رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن قانون أساس القومية العنصري في إسرائيل

جريدة الدستور

قام الكنيست الإسرائيلي بالمصادقة على ما اعتبر أسوأ قانون في تاريخ إسرائيل، "قانون أساس القومية"،  و ذلك يعني أساسًا مأسسة الأبارتهايد بالكامل، وتشريع الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، و بالتالي التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني بالكامل كون أرض فلسطين هي دولة الشعب اليهودي فقط، ناهيك عن البعد الإقصائي أساسا في اعتبار الديانة اليهودية قومية.

وهذا قانونيًا هو الأبارتهايد الذي عرفته الاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه "أي أعمال غير إنسانية ارتكبت لغرض إنشاء وإدامة هيمنة فئة عنصرية من الأشخاص على أي مجموعة عرقية أخرى، أو أشخاص، وقمعهم بشكل منهجي".


لقد جادل السكان البيض بأن مؤسسات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ديمقراطية، وإن كانت ديمقراطية بيضاء فقط، أي من البيض ولهم لا لغيرهم ، ولكن سكان البلاد الأصليين الأفارقة لم يعترفوا أبدا "بالطبيعة البيضاء" للبلاد، ولم تكن فكرة تعريف البلاد بأنها "بيضاء وديمقراطية" في الوقت نفسه مقبولة من قبل المجتمع الدولي، وتم التعامل معها على أساس أنها رؤية عنصرية سافرة، و لكن خلافا للفلسطينيين، فقد اعتُبر الأفارقة السود من البشر، وبالتالي، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينطبق عليهم! فماذا نحن فاعلون؟

ما يعنيه تحديدا قانون أساس القومية الذي أقره الكنيست: تجاهل قضية أكثر من ستة ملايين لاجئ في جميع أنحاء العالم نتيجة لعملية التطهير العرقي التي صاحبت إنشاء دولة إسرائيل، وتناسي الحقوق الثقافية والقومية لـ1.4 مليون فلسطيني يعيشون في إسرائيل نفسها كمواطنين درجة ثالثة، ووفقا لهذه الصيغة ، فإن الفلسطينيين هم فقط أولئك الذين يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية.

وبالتالي فإن حل الصراع لا يتخطى ما قدمته اتفاقيات أوسلو، أي منح علم وثلاث أو أربع بانتوستانات مبتورة ، أو سجون كبيرة يمكن لنزلائها اعتبارها محررة، مع زعيم لكل بانتوستان، أو لها مجتمعة، مع مجلس تمثيلي لا يمثل باقي أبناء الشعب الفلسطيني.. و هذه ما يتم الترويج له في إطار ما يسمى صفقة القرن التي تقوم أساسا على تحسين شروط عبودية الشعب الفلسطيني لصالح المشروع الاستعماري، وبموافقة عربية تقوم على تطبيع العلاقات مع نظام الأبارتهايد.

ما هي القضية الفلسطينية إن لم تكن حق العودة للاجئين المقيمين داخل فلسطين وخارجها؟ ألا يشكل التخلي عن القرارات الأممية التي تضمن حق العودة و المساواة انتهاكا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

وما المطالبة المغرقة بوقاحتها العنصرية بأن يعترف الفلسطينيون بيهودية إسرائيل إلا دعوة بأن يعترفوا بخطأ روايتهم وصحة الرواية الصهيونية، وبالتالي يصبحون صهاينة! وهذا لا يختلف بتاتا عن مطالبة أفارقة جنوب إفريقيا بالاعتراف بالطبيعة البيضاء للدولة، وحق المستوطن الأبيض التاريخي بها!

فلننسَ المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص بوضوح على أن "جميع الناس يولدون أحرارا، وهم متساوون في الكرامة والحقوق"،  وليقبل الفلسطيني مكانته الجديدة كقدر لا يمكن تغييره! هذا هو الهدف النهائي الذي عجز عن فعله أباء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، على مدى 42 عاما.

ولكن كما قامت حملات المقاطعة الدولية بدعم نضالات السكان السود في جنوب إفرقيا للقضاء على نظام الفصل العنصري وكل أدواته القهرية، فإن حركة المقاطعة الدولية اليوم، ذات القيادة الفلسطينية، والتي تستهدف ممارسات إسرائيل من احتلال وأبارتهايد وتطهير عرقي، تحرز تقدما جعل الحكومة الإسرائيلية العنصرية تدق ناقوس الخطر، وما تقوم به مسيرات العودة الكبرى من تعبئة جماهيرية على الأرض للمطالبة بتطبيق الشرعية الدولية، والتعامل مع القضية الفلسطينية على أنها قضية حقوق إنسان في المقام الأول، هو البديل الذي كثيرا ما يُسأل عنه كل من يعترض على استمرار المفاوضات العبثية التي أوصلتنا إلى المطالب المغرقة بعنصريتها..  البديل هو تطبيق الشرعية الدولية التي تضمن حق العودة والحرية والمساواة، وهذا بالضبط هو نقيض قانون القومية العنصري!


*كاتب وباحث فلسطيني