رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم الورداني.. منفذ أول قضية اغتيال سياسي

ابراهيم الورداني
ابراهيم الورداني

تعتبر الاغتيالات السياسية إحدى آليات الجماعات الإرهابية، خاصة في السنوات الأخيرة والسؤال الذي يطرح نفسه الآن من هو أول من نفذ عملية اغتيال سياسي في مصر؟

إنه ابراهيم ناصف الورداني، أول مصري يقوم بعملية اغتيال سياسي وكان في الرابعة والعشرين من عمره، درس في سويسرا الصيدلة، حيث عاش بها عامين بدءا من سنة (1906م)، ثم سافر إلى إنجلترا وقضى بها عاما حصل خلاله على شهادة في الكيمياء ثم عاد إلى مصر في (يناير 1909م) ليعمل صيدلانيا، وكان عضوا في الحزب الوطني، وبعد عودته لمصر أسس جمعية أسماها "جمعية التضامن الأخوي" التي نص قانونها على أن من ينضم فيها يجب أن يكتب وصيته.

ويعتبر الورداني صاحب أول عملية اغتيال سياسي في مصر في فبراير 1910 عندما أطلق رصاصاته صوب بطرس غالي رئيس الوزراء، لعمله على اقرار مشروع مد امتياز قناة السويس لأربعين عاما إضافية، كما وقع اتفاقية السودان في 19 يناير عام 1899، بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها واللورد كرومر بالنيابة عن الحكومة الإنجليزية، وبموجب تلك الاتفاقية أصبح لإنجلترا رسميًا حق الاشتراك في إدارة شئون الحكم بالسودان، ورفع العلم الإنجليزي إلى جانب العلم المصري في أرجائه كافة، وتعيين حاكم عام للسودان بناء على طلب الحكومة البريطانية، كما أنه كان أحد أعضاء محكمة دنشواي الشهيرة.

خرج بطرس غالي من مكتبه في الواحدة ظهر يوم 20 فبراير 1910م، وكان يرافقه كل من حسين باشا رشدي وزير الحقانية ( العدل)، وفتحي باشا زغلول وكيلها وعبد الخالق ثروت النائب العمومي.

وما أن هم بطرس غالي بدخول سيارة رئاسة الوزراء حتي دوت 6 رصاصات، استقرت ثلاث منها في بطرس غالي باشا أصابت اثنتان منها رقبته. وأمسك الحراس بالشاب القاتل، ونُقل بطرس غالي للمستشفي وهناك أجروا له عملية جراحية استغرقت ساعة ونصف، ولكنه فارق الحياة في نفس اليوم.

وقد خشي الانجليز وأعوانهم من تحول "الورداني" إلى بطل شعبي وهو ما كان يمكن أن يزيد من الحركة الوطنية حماسة فتمتد يد الوطنيين اغتيالا لعدد من رموز العمالة والخيانة فقد اقترح عدد من الموالين للانجليز الدفع بمجموعة كبيرة من المأجورين ليهتفوا "تسلم إيدين الورداني قتل بطرس النصراني" في محاولة لإظهار الأمر باعتباره اعتداء طائفيا، ما يترتب عليه تهييج الشعور الطائفي لدى المسلمين والأقباط والانشغال بالمشاكل الطائفية بعيدا عن قضايا الوطن الحقيقية، وصرف أنظار المصريين عن العدو المشترك لكافة طوائفهم وطبقاتهم. وعي المصريين فقط هو الذي خيّب خطة الانجليز وعملائهم فقد نزلت حشود المصريين للشارع للهتاف في مواجهة المأجورين "تسلم إيدين الورداني قتل بطرس البريطاني"، في محاولة للكشف عن سبب الاغتيال الحقيقي الذي لم يكن له أي بعد طائفي وهو ما فوّت على النظام تحقيق ما كان يرجوه من اللعب على الوتر الطائفي.

ألقي القبض على ابراهيم الورداني، وقال إنه قتل بطرس غالي "لأنه خائن للوطن"، وإنه غير نادم على فعلته، واعترف أنه فكر في قتل بطرس عندما حضر جلسة المجلس العمومي ورأى معاملة بطرس غالي الجافة لأعضاء المجلس، ومشاركته في محكمة دنشواي.

وقد مثل الورداني أمام المحكمة في 21 إبريل 1910م وكان يرأسها الإنجليزي "دلبر وجلي"، وكان من المحامين الذين حضروا للدفاع عن الورداني "أحمد بك لطفي". وقد وجهت للورداني تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وهي جريمة عقوبتها الإعدام، وانشغل الرأي العام المصري بالحادث لانه أول جريمة اغتيال سياسي فى عصر مصر الحديث.

وقام عبد الخالق باشا ثروت الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب النائب العام بالتحقيق في القضية، وقد ذكر في مرافعته أن الجريمة المنظورة أمام المحكمة هي جريمة سياسية وليست من الجنايات العادية، وأنها "بدعة ابتدعها الورداني بعد أن كان القطر المصري طاهرا منها" ثم طالب بالإعدام للورادنى، ثم أرسلت القضية إلى المفتي (الشيخ بكري الصدفي) لإبداء رأيه فيها، لكن المفتي تنحى لوجود مانع شرعي، إلّا أنّ المحكمة لم تأخذ برأي المفتي. وكانت سابقة أن يعترض المفتي على حكم محكمة الجنايات برئاسة الإنجليزي "دولبر وجلي"، وفي يوم 18 مايو 1910م أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالإعدام على الورداني، وفي صباح يوم (21 يونيو 1910م) تم تنفيذ حكم الإعدام في الورداني. وكانت آخر كلماته "الله أكبر الذي يمنح الحرية والاستقلال".

لقد لاقي إبراهيم الورداني تعاطفًا من الرأي العام وأسماه البعض غزال البر، حتي أن الحكومة أصدرت قرارًا يحرم علي أي مصري الاحتفاظ بصورة القاتل.