رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديد النسل أم تنظيمه.. تابع أبرز فتاوى العلماء

أرشيفية
أرشيفية

مازالت حالة الجدل والحيرة لا تنقطع حول تحديد النسل والاكتفاء بعدد معين من الأولاد، أو تنظيم النسل فقط وما هو موقف الشرع من هذا وذاك.

وبالفعل تصدت دار الإفتاء المصرية لهذا الجدل وحسمته بصورة واضحة فى عدة فتاوى قديمة وحديثة، ومن خلال الإطلاع على هذه الفتاوى.

فى حين ترى أن التنظيم لا يختلف عن التحديد ما دام الأمر لم يتطرق إلى المنع المطلق عن طريق التعقيم الذى يحرم الزوجة بشكل نهائى من الإنجاب ولا يمكنها منه متى أرادت ذلك.

فإلى نصوص الفتاوى:

منع النسل ينافى مقاصد الشريعة

فى الفتوى رقم "1084"، تحت عنوان "تحديد النسل خشية الفقر"عام 1958م ردًا على سؤال
ورد من شخص يرمز لاسمه بـ"ن م أ" رئيس جمعية النهضة الإسلامية للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والذى يطلب فيه الإفادة عن حكم الشريعة الإسلامية فى تحديد النسل خشية الفقر بصفة عامة، أو لتزايد السكان وقلة الموارد الغذائية؟

أجاب فضيلة الشيخ "حسن المأمون" قائلًا: إن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية إيجاد النسل وبقاء النوع الإنسانى وحفظه، ولذلك شرع الزواج للتناسل وتحصين الزوجين من الوقوع فى الحرام، وحث الرسول صلوات الله وسلامه عليه على اختيار الزوجات المنجبات للأولاد.

وأضاف الشيخ ومنع النسل أو تحديده من الأعمال التى تنافى مقاصد النكاح ولهذا لا تبيحه الشريعة إلا عند الضرورة وعند وجود عذر يقتضيه كالخوف على حياة الأم ونحوه، وليس من الأعذار خوف الفقر وكثرة الأولاد أو تزايد السكان، لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بالرزق لكل كائن حى.

فقال فى كتابه الكريم { وفى السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون }، وقال: { وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين }، وقال:{ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم }.

واختتم الشيخ جوابة بقوله: وبهذا علم الجواب عن السؤال وأن تحديد النسل خوف الفقر غير جائز.


وقف الصلاحية للانجاب غير جائز

وفى فتوى رقم "1201"، ردًا على جملة من الاستفسارت وردت للدار برقم "182" سنة 1980 أجاب عنها فضيلة الشيخ "جاد الحق على جاد الحق" قائلًا:

أما تنظيم النسل فأمر لا تأباه الشريعة قياسا على العزل، ويقصد بالتنظيم المباعدة بين فترات الحمل. منع الحمل نهائيا غير جائز شرعا.

أما إذا قصد من منع الحمل وقف الصلاحية للإنجاب نهائيا، فإن ذلك أمر يتنافى مع دعوة الإسلام ومقاصده فى المحافظة على إنسال الإنسان إلى ما شاء الله.


حكم التعقيم للزوج أو للزوجة كوسيلة لمنع الحمل

وفى فتوى خرجت برقم "1199"، ردًاعلى 8 اشكالات وردت للدارمن جريدة الأهرام بطلب مقيد برقم 53 سنة 1979م أجاب فضيلة الشيخ "جاد الحق على جاد الحق" عن هذه الاشكالات كالآتى:

يحرم التعقيم لأى واحد من الزوجين أو كليهما إذا كان يترتب عليه عدم الصلاحية للإنجاب مستقبلا، سواء كان التعقيم القاطع للإنجاب بدواء أو جراحة، إلا إذا كان الزوجان أو أحدهما مصابا بمرض موروث أو ينتقل بالوراثة، مضرا بالأمة حيث ينتقل بالعدوى وتصبح ذريتهما مريضة لا يستفاد بها، بل تكون ثقلا على المجتمع سيما بعد أن تقدم العلم وثبت انتقال بعض الأمراض بالوراثة، فمتى تأكد ذلك جاز تعقيم المريض، بل ويجب دفعا لضرر، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فى قواعد الشريعة الإسلامية.

الفرق بين تعقيم الزوجة ومنع الحمل

ولعل فتوى الشيخ "عطية صقر"التى خرجت عام 1997م توضح بجلاء هذا التداخل وتفرق بين تعقيم الزوجة ومنع الحمل إذ يقول الشيخ فى معرض رده على سؤال مفاده ما حكم ربط المبايض والتعقيم كوسيلة من وسائل تنظيم النسل؟

أجاب: خلق الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما خصائص من أجل التناسل والتعاون على عمارة الأرض، وتعقيم واحد منهما معناه جعل الرجل أو المرأة عقيما لا يلد ولا يولد له.

وتابع الشيخ "عطية" وهذا إذا جاز من الناحية الصحية أو غيرها لتأجيل الحمل مدة معينة، مع بقاء الاستعداد للقدرة على الإنجاب عندما تتاح الفرصة، فإنه لا يجوز مطلقا تعطيل الجهازين تعطيلا كاملا عن أداء وظيفتهما، إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة قصوى.

ففى ذلك مضادة لحكمة خلق الله للنوعين، مع ما ينتج عنه من فقد كل من الرجل أو المرأة بعض الخصائص المميزة لهما فى الصوت والشعور والإحساس وتأثير ذلك على السلوك ولو إلى حد ما.

واختتم الشيخ فتواه بقوله الصريح: وتعقيم المرأة كالإخصاء للرجل فى حكمه وهو الحرمة، وقد قرر المختصون أن عملية الحمل ضرورية لتوازن الحيوية فى المرأة، والوقوف ضدها عناد للطبيعة، وبهذا يكون ربط المبايض حراما كما قاله جمهور الفقهاء.


عملية الربط النهائى للرحم

وبنفس الفتوى وتحت عنوان "عملية الربط النهائى للرحم" برقم "445" بتاريخ 22- 5- 2005م ردًأ على سؤال ورد للدار وكان نصه:

أحيط سيادتكم علمًا بأنني في حالة صحية متعبة لا أستطيع معها الإنجاب مرة أخرى، حيث إن لدي خمسة أطفال ونصحني الأطباء بأن أكتفي بهذا؛ لأن ظروفي الصحية تمنعني من الإنجاب مرة أخرى، بحيث إن الحمل مجدَّدًا فيه خطرٌ على حياتي، وبأن أعمل عملية ربط نهائي للرحم. فهل هي جائزة؟

أجاب عنه الشيخ "على جمعة" بقوله:
عملية الربط النهائي للرحم إذا كان يترتب عليها عدم الصلاحية للإنجاب مرة أخرى حرام شرعًا إذا لم تَدْعُ الضرورة إلى ذلك؛ وذلك لما فيه من تعطيل الإنسال المُؤدي إلى إهدار ضرورة المحافظة على النسل، وهي إحدى الضرورات الخمس التي جعلها الإسلام من مقاصده الأساسية.

أما إذا وُجدت ضرورة لذلك؛ كأن يُخشى على حياة الزوجة من الهلاك إذا ما تم الحمل مستقبلًا، فالذي يحكم بذلك هو الطبيب الثقة، فإذا قرر أن الحل الوحيد لهذه المرأة هو عملية الربط الدائم فهو جائزٌ، ولا إثم على السائلة.

الاتفاق على عدم الانجاب

ومسألة التفريقبين التعقيم النهائى ومنع الحمل ولو بشكل نهائى لكن بدون تعقيم تظهر فى هذه الإجابة التى جاءت ردًا على سؤال ورد للدار برقم"2422" لسنة 7- 2- 204م وكان مفاده:
حدث بيني وبين زوجي اتفاقٌ ودِّي بعد الزواج على عدم الإنجاب، وعلى أنه إذا حصل حمل أقوم أنا بإجهاضه؛ لأنه متزوج من أخرى، ويعول ثلاثة أبناء، ووافقت على طلبه؛ نظرًا لإلحاحه الشديد، ثم شاء الله تعالى الحمل، والآن زوجي يخيرني بين إنزال الحمل أو الطلاق، ويتهمني بالخيانة وعدم الأمانة، فهل يجوز لي في هذه الحالة وتحت دعوى الاتفاق السابق أن أُسْقِطَ الجنين رغم أني في غاية الشوق للأطفال؟

أجاب عن السؤال فضيلة الشيخ "على جمعة" قائلًأ:
الاتفاقُ محل السؤال ذو شقين: شق بالالتزام بعدم الحمل، والثاني بالالتزام بإسقاطه إذا تمَّ.
والشق الأول من الاتفاق جائزٌ؛ لأن العزل مباح أو مكروه على خلاف بين العلماء، وفي الحالين لا إثم فيه، فيكون الاتفاق عليه جائزًا؛ فقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه: "كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ ٱلله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا".

وإذا كان الاتفاق جائزًا فالإخلال بالوعد به خلفٌ للوعد ونقضٌ للعهد، فالزوجة إن كانت تعمدت حصول الحمل تكون مخلفةً للوعد الجائز، وهذا إثمٌ منها، وإن لم تتعمد فلا إثم عليها.

أما الشق الثاني: فهو غيرُ جائز؛ لأنه لا يجوز إسقاط الجنين وإجهاض الحامل إلا لو قال الطبيب الثقة بخطورة الحمل على المرأة، وكان ذلك قبل أربعة أشهر، وكان لا يترتب على الإجهاض ضررٌ مساوٍ أو أكبرُ على المرأة من بقائه، فيكون الاتفاق عليه غيرَ مشروعٍ، ويكون الزوجان مخطئين بالاتفاق على هذا؛ لأنه معصية.