رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«PK».. سر الرقم الخاطئ الذي أشعل التعصب في عقول البشر

عامر خان
عامر خان

إذا نظرت إلى الكرة الأرضية من حولك ستجد ملايين بل مليارات المواطنين يعيشون في الشمال والجنوب، والشرق والغرب، جميعهم لا ينتمون لديانة واحدة، فهناك الديانات السماوية والوضعية، تعددت جميعها بين الإسلام والمسيحية والهندوسية والبوذية والسيخية والجينية، ومن لا يؤمنون بأي دين أو إله، اختلفت ملامحهم وصفاتهم ولغاتهم وأفكارهم، وتعصبهم أيضًا.

في فيلمه الصادر عام 2014، حمل اسم "بي كي"، أراد الممثل والمخرج الهندي العالمي "عامر خان"، تجسيد تلك المعاني وتوصيلها إلى المشاهد في بلد التعددية الفريدة والتنوع المذهل، كونها تحوي جميع الديانات- الهند- عبر صورتين فقط، هما أن هناك رقمين في العالم أحدهما "صحيح" والآخر "خاطئ". 

فسر الفيلم المعنيين بأن "الصحيح" لا يمكن أن تشوبه شائبة، لأنه يمثل الخالق "الله عز وجل"، الذي قدر الكون وسواه في أحسن صورة. بينما كان الرقم الخاطئ "هو فكر البشر وعصبيتهم الدينية، وتلاعبهم ببعضهم من أجل مصالحهم الذاتية الضيقة، دون التمسك بالإنسانية".

أراد "عامر" أن يفضح تلك التدخلات البشرية التي تتفق مع ما جاء في القرآن، في قول الله: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون"، "سورة الروم 41". أو ما جاء في الكتاب المقدس، من سفر مزامير داود النبي، المزمور 14 في الآية 3 "3": "الكل قد زاغوا معا، فسدوا، ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد".

الآيتان كلتهما جاءتا واضحتين، أي أن الله سبحانه وتعالى قد خلق كل شيء سليم بفطرته الطبيعية الصالحة النقية، وحينما يحاول البشر التدخل بفكرهم المتعصب يفسد كل شيء، لأنهم حينها يكونوا قد ابتعدوا عن "الرقم الصحيح".

عبر سيناريو الفيلم عن تلك المعاني، حينما تخيل أن هناك مخلوقات فضائية تعيش في كواكب آخرى تنظر إلى الأرض دائمًا، تتألف مع بعضها في سلام، لا تُكمن لبعضها أي حقد، تتواصل معًا بلغة الإشارة المختلفة عن البشر، فأرادوا أن يرسلوا أحدهم إلى الأرض ليكتشفوا ما يدور هناك، هبطت مركبتهم الفضائية في الصحراء، فأنزلته، ثم صعدت مرة آخرى عائدة، ليبدأ "مخلوقهم" المشابه هيئته للبشر، رحلته لاكتشاف الكون وتعاملات البشر وأديانهم المختلفة.

كان للمشهد الأول للفيلم "مغزى كبير"، سار المخلوق الفضائي في الصحراء- "هيئته لا تختلف كثيرًا عن البشر"- وجد أحد الأشخاص، أخذ ينظر إليه بدهشة، فجأة مد الثاني يده على رقبة الزائر الجديد للأرض وسرق القلادة التي يتواصل بها مع أقرانه "الفضائيين"، ليظهر أول سلوك سيء، وتبدأ معه رحلة البحث عن قلادته، وينفرط عقد السلوك الفاسد أيضًا واحدًا تلو الآخر.

حاول كاتب السيناريو، أن يجعل الأمر أقرب إلى ذهن المشاهد، فجعل من سمات المخلوق الفضائي، قدرة التواصل مع البشر، يتحدث لغتهم، يرتدي ملابسهم، يفكر كما يفكرون، عندما يلمس يد أحدهم تنتقل له كل تلك السمات، ليصبح واحدًا منهم، بل ويمتاز بأن يكون قادرًا على قراءة أفكارهم فيكتشف كذبهم، اعتبروه في البداية لفطرته النقية "PK"- شخص سكران- لكونه مختلف فتأقلم في حياتهم حتى فهمهم وأدرك مدى زيفهم.

في 153 دقيقة، أثبت فيلم "عامر"، المندرج تحت نوعية الخيال العلمي الكوميدي، مدى العلاقة الطيبة التي تكمن بين "الله والرجل الطيب"، أي حينما يبعد عن فساد "الأرقام الخاطئة"، ومئات بل آلاف وملايين الأفكار السيئة القادرة على أن تجعل الرجل يترك زوجته، وأن يموت الأبرياء بالمتفجرات التي يصنعها غيرهم تحت بند تطبيق الشريعة، وأن يكذب رجل دين على مواطن حينما يتبرع بأمواله ويضعها عند قدمي تمثال طلبًا لشفاعته، فيأخذها الآخر كونه "خليفة الله في الأرض" وينتفع بها بينما يتضرع المانح جوعًا، أو أن يعطي كل ما يملكه لبقرة؛ توسلًا لأن يرزقه الله بذرية صالحة، بينما يعيش المئات من جيرنه بلا مأوى أو مأكل.

جاءت حالة التهكم التي صورها الفيلم بشكل درامي كوميدي، لتأكيد أنه لايوجد إلا رقم واحد صحيح "الله والخير"، وكل ما دون ذلك أرقام خاطئة علينا البعد عنها حتى نسعد في معيشتنا وتستقيم حياتنا، ويحيا السلام مادام هناك بشر على الأرض.