رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حضرة الوداع.. كيف يدفن الصوفية موتاهم؟

جريدة الدستور

الحضرة تقام بغرض الشفاعة للمتوفى والصوفيون يرفضون الكشف عن تفاصيلها منعًا لـ«زوال البركة»

تجرى بجوار ضريح مؤسس الطريقة بسبب الاعتقاد فى لقائه روح المتوفى

«الله الله يا رسول الله» و«هى لله يا رجال الله» أبرز أذكارها



يفرض شيوخ الصوفية فى مصر حالة شديدة من التكتم والسرية على طقوس توديع موتاهم، أو ما يطلقون عليه داخل الأروقة الصوفية «حضرة الوداع»، تلك الحضرة التى يعتقد الصوفيون أنها تشفع لموتاهم عند الله.
الحضرة أقيمت فى سرية تامة لعدد كبير من شيوخ وعلماء وأتباع الطريقة الصوفية المتوفين، ومن أبرزهم سلامة الراضى شيخ «الحامدية الشاذلية»، وأحمد التيجانى شيخ «التيجانية»، وعصام الدين زكى إبراهيم رائد «العشيرة المحمدية»، وعبدالباقى الحبيبى شيخ «الحبيبية»، وغيرهم الكثير من شيوخ الصوفية.



تلاوة جماعية للقرآن وترديد لقصائد الطريقة.. وشرطها للمريد رضاء الشيخ أو ظهور «كرامة»
يعتقد أهل الصوفية أن «حضرة الوداع» تشفع للمتوفى من شيوخهم وأتباعهم، سواء فى القبر أو يوم القيامة، وفق الدكتور سيد مندور، عضو الطريقة «السمانية الصوفية». وكشف «مندور» عن طقوس «حضرة الوداع» قائلًا: «تتم قراءة القرآن الكريم بصورة جماعية، بجانب ترديد قصائد وأبيات وأدعية صوفية كتبها شيوخ كل طريقة على رأس المتوفى»، مشيرًا إلى أن من الواجبات الصوفية قراءة مريدى كل طريقة لأوراد شيخها.
وأضاف: «يتم وضع النعش وسط الحضرة الصوفية، أو بجوار ضريح شيخ الطريقة المؤسس، ثم تبدأ طقوس هذه الحضرة، بترديد عبارات (الله الله يا رسول الله، ولا إله إلا الله محمد رسول الله، وهى لله يا رجال الله»، وغير ذلك من القراءات والأدعية الصوفية، التى تُقرأ فى الحضرة لتوديع الشخص المتوفى».
وعن سبب وضع نعش المتوفى، سواء كان شيخًا أو مريدًا بجوار ضريح شيخ الطريقة المنتقل إلى ذمة الله، يوضح أن ذلك لاعتقاد الصوفية بأن «روح الولى والمتوفى يلتقيان معًا فى البرزخ الإلهى، فإذا كان هذا المريد أو الشيخ صالحًا، وجبت له شفاعة الولى شيخ الطريقة المؤسس».
من جهته، قال أحمد شحاتة، عضو الطريقة «الشاذلية الصوفية»، إن «حضرة الوداع» تشهد اصطفاف شيوخ الصوفية والمريدين فى دائرة واحدة حول المريد أو الشيخ المنتقل، ويتم ترديد عبارتى «الله الله»، و«لا إله إلا الله» مئات المرات، حتى تتعب الألسنة وتُرهق الأجساد من كثرة الذكر، وفق تعبيره.
وأضاف: «المريد الذى تقام له طقوس (حضرة الوداع) يجب أن تتوافر فيه عدة شروط، على رأسها رضاء الشيخ عن هذا المريد المتوفى، لأنه إذا كان المريد يخالف شيخ الطريقة المربى فى حياته، فلا يستحق أن تقام له طقوس هذه الحضرة التى لا ينالها إلا المقربون والمُتبِعون لآداب شيخ الطريقة».
هذه الحضرة تقام كذلك لـ«الأولياء والعارفين فى الطرق الصوفية، الذين لم يكن لهم شيخ طريقة معين»، وفق «شحاتة»، الذى أوضح: «هناك بعض العارفين الصوفيين الذين ينتهجون الطريقة دون اتباع أحد من شيوخ الصوفية الأحياء، وتقام لهم (حضرة الوداع) إذا ظهرت لهم كرامات ومعجزات قبل وفاتهم يترتب عليها اعتبارهم من العارفين».
هنا ــ حسب «شحاتة» ــ يجب على القائمين على الشأن الصوفى أن يقيموا لهؤلاء المريدين «المستقلين» الحضرة بالأدعية التى فيها شفاعة للمتوفى، إنقاذًا له من عذاب النار.
واستكمل: «حضرة الوداع لا تُقام للمسلمين العاديين، لأنهم ليسوا من أهل الصفاء أو أهل الصفة الذين اصطفاهم الله لمعرفة الطريقة وأخذ العهد على يد الشيخ المربى الذى أعطاه الله من علومه وأسراره الكثير حتى أصبح عارفًا لله، قائمًا على شئون عباد الله، يعطى المحتاج ويغدق أمواله على الفقراء والمساكين». واختتم: «خلال الحضرة يقرأ شيخ الطريقة القرآن بنفسه على المتوفى من أتباع الصوفية، وهذا الأمر يعتبره أتباع الصوفية بركة كبيرة للمريد المنتقل إلى الله».



تقام للرجال فقط ولبعض نساء الشيوخ.. كريمة: حلال وأهوى حضورها.. وأبوالعزايم: مهاجموها متشددون
كشف خميس الشريف، القيادى الصوفى، عن أن «حضرة الوداع» تقام للرجال دون السيدات، خاصة أن شيوخ الصوفية لا يعترفون بالمرأة كمريدة صوفية أصلًا، لذا لا يقيمون لها أى طقوس أو حضرات عند وفاتها.
لكن ــ والحديث لا يزال لـ«الشريف» ــ هناك بعض الاستثناءات، إذ يمكن أن تقام الحضرة لزوجة شيخ الطريقة أو بناته، حال وفاتهن، فأتباع الطريقة ومريدوها ينظرون إليهن باعتبارهن يتمتعن بنوع من القداسة والبركة لأنهن من فرع النبوة وطاعتهن واجبة، وعلى ذلك تقام لهن هذه الحضرة أيضًا ويشارك فيها جميع أتباع الصوفية وبعض الشيوخ».
ولفت «الشريف» إلى مشكلات تحدث بين الحين والآخر بسبب «حضرة الوداع»، من بينها إقامة أتباع الصوفية الحضرة لبعض النساء دون الحصول على إذن من شيخ الطريقة، مضيفًا: «قد يترتب على هذا رفت هؤلاء المريدين غير المتبعين لتعليمات شيخ الطريقة».
واعتبر أن معظمهم يقيم هذه الحضرات مقابل الحصول على الأموال من مريدين آخرين لصالح أقاربهم.
وأضاف «الشريف»: «حضرة الوداع من الأسرار الخاصة للطرق الصوفية فى مصر، ولا يعرفها الكثيرون، فشيوخ الطرق لا يكشفون عنها لأحد، لأنهم يعتبرونها أمرًا مبروكًا والكشف عنه يزيل البركة منه، وعلى ذلك لا يتم الحديث عن الحضرة فى أى برنامج تليفزيونى أو قناة فضائية، ولو حتى قنوات الصوفيين، وهذه السرية منذ نشأة الصوفية وليس فى هذا الوقت فقط».
بدوره، قال عابدين هارون، أحد أتباع الطريقة «البرهامية» فى سوهاج، إن «قدسية حضرة الوداع لدى جميع أتباع الصوفية فى مصر، تتطلب إعلام شيخ الطريقة بوفاة التابع، ليأتى للمشاركة فى الحضرة، وقراءة أوراد «الحصن الحصين»، التى تعتبر مجموعة من سور القرآن الكريم تتم تلاوتها على المتوفى من أموات الصوفية».
ويشارك فى هذه الحضرة، وفق «هارون»، مريدو الطريقة التابع لها المتوفى، إذ يأتى المريدون من جميع أنحاء الجمهورية، الصعيد ومحافظات الوجه البحرى والمحافظات الحدودية أيضًا، والسبب فى ذلك أن «المريد يسعى بمشاركته فى حضرة الميت إلى أن يشارك الباقى فى حضرته إذا توفى، فيزيد العدد وتتحقق له الشفاعة».
من جهته، قال الشيخ علاء الدين أبوالعزايم، عضو المجلس الصوفى الأعلى، إن هذه الحضرة تسمى حلقة ذكر، وتقام للمتوفى من أتباع الصوفية أو لشيوخهم، ويتم فيها ترديد الأذكار والأوراد الدينية بكثافة بغرض الاستغفار للمتوفى.
واعتبر «أبوالعزايم» أنها لا تخالف الشرع الإسلامى، وقال: «كل ما يُقال ويُردد فيها موجود فى الكتاب والسنة، فشيوخ الصوفية يخافون كل الخوف من مخالفة الشريعة الإسلامية الغراء».
وأضاف: «الحضرة تشهد مشاركة علماء الطريقة وأتباعها وشيخها أيضًا، وكل من يستطيع المشاركة، إذ إنها تمثل ثوابًا يُعطى للمتوفى وشفاعة له، خاصة أنه يتم ختم القرآن كله وترديد مئات الأدعية من الاستغفار، موهوبة لهذا المريد أو الشيخ المتوفى». ورأى أن «حضرة الوداع» لا يهاجمها إلا المتشددون، مؤكدًا أنه لم يسجل أى اعتراض من الأزهر الشريف أو علمائه عليها، لأنهم «يعلمون جيدًا حقيقة هذه الأذكار وأنها لا تخالف شرع الله».
وعن شرعية هذا الطقس الصوفى، قال أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه لا يوجد فى الإسلام ما يسمى بـ«حضرة الوداع»، لكن «المجلس أو الاجتماع الصوفى إذا كان يتم فيه ترديد أدعية وأذكار وقرآن، بما لا يخالف شرع الله، فلا حرج فى ذلك».
وأضاف: «إذا تم فى هذه الحضرة، قراءة أوراد أو أدعية غير موجودة فى الكتاب أو السنة أو الشرع الشريف، فهى بالتأكيد مخالفة للإسلام ويجب منعها وعدم إقامتها».
وأقر «كريمة» بأنه من هواة حضور حضرات الطرق الصوفية، إلا أنه ــ وفق كلامه ــ لم يشارك فى أى «حضرة وداع» لأنه لم يدع لها ولم يرها فى أى جنازة لشيخ طريقة صوفية، وعلى ذلك لا يعلم أسرارها.