدة الدستور


فكر الإخوان هو مصدر التكفير والتطرف والعنف في مصروالعالم العربي 
صالح سرية مؤسس الحركة كان قادما من العراق ليكون مرشدا للإخوان بمصر
لو نجحنا في الخروج علي السادات كنا سنسلم السلطة للإخوان
قبل إعدام صالح كلفني بعمل أربعة تنظيمات جهادية أحدهما مدني والآخر عسكري والثالث للاغتيالات والأخير دعوي
التكفير عند الجماعات للتمييزعن غيرهم وهذا سر بقائهم
مرسي سقط لأنه لم يكن رجل دولة 
يجب حل جماعة الإخوان قبل أي مراجعات او مناصحات 
نصيحتي للتنظيمات: "العلم مظنة التغيير فطالما تعلمت شيئا يجب أن تتغير"

رغم فشل عملية الفنية العسكرية عام 1974م، والتي تعد أول عمل إرهابي أو مسلح علي نظام الرئيس الراحل محمد أنور السادات، إلا أنها ألقت بظلالها علي قدرة التنظيمات الإرهابية علي العنف والمواجهة المسلحة. 

القيادي ياسر سعد والذي توفي مؤخرا في محافظة الإسكندرية شارك في العملية، وكانت بدايته الفكرية مع تنظيم الإخوان، ثم من خلال الإخوان تعرف علي القيادي ومؤسس هذه الجماعة القادم من العراق صالح سرية. 

التقت "أمان" الشيخ ياسر سعد قبل أيام من رحيله ليلقي لنا بشهادته الأخيرة عن أسرار التنظيم السري للإخوان وقاداته في الداخل والخارج وإلي تفاصيل الحوار:

*قص علينا ماذا حدث في قضية الفنية العسكرية وبداية علاقتك بالتنظيمات ؟

-قابلت طلال الأنصاري، الذي أخذ مني بيعة لصالح سرية، وتحدثت بعدها مع صالح الذي شرح لي فكرته في تغيير نظام الحكم بالقوة والعنف مستدلا بذلك بما حدث في السودان وليبيا، وهو قد رجع من العراق بعد أن شارك في إحداث بعض الانقلابات.

ما أيديولوجية صالح سرية الفكرية؟

كانت له رؤية قال إنه عرضها علي كل عالم من علماء الدين الذي قابلهم، وقال إنه عرضها علي( أبو الأعلي المودودي) وكثير من رجال الدين حتى مرشد الإخوان بمصر(حسن الهضيبي)، وكان مقتنعا بفكره الجهاد والعمل العسكري. 

سرية كان يري أن الوسيلة النافعة للسيطرة علي الحكم وتغييره لنظام إسلامي حسب تصوره هي قلب نظام الحكم لأن الحكام رافضون لتطبيق شرع الله والحكم بالإسلام، وهذه نظرته للحكام، وكان يري كل من يرفض تطبيق شرع الله كافرا خارجا عن الملة، وعندما كان أحد يجادله كان يصر علي فكرته.

كم مرة قابلت صالح سرية؟

مرة واحدة قبل أن يقبض علينا وكنت أقابله في قاعة المحكمة كثيرا، وكان منفصلا عنا، فقد كان في سجن القلعة ونحن كنا في مزرعة طرة أثناء المحاكمة.


وما الخطة التي رآها فيما يخص اقتحام الفنية العسكرية؟

الاستيلاء علي السلاح من داخل الكلية دون أن ينكشف الأمر ثم اقتحام اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي حيث كان يوجد فيها الرئيس الراحل أنور السادات وغيره من الوزراء، ويدخل علي اللجنة المركزية يقول إن هناك قنبلة ثم يسيطر علي القاعة ويجبر السادات علي التنازل عن السلطة. 
ثم تعلن هذه المجموعة قائدة علي البلاد، وكان سرية يصور لنا إن هذه المجموعة الضئيلة البسيطة على أنها جزء من مجموعة كبيرة أخرى هو يعلمها ولم يكشفها لنا لكننا كنا نتكهن أنها جماعة الإخوان المسلمين.

وهل كان له صلة بالإخوان المسلمين ؟

هو تعرف علينا من خلال الإخوان المسلمين، وكان له صلة بزينب الغزالي وعبد الفتاح إسماعيل ومحمد إبراهيم سالم الذي سمعت انه كان مبايعا للدكتور صالح سرية، خاصة أنه تردد احتمال أن يكون الدكتور صالح مرشدا للإخوان المسلمين بمصر، لكونه عالما في الدين والفقه ومجاهدا. 

وهل كان عالما في الدين بالفعل؟

لقد كان مصاحبا للشيخ التيجاني عالم الحديث المشهور، وكان يتردد علي المساجد في الأردن والعراق، وكان يتردد علي علماء الدين المسلمين في الشرق والغرب وقال إنه قابل القذافي وجلس معه، وقال إن القذافي هو من شرح له فكرة انقلاب ليبيا بنفسه، ولكني لا أستطيع الاستدلال كونه عالما أو غير عالم، فكنت في سن صغيرة وهو بطبيعة الحال أعلم مني. 


هو الذي وضع الخطة أم قيادات الإخوان ؟

صالح سرية وضع الخطوط العامة للخطة وهي قلب نظام الحكم بالقوة، أوعلي حد تعبيره (تكتيفه بصوفه)، فعندما سألته من أين سنأتي بالسلاح إذا أردنا إحداث الانقلاب؟، قال لي تلك الجملة "إحنا هنكتفه بصوفه"، فسألته وما معني ذلك،قال لي أي إننا سنأخذ السلاح من الدولة لنهاجم به الدولة.

هل شاركت في عملية اقتحام الفنية العسكرية ؟

لا لم أشارك، لأني أحسست أن طلال الأنصاري رحمه الله يبالغ في الأعداد والإمكانات، فشعرت أن هذا الكلام به خلل ما وأن هذا الكذب سيؤدي إلي فشل في النهاية، فلما واجهته أحلني من البيعة في وقتها، كان معي مجموعة من نادي سبورتنج بالإسكندرية، وتركوه هم أيضا.

ما خطة اقتحام الفنية العسكرية التى قيلت لك؟

تم تكليف طلبة الفنية العسكرية أن يرسموا خطة للكلية من الداخل ومن ثم الاستيلاء علي السلاح، لكي يتم تدريب المدنيين من خارج الكلية علي استخدام السلاح ويرتدوا ملابس ميري (عسكرية ) وينفذوا هذا الأمر باعتبار أنهم فرقة من فرق الجيش سيتوجهون إلي اللجنة المركزية لإعلان تواجد القنبلة المزعومة.


كيف تم القبض عليك في هذه العملية الخطيرة؟

ذكر اسمي شخص في التحقيقات وقال إني كنت معهم، كان لدي تصور بعد انتهاء الأحداث أن اسمي سيذكر وكنت قلقا بالفعل،واقتحموا علي المنزل وصادروا عدة كتب عن الجهاد، وتم تحويلي للنيابة واعترفنا أننا دخلنا التنظيم ببيعة لكن النيابة أخلت سبيلنا لأن علينا أن نثبت إنننا خرجنا فأرادت أن تتأكد أننا تركنا التنظيم فأحالتنا للمحكمة فظللنا فيها قرابة عام وأربعة أشهر. 

ما انطباعك حول صالح.. هل كان يصلح للسلطة والقيادة؟

من الناحية الأخلاقية متدين ولكنه كان متأثر جدا بفكرة الانقلاب علي الحكام، فلم يكن لديه بديل ولن يقبل ببديل، وأيضا كانت فكره التكفير لديه مبالغ فيها فأنا أعده من التكفيريين.
أخذت البراءة وأنا أحب صالح جدا ومتأثر بموقفه فقد كانت الدنيا مفتوحة أمامه فلديه من الأولاد تسعة وزوجة جميلة، وكان دكتورًا في الجامعة ولديه سيارة مرسيدس وموقع أدبي مرموق. 

ماذا فعل لأعضاء جماعته جعلك تحبه؟

كان علي استعداد أن يفعل أي شيء من أجل أي أحد وهذا ما أراه مغامرة أو يأس، فكان ممكن أن يكون أراد إنهاء حياته وتصور أن الأدوات التي معه تكفل له الانقلاب الآمن علي الرغم من ان معظمنا لم يكن قد مارس عنفا من قبل أو استخدم سلاحا، بحيث لا يستطيعوا فعل ما تفعله الصاعقة مثلا، لكنها كانت مغامرة.


هل عاشرت كارم الأناضولي المتهم الثاني في القضية؟

كان شخصية بسيط تأثر بشدة بأفكار صالح، مال إلي التكفير داخل السجن من خلال مصاحبته للقطبيين بعنبر2 بسجن المزرعة، وهذا ما سبب لنا أزمة في تقسيم الفنية العسكرية نصفين أحدهما بقيادة حسن الهلاوي الذي كان يكفر الحكام فقط، ونصف آخر بقيادة كارم الأناضولي الذي كان يري في القطبيين أنهم أفيد للإسلام، وكانو يكفرون الجميع، حتي التقى كارم بصالح وهذا ما قيل لي وعندما التقي في الإعدام قالوا لنا إن كارم غير فكره لفكر صالح الأخف تكفيريا الذي يكفر الحاكم فقط والتجمعات السياسية غير الإسلامية وتم تنفيذ الإعدام فيهم.

قص لنا قصة اقتحامك للسفارة القبرصية بالإسكندرية عام 1977؟

عام 77 مُحملة علي 74، فعندما دخلت السجن معهم اربعة اشهر كبرت فيهم فكرة الجهاد، وطلب الشهادة كبر أيضا، وحسبت مغامرة صالح أنها إيمان، ومن هنا أخذته مثالا، فعدنا ثانيا للجماعة، وكونا مجموعات، وكان الجميع يري أنني سأخرج براءة فلذلك اعتمدوا علي أن أغير بعد خروجي الأمور، فحملوني مهمة تكملة الرسالة.

فأرسل إلينا صالح رسالة بتكليف بعمل أربعة تنظيمات يجب تفعيلها أولها مدني وهو يكون من المدنيين والطلاب، وآخر عسكري يحضر للعمليات الإرهابية، وحرب العصابات يتصدى للاغتيالات، وأخير دعوى فاخترت تجهيز الاغتيالات، والمفترض أن الدعوي يكون ممثلا له من خرجوا براءة ولكننا عندما خرجنا لم نتمكن من تشكيل التنظيمات الأربعة،فشعرت بصعوبة في التحرك فبدأنا نفكر في إخراج من هم بالسجن.

كيف كان الاقتحام؟

كانت خططنا أن نقتحم القنصلية القبرصية بالإسكندرية ولأننا كنا في حاجة للسلاح فاستعدنا فكرة صالح أن نجلب السلاح من الدولة من خلال الحراسات ولكننا لم نوفق وقتل أحد الحراس بالخطأ، بعد أن قام أحدنا وأخرج مطواة وهاجم بها العسكري فأصيب ولم نعلم أنه مات، وبعدها حصلت علي بندقية العسكري عن طريق أحد زملائي، ومتفجرات ومادة " الجلجنايت شديدة الانفجار"، وصواعق حصلت عليها عن طريق أشخاص بالبحر حتي تم ضبطها عند أحد أصدقائي ووالدته أبلغت أمن الدولة عندما علمت محتويات الشنطة، فقبض علينا، ولم يكن معروفا أن هناك ضابطا مات إلا أن أحد الأشخاص اعترف بأن ضابطا مات وبالمراجعة تأكدوا أن الضابط مات وقيدت الجريمة ضد مجهول ففتحوا القضية من جديد، وقدمونا للتحقيق في قضية 77، وحكم علي بالسجن 15 عاما ومن معي أحكاما أقل مني، لأنهم اعتبروني أنا القائد، وظللت تلك الفترة مع الفنية العسكرية حتى نهاية المدة.


هل لاحظت تغييرا في نمط التنظيمات في فترة السبعينيات عن الآن ؟

الفنية العسكرية كانوا يكفرون، والتكفير درجات، فمنا من اقتصر علي تكفير الحاكم وأعوانه، أما فكرة عدم تكفير الحاكم لم تظهر إلا مع ظهور الجماعة الإسلامية المنتمية للسلفية، لكن الخروج وقتال الفئة الممتنعة عن تطبيق الشريعة ظل متواجدا لسنين طويلة ولم يكن هناك داع للتكفير، ومع ذلك ظلت الجماعات التكفيرية كما هي.

وما تفسيرك لهذا؟

 فكرة التكفير أصيلة في كل الجماعات،لأنها تشعر باختلاف عن الآخرين، ففكرة الجماعة هي ذاتها فكرة التكفير، فبعد انتشار الإسلام ظهرت جماعتا الخوارج والشيعة وقاموا علي فكرة التكفير للتمييز عن الغير، وتوالت بعدها الجماعات التي اتبعت نفس النهج.

ماذا تقصد بانتشار الإسلام؟

السواد الأعظم من الناس، فالإسلام نقل بالتواتر وهو المنتقل عن طريق الصحابة، وهناك الإسلام الخاص وهو المتمثل في الجماعات مثل الإخوان والسلفيين وهو ما يفكر بالبيعة لمرشد، ولم يعرف الإسلام هذه الخصوصية عبر تاريخه، وهو فكرة ضد نظام الدولة، وأعتبر أن صالح منطلق من فكرة الخواص، وأنا شخصيا الآن لا أنتمي للجماعات لكني أعتبر نفسي من السواد.

تحدثت كثيرا عن فكرة رجال التنظيم ورجال الدولة داخل عقل الجماعات ؟

رجل النظام ليس له شخصية قوية مستقلة فهو يعتمد علي النظام في كل شيء، ولا يستطيع العمل بدونه، أما رجل الدولة فهو رجل شخص استقلالي يستفيد منه أي نظام ولا يعتمد علي النظام.

وهل تري في أحد من الجماعات رجل الدولة؟

لا أتصور أنه يوجد في الجماعات رجل دولة حتي الآن، فلو أراد ذلك عليه التراجع عن الانتماء للجماعة الذي له صبغة خاصة في النفوس وتضعف الشخصيات، كما فعل البعض الآن من الجماعات، فقد تحرروا من رجال التنظيم، فكان استقلالهم عن الجماعات حماية كبيرة للمجتمع والناس. 

أنا ضد الخروج عن الحاكم لأنه يأتي بما هو أفسد منه، وضد الثورة لأنها لن تحقق لمصر تغييرا حقيقيا، مثل إنجلترا التي تغيرت بفعل التغيير الإصلاحي بلا ثورة، علي عكس فرنسا التي ثارت ولم تتغير.


ولكن التغيير الإصلاحي البعض لا يراه موجود ؟

لا أبدا، ولكن لأننا ظللنا 30 عاما تحت وطئة هذا التفكير، ويروج البعض أن الجماعات في يديها التغيير الإصلاحي وهذا الذي لم يحدث ولم يقم أحد بعمل بدائل، بل إن الثورة لم تقم علي أيدي الجماعات بل قامت بغيرهم. 

هل ضميرك راضٍ عن تصريحاتك تلك أم تشعر بغضب الجماعات عليك؟

طول حياتي وأنا هكذا وضميري مرتاح جدا، فكنت أقف للتكفيريين علي طول الخط.

لكنك كنت معجبا بصالح؟

لأني كنت صغيرا، فلن أستطيع الرجوع عما تعلمته في الصغر، فالعلم مظنة التغيير فطالما تعلمت شيئا يجب أن أتغير.

وكيف تري تحركات الإخوان الآن؟

أرى أننا نسير إلي التشدد،لأن فكرة الجماعة التي يتخذها الإخوان المسلمون مصدر قوة لها وهي في نفس الوقت مصدر التطرف لجميع القوي في مصر، وهذا قانون الجماعات ككل التي تدعي نصرة الإسلام. 

وهذه يدفع لقانون دولة داخل الدولة مما يخلق المنافسة غير الشريفة والعناد في تكوين الجماعات بادعاء الدفاع عن الإسلام، ذللك أرى حل جماعة الإخوان المسلمين ثم نجلس نري كيف نتعامل معها بعد ذلك. 

وما الحل من وجهة نظرك؟

الحل أن نرفض جميعا فكرة الجماعات باعتبار أننا سواسية، فالسلطات الثلاثة مجتمعة في شخص واحد وهو المرشد فبيده التشريع والحكم والتنفيذ، وبهذا تم اختزال الدولة في شخص، فيجب أن تكون الأمور وفقا للدستور، وليس وفقا لدستور الجماعة التي يطيح بها المرشد وقتما شاء، فصلاحية المرشد تتعارض تماما مع حقوق المواطنة، ولآن فكرة الجماعة فكرة بديلة عن الدولة فهي دائما تصطدم مع الدولة الحديثة، فطالما أن هناك جماعة فإنها تشرع لقيام جماعات أخري.

ما نصيحتك للأخوان بعد هذه التجربة الكبيرة في المواجهة والتكفير والسجون والمعتقلات؟ 

لا يوجد دولة ناجحة بها جماعات، لأنك إن أردت التقدم فيجب أن يكون هناك تخصص وطالما هناك تخصص فلا يوجد شخص يملك كل شيء. 

فيجب أن يكون هناك رجال الدين ورجال الدولة بمعني التخصص وليس الفصل، أي احترام التخصصات فلا يمنع أن تكون سياسيا متدينا، وإن كنت رجل دين فأنت واعظ ليس لك بالسياسة، فهناك فرق بين شمولية الإسلام التي يمثلها الجميع وشمولية الإخوان التي تمثلها جماعة بعينها.


فيديو نادر لمحاكمة قادة الفنية العسكرية بالألون