رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حركة الصحوة».. فراخ الإخوان في بلاد الحرمين

جريدة الدستور

"بحكم مسئولياتي أقول إن الإخوان لما اشتدت عليهم الأمور، وعلقت لهم المشانف في دولهم، لجأوا إلى المملكة فتحملتهم وصانتهم، وحفظت حياتهم بعد الله، وحفظت كرامتهم ومحارمهم وجعلتهم آمنين، لكن بعد بقائهم سنوات بين ظهرانينا، وجدنا أنهم يطلبون العمل، فأوجدنا لهم السبل، ففيهم مدرسون وعمداء، فتحنا أمامهم أبواب المدارس والجامعات، لكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة، فأخذوا يجندون الناس، وينشئون التيارات وأصبحوا ضد المملكة والله يقول { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [الرحمن: 60]".

بهذه الكلمات، لخص الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير داخلية المملكة العربية السعودية عام 2002م، حال جماعة الإخوان وتطور وضعها في السعودية إلى باتت تسيطر على الكثير من مفاصل المملكة خاصة المدارس والجامعات التي يخرج منها كل عام المئات من الشباب الذين تشبعوا بافكار الجماعة، وجعلوا مؤسسات الدولة مفارخ لظهور التنظيمات والتيارات التي تدعي الدفاع عن الإسلام، والسعي إلى تطبيق الشريعة في بلد دستوره وقوانينه مستمدة من القرآن والسنة.
وتكشف الفقرة السابقة أيضا مقدار المعاناة التي واجهتها المملكة السعودية من هذا التيار وتلك الجماعة، والثمن الذي دفعته السعودية في تعاطفها معهم.

وفي هذا المناخ الذي يتيح لهم التخفي داخل مجتمع يطوف حول تطبيق الشريعة، اصطبغت هذه الفئة الجديدة من "فراخ" جماعة الإخوان بلون محلي حتى باتت كأنها وليدة هذا المناخ وليست مستوردة من الخارج، نتج عنها فيما بعد ظهور ما يسمى بتيار الصحوة، أو حركة الصحوة التي تُغلف السياسة بكساء ديني علي شاكلة جماعة الإخوان.

النشأة والتأثير الفكري

بدأت إرهاصات ظهور تيار الصحوة مع الاضطرابات السياسية التي وقعت بين مصر والسعودية في بداية الستينيات من القرن الماضي وبحسب مؤلف كتاب "زمن الصحوة، الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية"، فإن البدايات السياسية لاشتراك الإخوان الذين يمثلون بذور هذا التيار بدأت مع دعوة الأمير فيصل لما يسمى وقتها خطاب "التضامن الإسلامي" عام 1958، ولم يكن وقتها قد تسلم قيادة البلاد بشكل رسمي ولجأ الملك فيصل إلى الفارين من جماعة الإخوان في المملكة لتبني هذا الخطاب الذي عجز الدعاة السعوديون التقليديون عن تحمله وكان من نتيجة ذلك ثلاثة مؤسسات:

أولا: ظهور إذاعة "صوت الإسلام" للرد على إذاعة صوت العرب التي أنشاها جمال عبدالناصر الذي كان بينه وبين المللكة خلاف في ذلك الوقت.

ثانيا: إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في سنة 1961 لتنافس جامعة الأزهر في مصر التي أدخل عليها جمال عبدالناصر تحديثات كبيرة وأعلن وقتها الملك سعود في مايو 1961 بأنه سيعتمد في تشغيل الجامعة الإسلامية على أولئك الأفراد "الذين أخرجوا من ديارهم بعد تعرضهم للسرقة والإساءة والتعذيب" في إشارة صريحة منه إلى أعضاء جماعة الإخوان.

ثالثا: رابطة العالم الإسلامي التي تأسست عام 1962، وضمت الرابطة أعضاء بارزين من الجماعة منهم سعيد رمضان الصديق المقرب من حسن البنا والأردني كامل الشريف إضافة إلى أبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان.

الهيمنة على التعليم

بات هذا المناخ مهيئا بشكل كبير لسيطرة الإخوان على مؤسسات المملكة التعليمية، وقد ضمت الجامعة الإسلامية في المدينة أسماء رنانة من الجماعة مثل علي جريشة والسوري محمد المجذوب وكذلك صارت جامعة الملك عبد العزيز التي صار اسمها جامعة أم القرى "مفرخة" لجماعة الإخوان، وعلى رأسهم محمد قطب شقيق سيد قطب الذي عُين أستاذا في كلية الشريعة بعد خروجه من السجن عام 1971، وكذلك محمد المبارك وعلي طنطاوي وسيد سابق صاحب فقه السنة، إضافة إلى محمد الغزالي الذي ترأس قسم الدعوة وأصول الدين بالجامعة، إضافة إلى عبدالله عزام الذي درس- بحسب مؤلف كتاب زمن الصحوة- لمدة فصل عام 1981، وبالتالي كانت مكة المكرمة مركزا رئيسيا للجماعة.

وبالتوازي مع هذا الحضور الطاغي في الجامعتين الأبرز في المملكة كان هناك نشاط آخر في المؤسسات التعليمية الأخرى ومنها المعاهد العلمية التي اجتذبت الكثير من مشاهير الجماعة والتي ظهر فيها اسم محمد سرور زين العابدين وتحديدا في حائل وبريدة من سنة 1965 حتى سنة 1973، وسعيد حوى المراقب العام للإخوان في سوريا.

ومن هنا سيطر الإخوان على ابرز المؤسسات التعليمية في المملكة، وامتدت تلك السيطرة إلى التدخل في وضع المناهج الدراسية.

بذور التلاقح الفكري

ووسط هذه الهيمنة القوية التي وافقتها الظروف السياسية والاجتماعية السائدة في المملكة بدأت نتيجة التلاقح الفكري بين منهج الإخوان ومنهج السلفية التقليدية في السعودية المتمثل في فكر محمد ابن عبدالوهاب، ليظهر منتج جديد متأثرا بالترجمة العملية لفكر حسن البنا المتمثل في التيار القطبي، ويسيطر هذا الخليط على حركة الصحوة التي توافقت على أن يكون الجانب العقدي فيها تابعا للمدرسة السلفية التقليدية أو الوهابية، وأن يكون الخط السياسي تابعا لفكر القطبيين.

وانطلقت الصحوة من الجانب النظري إلى الحراك العملي على يد عبدالرحمن الدوسري ثم محمد أحمد الراشد، وتشكلت كتائبها التي أعلنت جميعها الانتساب لجماعة الإخوان المسلمين ومن أبرزها "السروريون" نسبة لمحمد زين العابدين سرور الذي ظهر في أواخر الستينيات في حائل.
وارتفع صوت تيار الصحوة في المملكة خلال الاحتلال العراقي للكويت، وقاد سلسلة احتجاجات ضد سياسة السعودية حول هذه القضية، وكان على رأس هذا التيار سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر بالإضافة لعائض وعوض القرني.

واستمر تصعيد التيار ضد الحكومة مستندا إلى قاعدته الجماهيرية التي شكلها خلال هيمنته على المؤسسات التعليمية والدروس والخطب التي يلقيها رموزه في جميع مناطق السعودية الأمر الذي أثار حفيظة هيئة كبار العلماء واضطرها لإصدار فتوى تُحذر من هذا التيار وتعتبر افعاله مخالفة للعلاقة الصحيحة بين الحاكم والمحكوم.

صدام مع هيئة كبار العلماء

في المقابل غضب تيار الصحوة من موقف هيئة كبار العلماء ما أدى لتنامي مد فكري مرتبط بالصحوة يقلل من أهمية شيوخ هيئة كبار العلماء وتحديدًا ابن باز وابن عثيمين، خاصة من جانب العودة والحوالي وأدى التصعيد من الجانبين إلى إيقاف الحوالي والعودة عن الدروس ومنع أشرطتهما من التداول. وردًا على تلك الخطوة ظهرت (لجنة الحقوق الشرعية) التي أسسها مجموعة من الحركيين بقيادة محمد المسعري وأيدها سلمان العودة، ومن الأسماء التي شاركت في هذه اللجنة سعد الفقيه الذي اسس مع المسعري فيما بعد ما يسمى الحركة الإسلامية للإصلاح في مارس عام 1996 ، اتهمته الولايات المتحدة الأمريكية بالاشتراك بمكتب مع المهندس خالد الفواز، أحد معاوني أسامة بن لادن، وباقتناء الهاتف الفضائي الذي استعمله بن لادن لتنسيق هجوم استهدف سفاراتها في كينيا وتنزانيا عام 1998م. وقالت أكثر من مرة أن موقعه على الإنترنت يتم "استغلاله" لحشد الدعم الإيديولوجي والمادي لتنظيم القاعدة.

علاقة الصحوة بالقاعدة

اعترف الكثير من أعضاء تنظيم القاعدة بانتمائهم الفكري لحركة الصحوة ومن بين هؤلاء، يوسف العييري الزعيم الأول لتنظيم القاعدة في بلاد الحرمين ، وله رسالة مشهورة يعترف فيها بفضل أستاذه سلمان العودة على القاعدة، قال فيها:
"فنحن نعلم يقيناً ان صحوتنا المباركة بصوتكم سمع نداءها، وبمجهودكم غيّرت الواقع، وبفكركم وتوجيهكم اتزن نهجها، فلكم الفضل بعد الله فوق فضل غيركم من العلماء والدعاة فيما حققته هذه الصحوة، علماً انا ما تعلمنا المنهج إلا من فضيلتكم!".
وبعد أن تغيرت بعض مواقف سلمان العودة كتب العييري رسالة أخرى على شبكة التوحيد والجهاد تحت عنوان: " الحملة العالمية ؛ زيف وخداع وشعارات كاذبة" قال فيها:

"نقول سبحان الله انقلبت المفاهيم ، سفر بالأمس يؤلف كتباً يبين فيها أن طواغيت العرب هم شر خطر على الأمة ، وهم الذين بدلوا دين الله تعالى ، وهم السبب في فساد الأمة وتغييبها وكبتها ، سلمان له أشرطة نارية تحذر من هذه الحكومات الطاغوتية ، الجميع يقر بأن أخطر شيء على الأمة تلبيس هذه الحكومات وتزييفها للدين ، ولا نريد أن ننقل ما يثبت ذلك من كتبهم وأقوالهم ، فكل من يعرفهم متأكد بأن هذه آراؤهم السابقة .
فنأتي اليوم ونرى صحوة الأمس تنقلب إلى غفلة ، هم وهذه الحكومات في خندق واحد يستهدفون العدو المشترك ، ألم تؤصلوا لنا سابقاً أن هذه الحكومات هي دمى بأيدي العدو ؟ ألم تقولوا لنا سابقاً بأن الاستعمار المباشر زال، وفرض علينا استعماراً غير مباشر عن طريق هذه الحكومات العميلة ؟ ألم تحشوا رؤوسنا من قبل بأن أخطر خطر على الأمة هذه الحكومات التي تنفذ إرادة العدو ؟ ألم تقولوا لنا بأن هذه الحكومات حرب على الإسلام ؟ ألم تكفروا هذه الحكومات وتناقشوا الشيخ عبد العزيز بن بار رحمه الله بكفر هذه الحكومات في شريط مسجل ؟ بالأمس ترفضون الاعتراف بشرعية هذه الحكومات ومنها الحكومة السعودية ، وتكفرونها ولازالت كتبكم وأشرطتكم شاهد عليكم حتى الآن".