رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سويسرية من دراويش «الرفاعي»: لا غنى عن الصوفية لنشر السلام - حوار

جريدة الدستور

الثعابين قادتها لحضرات الطريقة.. وترى القاهرة غنية بتنوع ثقافى استثنائى
- لست متصوفة وأشعر بالراحة بين المريدين.. الإعلام شوّه الإسلام.. والغرب لا يعلم شيئًا عن التصوف


بملامح أوروبية بسيطة، تجلس «سيلين بورناند» وسط المريدين فى الموالد، لا تختلف هيئتها عن البسطاء والمحبين، إذ تلتحف بالعمامة والشال، وتجاور أهل المدد وتشاركهم طقوسهم فى الاحتفالات. ولم تكن الباحثة والرسامة والمصورة السويسرية، تدرك أن مجال دراستها فى «الأنثروبولوجيا»، سيأخذها بعيدًا إلى ما لا يمكن أن تتصوره يومًا، بالبحث عن الرفاعى والثعابين والسحر والطرق الصوفية، فاستدرجها شغفها وتعلقها بمجال دراستها إلى حب التصوف، وهو الأقرب إلى «البروتستانتية»، الطائفة التى تتبعها.

درست «سيلين» الأدب الإنجليزى وتاريخ الفن والسينما فى «لوزان»، بعد تخرجها فى كلية الفنون الجميلة، من جامعة «جنيف» للفنون، ورغم بُعد مجال دراستها عن الطريقة الرفاعية التى ينتشر أتباعها فى الشرق الأوسط، إلا أنها تعلقت بهم وبطرق ترويضهم للثعابين، الأمر الذى جعلها تختار مصر لتدرس بها واقع الطريقة الرفاعية، ومؤسسها الشيخ أحمد بن على الرفاعى، الملقب بـ«أبوالعلمين».

«الدستور» التقت الباحثة، على هامش احتفالات مولد الرفاعى، مؤخرًا، للحديث عن سر هذا التعلق والاختيار.

■ بداية.. ماذا عن حياتك ودراستك؟

- ولدت فى «لوزان» بسويسرا، وأعيش وأعمل فى برلين، وفى ٢٠٠٩، تخرجت فى كلية الفنون الجميلة من جامعة جنيف للفنون، ودرست الأدب الإنجليزى وتاريخ الفن والسينما فى «لوزان»، وأحب الأبحاث والرسومات والصور الفوتوغرافية، وأبحث دائمًا عن الاختلاف، وما وراء العلاقات والأحداث فى أطر ثقافية متنوعة، والموضوعات المتعلقة بالتراث والحكايات الأسطورية، خاصة فيما يتعلق بالبصريات.
وأسست مع فنانين من الأصدقاء، جماعة تسمى «كولكتيف راتس»، ومنذ ذلك الحين، أسافر إلى سان فرانسيسكو ومدريد وباريس وبرلين، ومؤخرًا فى القاهرة، والآن أنا مهتمة بالماجستير الخاص بى فى الأنثروبولوجيا البصرية والإعلامية فى جامعة «فرى» ببرلين.

■ كيف كانت زيارتك لمصر؟

- زرت مصر ٣ مرات، والزيارة الأخيرة استغرقت ٦ أشهر، للتعرف على «الرفاعية»، الجماعة الصوفية المهتمة بالثعابين، واهتمامى بزيارة مصر يعود للتنوع الثقافى الاستثنائى بها، أو بالأحرى الطبقات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة بها، خاصة أن تلك الاختلافات الجذرية بين الطبقات الاجتماعية تولد عوالم مختلفة وتتعايش مع بعضها، وفى القاهرة توجد اكتشافات مذهلة، والكثير من التحدى العاطفى والفكرى.

■ كيف بدأت رحلتك مع التصوف؟

- لا أعلم إذا ما كنت صوفية أم لا، لكنى أشعر بالراحة وسط المريدين، وأعتبر نفسى محبة للتصوف، ووصلت له من خلال دراستى، وبحثى عن «الثعابين».
فى أوروبا هناك عيد سان دومينيكو، وهو طقس يمزج بين الطقوس الوثنية القديمة والطقوس المسيحية، وفى مصر أتباع الرفاعية يهتمون بالثعابين، وعندما بدأت رحلتى فى مصر بحثًا عن الثعابين، لم أكن أعلم شيئًا عن التصوف، وبدأت أسأل عن الجماعة المهتمة بالثعابين، وعلمت أنهم يتبعون الطريقة الرفاعية، فبدأت أحضر الحضرة ثم الموالد، ثم لاحظت قدرة أتباع الطريقة الرفاعية على إخضاع الثعابين والعقارب، عن طريق الأذكار والأوراد القرآنية وأقوال النبى محمد.

■ هل تعرفين شيئًا عن منهج الطريقة الرفاعية؟

- هى إحدى أشهر الطرق الصوفية الموجودة فى مصر، التابعة للدين الإسلامى والمذهب الشافعى، وتطبق تعاليم الرسول محمد، ومؤسسها هو الشيخ أحمد بن على الرفاعى، صاحب لقب «أبوالعلمين»، ولهم طقوس مختلفة يتخصصون فيها عن غيرهم، كالتعامل مع الثعابين.

وكان لدىّ شغف فى التعرف أكثر على تلك الجماعة فى رحلة ممتعة، فأنا عشقت أعمال الطريقة الرفاعية التى ينتشر أتباعها فى الشرق الأوسط، خاصة فى العراق ومصر وسوريا وغرب آسيا، وهم متصوفون فى حب الإله، ويتميزون براياتهم السوداء عن باقى الفرق الصوفية فى مصر والعالم، وبرغم أنى علمت أن متصوفى الرفاعية ينتشرون فى أوروبا لكنى لم أقابل أحدًا منهم.

■ ماذا يعرف الأوروبيون عن التصوف؟

- معظم الأوروبيين خائفون من الإسلام بسبب الإعلام الذى يربطه بالتطرف، ولا أحد منهم يعرف معنى أو مفهوم التصوف، رغم أنه بعيد عن الإرهاب، فالإعلام يصدر صورة وكأن الإرهاب الذى يحدث فى العالم كله سببه المسلمون، ولم يكن يفرق بين المتشددين وبين المتسامحين والمسالمين.

■ وما الذى وجدته فى التصوف؟

- التصوف جزء أساسى فى التراث الإسلامى، وأجمل ما يميز الصوفيين بساطتهم فى التعامل مع الناس، برغم أنهم لم يعرفونى، وشكلى مختلف عنهم، إلا أنهم يرحبون بى دائمًا بحفاوة شديدة، مع أنهم يعلمون أننى مسيحية، ولم أكن مسلمة أو متصوفة مثلهم.

وعرفت أن التصوف هو الجانب المسالم فى الإسلام، ومع غياب القيم النبيلة كالتسامح والصفاء والزهد والمحبة وانتشار البغض والشحناء، وفرض منطق القوة وغياب معانى التضامن، فى بعض المجتمعات، يصبح لا غنى عن التصوف، فى إشاعة التسامح والبساطة بين الناس، ليعود الارتياح النفسى الذى غاب عن البشر، وخاصة فى أوطاننا، التى تعانى ويلات حروب وفتن يشعلها مدّعو التدين وأنصاره، وبالتالى تحقيق السلام العالمى.

■ هل حاولتِ تصحيح المفهوم من خلال ما رأيته بنفسك؟

- أحيانًا، لكن هناك بعض الأصدقاء الذين لم يتقبلوا فكرة نزولى المولد والاحتكاك بالمريدين وسط ترديد الإعلام بأن الإسلام دين للإرهاب، بينما التصوف يعنى الحب والتواضع، ولم أحاول التبشير، بل أخبر من حولى بتجربتى الشخصية عن التصوف، فأنا حتى الآن لست متصوفة، بل محبة للتصوف فقط، وأشعر بالراحة وسط المريدين فى الاحتفالات الصوفية، وهى مرحلة تسمى «الاستقبال».

■ هل حاولتِ التواصل مع الأزهر الشريف لمعرفة المزيد عن التصوف من خلال الأكاديميين؟

- لا.. لا أعلم إذا ما كانت هناك دروس لغير الناطقين باللغة العربية متخصصة فى الشأن الصوفى، لكنى أفضل التجربة الحية من خلال الاحتكاك والتعامل مع المتصوفة، وأسعى لتعلم اللغة العربية لتسهيل عملية البحث والتعلم.

■ ما الفروق التى وجدتِها بين مذهبك والتصوف؟

- جدّى قسيس وكاهن بروتستانتى، وكان تعليمى بروتستانتيًا، هناك اختلاف بالطبع، لكنى علمت من الصوفية أن لا فروق ونحن نفهم بعضنا البعض ونتقبل بعضنا، والبروتستانتى جاء للإصلاح والبساطة والمسئولية الشخصية أمام الله، المعبود الواحد.