رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد عبده.. "إمام الإصلاح"

جريدة الدستور

فى مثل هذا اليوم من عام 1905، توفي الأمام محمد عبده، عن 65 عاما، تاركا وراءه تراثا تاريخيا حول مفهوم الإصلاح، كان هو قاطرته الأولى، والذي دخل بسببه في العديد من الأزمات والمشاكل مع خصومه، لم تنته بموته، ولكنها حملات تواصلت بين الحين والأخر منذ دعوته بها حتي اليوم.

تأثر الأمام "محمد عبده" بشخصيات عديدة، شكلوا تغيريا جوهريا في حياته المستقبلية، وكانوا سببا فى تبنيه التوجهات الإصلاحات التى كان"الإمام" أحد روادها في العصر الحديث.

الشيخ"درويش خضر" خال محمد عبده لأبيه، والذي كان صوفيا، وزرع في عقل"الامام" مفاهيم ومعتقدات جديدة، من تلك التى درسها بالجامع الأحمدي بمدينة "طنطا" حول ثبات شرح النصوص الدينية، والتي تدرس خلال تلك الفترة"منقولة" عن السلف وبعض العلماء القدامى، وظلت تلك الشروح أزمنة عدة، دون تعديلات او شروح جديدة.

"خضر" هو أول محطة علمية إلتقاها"الأمام" والتى ساهمت في الخروج من حدود العلوم الأزهرية، والتى كانت تمثل عقبة، أمام الموهبين من دعاة التجديد والإصلاح في حياة المسلمين، لأن التعليم الأزهري خلال تلك الفترة، كان خاليا من دراسة علوم الفلسفية والرياضيات وغيرها من العلوم الاخري.

المحطة التالية التي إلتقاها، محمد عبده، والذي كانت شديدة التغيير في حياته الشيخ "حسن الطويل" الذي علمه فنون الرياضيات والفلسفة، بالأضافة إلي علم السياسة، وهى التى آهلته فيما بعد ليكون ضمن الصفوف الأولى للعمل السياسي، ويشارك في الثورة العرابية، والتى كانت يرفض توجهاتها في بدايتها، ولكنه كان أحد دعامتها السياسية.

"حسن الطويل" كون في شخصية "محمد عبده" دوافع البحث عن العلوم الفلسفية، والتى وجدها في مقدمة ابن خلدون، وقام بتدريسها بـ"الأزهر الشريف"، وألف كتابا عن علم الاجتماع والعمران، متأثرا بما قرأه لابن خلدون، ليبدأ "الأمام" مرحلة التنوير الفعلية.

بدأ الخديوي "توفيق" حكم مصر، بمرحلة جديدة من الإصلاحات، فاختار "محمد عبده" لترأس الصحيفة الرسمية للدولة المصرية "لوقائع المصرية"، ليكون علي رأس مهمة الأصلاح، فضم "الإمام" تلامذته إليها منهم سعد زغلول، والشيخ محمد خليل، وإبراهيم الهلباوي.

أحدث محمد عبده، تغيرات جوهرية بصحيفة الدولة المصرية، حينما أنشأ قسما يتناول"أخبار" المجتمع المصري سياسيا واجتماعيا وإقتصاديا، وهو قسم "غير" رسمي، فتحررت مقالاته الإصلاحية، والأدبية والاجتماعية، واصبحت"الوقائع المصرية" أول منبر إصلاح تشهده الدولة المصرية، في عصرها الحديث، وظل محمد عبده، يترأس تحرير الصحيفة، لمدة عاما ونصف العام، شهد خلالها المجتمع المصري العديد من التغيرات.

"الوقائع المصرية" كانت البناء الاول في حياة المصريين الإصلاحى، بالإضافة إلي تحولها إلى أحد المنابر العلمية والثقافية والدينية، التى كانت سببا مباشرا في ظهور النهضة المصرية فيما بعد.

نشر التعليم بداية الإصلاح

مثل محمد عبده، أحد فريقين كلاهما تبنى"الإصلاح" الفريق الأول، دعا إلى نشر مفهوما جديدا للتعليم في مصر، وكان الإمام محمد عبده، علي رأس هذا الفريق، مؤكدا أن الإصلاح التعليمى ببناء المدارس أولى خطوات النهوض بالدولة المصرية.

تبني، الفريق الثانى قضايا الحريات الشخصية، والتى كانت موجة أوربا الجديدة، والتى نقلها الذين تأثروا بالتعليم الغربي، والحريات الشخصية، التي منحتها حكومات أوروبا لمواطنيها، والذين كانوا ينظرون إلي دعاوى الإصلاح التى طالب بها محمد عبده، بإنها رجعية، وهي الاتهامات التي وجهها أديب أسحاق ورفاقه إلي الأمام.

تأثر الأمام محمد عبده، ببلدان عربية وأوروبية عاش فيها خلال نفيه، أثر فشل الثورة العرابية التي كان أحد أنصارها، رغم التحفظات التي قالها لزعيمها"أحمد عرابي".

"بيروت" كانت العاصمة اللبنانية، التى أستقر فيها "الأمام" عام 1883، أحد أركان التغيرات التى لحقت بالشيخ محمد عبده، حيث كانت"بيروت" في ذلك الوقت مركزا ثقافيا فرنسيا للشرق كله، وكانت حركة المطابع،واصدارات الصحف والمسارح قد بدأت في الظهور، وهو ما آهل الشيخ لتبنى أفكارا جديدة، زادت بعد إنتقاله للعاصمة الفرنسية"باريس".

لبي محمد عبده، دعوه أستاذه، جمال الدين الأفغاني، ليبدأ "الأمام" فاصلا جديدا من الأصلاح بأصدارة صحيفة" العروة الوثقى" التي صدرت بأمكانيات ضعيفة، لكنها كانت ذات تأثيرا كبيرا علي الشرق بصفة عامة وعلي المصريين بشكل خاص، ولم تستمر "الصحيفة" طويلا بعد تدخل الحاكم الإنجليزي"كرومر" لدى السلطات الفرنسية بوقف الصحيفة التى أصدرت 18 عددا فقط.