رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«عصابات الإرهاب».. كيف ينضم البلطجية واللصوص للجماعات المسلحة؟

تنظيم داعش - أرشيفية
تنظيم داعش - أرشيفية

* «عصابات الإرهاب».. كيف ينضم البلطجية واللصوص للجماعات؟
* «مبايعو داعش» ملاذ اللصوص الفارين من غزة
* «الشواكيش».. ذراع الجماعة الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات
* خبيرة نفسية: طريقتان لانضمام البلطجية والمجرمين للتنظيمات


ظهر في صفوف "مبايعو داعش" بسيناء خلال الفترة الأخيرة، عدد من اللصوص والبلطجية، وهي أحد تشوهات تلك التنظيمات الإرهابية –وما أكثرها-. ولعل ظهور تلك العناصر الإجرامية في صفوف "مبايعي داعش"، يفضح حقيقة أهداف تلك العناصر، التي تدعي الانتساب للإسلام والتحدث باسم الدين.

يطرح هذا الأمر علامات استفهام كثيرة حول التحولات التي دفعتهم للانضمام للتنظيمات الإرهابية، وما هي طرق استقطابهم ؟، ولماذا تلجأ تلك الجماعات لضمهم من الأساس إليها؟

وتكشف انضمام عناصر إجرامية لـ "مبايعي داعش"، خلال إصدار مرئي للتنظيم الإرهابي، يقتل فيه أحد عناصره يدعى "موسى أبو زماط"، بزعم تنفيذ حد الردة عليه، لعلاقاته بحركة حماس، وتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة.

الإصدار المرئي بقدر ما يحمله من دلالات كثيرة على مستوى التركيز على اتهام حركة حماس بـ "الردة" وعدم جواز تهريب السلاح إليها أو التعامل معها، فإنه يلقي الضوء بشكل كبير على تشوهات هذه العناصر الإرهابية، وتركيبتها. لم تمر ساعات قليلة على انتشار هذا الإصدار، إلا وتبين أن المتحدث الرئيسي فيه وكنيته "أبو الكاظم المقدسي" هارب من غزة باتجاه سيناء، بعد ملاحقته من الأجهزة الأمنية هناك.

مصادر فلسطينية كشف في حديثها لـ "أمان"، معلومات مهمة عن "المقدسي" يمكن أن ترسم طبيعة العناصر التي تنضم لـ "مبايعي داعش". وقالت المصادر، إن "المقدسي" اسمه الحقيقي هو "حمزة عادل الزاملي"، فلسطيني الجنسية، من مواليد عام 1992، ويقطن في شارع الغربية في رفح الفلسطينية.

المفاجأة كانت أن "الزاملي" متهم في قضايا أخلاقية وسرقات خلال تواجده في غزة، قبل الانتقال إلى سيناء والانضمام إلى "مبايعي داعش". وأضافت المصادر، أنه متهم بسرقة قطع سلاح من فصائل بالمقاومة المسلحة.

ونقلت مواقع إليكترونية فلسطينية رقم هويته في غزة، وتورطه في السطو على أحد المحال التجارية لعائلة زعرب في رفح، واستدعائه للتحقيق عدة مرات لدى جهاز المباحث في رفح. وعقب ملاحقة "المقدسي" من أجهزة الأمن في غزة، قرر الانتقال إلى سيناء هربا من القبض عليه، ليستقر به الحال بين صفوف "مبايعي داعش".

حالة "المقدسي" داخل التنظيم الإرهابي في سيناء ليست فريدة من نوعها، ولكن اتضح عقب الإصدار المرئي أن "مبايعي داعش" يضم لصا آخر، نفذ عمليات سرقة بعد انضمامه للتنظيم.

ونشرت قنوات على تطبيق "تليجرام" قريبة من تنظيم "القاعدة" الإرهابي، قصة المعلق على الإصدار المرئي الذي سبق الإشارة إليه، ويدعى "أبو الليث الحرامي"، والذي اتضح أنه أيضا سرق أموال التنظيم نفسه. وذكرت القنوات، أن "الحرامي" انضم لـ "مبايعي داعش" قبل نحو 3 سنوات، قادما من محافظة المنوفية، ويبلغ من العمر نحو 23 عاما.

المفاجأة في قصة "الحرامي"، أن التنظيم الإرهابي قطع يده حينما كان عضوًا في مجلس الشورى، ونشر صورة للواقعة في منطقة الشيخ زويد، بعدما سرق حوالي ٣٠ ألف جنيه من "دكانة" التنظيم، فضلا عن سرقة ١٥٠٠ دولار من أحد العناصر من خارج مصر يدعى "أبو سليمان المهاجر".

كما سرق من مهاجرين قوقازيين 3 آلاف دولار، وتعرض للفصل من مجلس الشورى، ويعمل حاليا بالتعميم على أجهزة اللاسلكي التابعة للتنظيم الإرهابي، بحسب القنوات القريبة من تنظيم "القاعدة".

الهدف جمع المال
الدكتورة سوسن الفايد، أستاذ علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، صنفت التحولات التي تحدث لعقل الشخص المتهم بجرائم جنائية وتجعله ينضم إلى تنظيمات وجماعات إرهابية، إلى نوعين عند التطرق لهذه الظاهرة.

وقالت الفايد، في تصريحات لـ"أمان"، إن كثيرا من أصحاب الأجندات الخارجية، ينضمون لجماعات وينفذون عمليات إرهابية، عند التأكد من وجود تمويل كبير أو مبالغ مالية متاحة، وهم في الأصل مجرمين مسجلين خطر، يستخدمون تلك الأموال في استقطاب فئات أخرى معينة من الشباب المهمشين من أصحاب المشاكل النفسية والجهل والاضطرابات، ولا يملكون الثقافة المجتمعية أو الدينية حيث يغسلون أدمغتهم ويوجهوهم لخدمة مصالحهم.

وأضافت أن هذه الحالة تنطبق على المدعو "كاظم المقدسي"، الذي ظهر في إصدار "مبايعي داعش" في سيناء الأخير المسمى بـ"ملة إبراهيم"، حيث ظهر "المقدسي بدور البطولة"، رغبة في استقطاب عناصر أخرى، فهو يعلم ما يفعل من أجل تحقيق هدفه مقابل المال، ويتمتع بقوة التأثير وإقناع الآخرين من أجل "اصطياد فريسته".

وهم تكفير الذنوب
ولفتت الخبيرة النفسية، إلى أن النوع الثاني من الإرهابيين الذي يتمثل في "المسجلين خطر"، أو اللصوص الذين يتم استقطابهم وتحويلهم من قبل الجماعات الإرهابية، وإدخالهم في صفوفهم بالفعل، وإيهامهم أن الانضمام إليهم وتنفيذ عمليات إرهابية يغفر لهم ما سبق من ذنوب، حيث يكون الخطاب "المتأسلم"، صاحب قوة وتأثير كبيرين.

وبالتفتيش في تاريخ الجماعات التي مارست عنفا خلال القرن الماضي بمصر، يتضح أن مسألة انضمام لصوص والبلطجية إلى تلك الجماعات، كانت سمة أساسية لتوظيف تلك العناصر لصالحها، وتحديدا لدى الجماعة الإسلامية.

الأمثلة كثيرة إلى حد صعوبة ذكرها كاملة، ولكن "أمان" توصلت إلى روايات حقيقة شهيرة عن استعانة جماعات مسلحة بـ "البلطجية"، بعد لقاء مع عدد من المعتقلين السابقين.

بلطجية في صفوف الجماعة الإسلامية
ويعتبر "سيد أبو بلال"، أحد معتقلي الجماعة الإسلامية في سجن الوادي، من هؤلاء البلطحية الذين استعانت بهم الجماعة، ويحكي أحد زملائه السابقين في السجن، أنه كان سليط اللسان خلافا لباقي أعضاء الجماعة.

وقبل انضمام "أبو بلال" للجماعة الإسلامية، كان يمارس البلطجة في مسقط رأسه بمحافظة المنيا، وظلت ممارساته حتى بعد الانضمام للجماعة بل وداخل السجن أيضًا.

وكان قوي البنية لدرجة فرض سيطرته على زملائه في السجن، حتى أن أغلب أعضاء الجماعة كانوا يخشون الصدام معه بسبب أسلوبه أو السباب المتواصل، حتى تدخل بعض القادة وأمروا الجميع بمقاطعته كنوع من العقاب له.

نموذج آخر لانضمام بلطجية إلى الجماعات المسلحة، وهو "هشام عبد العزيز"، والذي كان يقطن في منطقة عين شمس.
وباشر فرض سيطرته على منطقة ألف مسكن تحديدا حتى بعد انضمامه للجماعة الإسلامية، وكان يدها في السيطرة على المنطقة، حتى توفى في السجن بعد إصابته بالسرطان.

أحمد قرني هو نموذج ثالث للبلطجية، وكان شهيرا في محافظة القاهرة بمعاركه مع بلطجية آخرين، والتدخل لحل الخلافات تحت عباءة الدين.

وبحسب مصادر لـ "أمان"، فإن أكثر هذه النماذج كانت في صفوف الجماعة الإسلامية، لممارسة من خلالهم نفوذ وسطوة على المناطق التي يتواجدون فيها.

تبادل المنافع
وقالت المصادر لـ "أمان"، إن انضمام البلطجية للجماعة المسلحة في الثمانينيات والتسعينيات، كان هدفا مشتركا بين الطرفين، الأول يمارس البلطجة بشكل معتاد ولكن هذه المرة بحكم أنه شيخ، والثاني كان يحتاج إليهم في السيطرة على الأهالي والعائلات لأنهم كانوا بارعين في "خناقات الشوارع" ومواجهة الشرطة ومعرفة كل شيء عن الضباط.

المتحولون
من جانبه، قال الدكتور جمال فرويز، طبيب نفسي، ورئيس اللجنة النفسية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، إن انضمام العناصر إلى الجماعات المسلحة، يكون عن طريقين، الأول: "المتحولون من الاتجاه اليساري المتشدد" إلى اليميني الإسلامي الأكثر تشددًا، وهم بالضرورة ليسوا لصوصا أو مسجلين جرائم جنائية، ضاربًا المثل بـ"عاصم عبدالماجد"، القيادي الهارب بالجماعة الإسلامية.

وأشار فرويز، في تصريحات لـ"أمان"، إلى أن "عبدالماجد"، وزميل له يدعى "القرد"، كانا طالبين في كلية الهندسة، ومعرفين بتوجههما "الشيوعي"، ثم تحولا إلى "اليمين الإسلامي المتطرف" بالانضمام إلى جماعات إسلامية، لافتًا إلى أن هؤلاء الأشخاص يعانون من اضطرابات كبيرة في الهوية السياسية.

أما الطريق الثاني، وهو حالة قطاع الطرق أو الصوص، وهؤلاء يعانون من اضطراب شديد في الشخصية، فهذه الشخصية "السيكوباتية" التي يمتلكها، والتي تخلو من المشاعر والأحاسيس والأخلاقيات، ولديهم سلبية مطلقة في التعامل مع الآخرين، وحينما يتحدث إليه أحد عن الدين ومس جزء من قلبه دائما يعمل عملية تعويض عن السنوات الماضية في القمار والسرقة والنساء وغيرها.

الجهل وسهولة الانقياد
وأوضح أن هذه الشخصيات يسهل اقتيادها، قائلا: "دائما يأخد هذا الشخص الاتجاه المضاد في تصرفاته، لعدم وجود خلفية تساعده عن التحدث والمناقشة بخلفية دينية، لذلك من يستميله يدفعه للموقع الذي يريده بسهولة".

ولفت إلى أن "اللصوص المنضمين للجماعات" لا يملكون خلفية دينية أو ثقافية تساعدهم ماذا يريدون أو يحتاجون؟، فتستغلهم الجماعات بأن خطتها قتل "الجيش والشرطة والأقباط والمدنيين في الدولة"، وهو سبيل العمل الصالح والتوبة باعتبار أن هؤلاء السابقين "كفار ومرتدين"، وأن قتله في الوقت الحالي يختلف عن العمليات التي كان يقوم بها في الماضي، لأن هذه المرة يموت "في سبيل الله"، وأن تفجير نفسه "توبة ثوابها الحور العين في الجنة يغسل بها كل ذنوبه".

وتطرق الباحث في الحركات الإسلامية، ماهر فرغلي، إلى مسألة البلطجية في الجماعة الإسلامية، وتحديدا في محافظة المنيا، إذ تحدث عن مجموعة تدعى "الشواكيش" التي كانت تتبع الجماعة الإسلامية في كتابه "الخروج من بوابات الجحيم".
فرغلي أخذ يقص عن "الشواكيش" وممارسات البلطجة التي كانت تلك المجموعة تنفذها، وتحيط بأمير الجماعة في المنيا علي عبد الفتاح.

هذه المجموعة بحسب ما ورد في الكتابة، كانت مهمتها تنفيذ مهام محددة بتكسير محالات تجارية وفرض سطوة الجماعة الإسلامية في المنيا آنذاك.

وقال: "شواكيش المنيا" كانوا يحيطون بأمير الجماعة علي عبد الفتاح الرجل القوي، الضخم الجثة الذي نسج الناس حول شجاعته الأساطير، الشيخ عليّ ضرب أحد المجرمين والشبيحة وهو مقبوض عليه في داخل مركز الشرطة، لقد علق جزارًا على عمود نور بجوار المسجد لأنه شتم أختًا مسلمة".

بلطجية أوروبا
يعلق أحمد كامل البحيري، الباحث في شئون الجماعات الإرهابية بمركز الأهرام، بأن التحولات من عناصر إجرامية إلى عناصر متطرفة ظهرت بشكل كبير جدًا حتى في الأحداث الأخيرة شهدناها في أوروبا، مثلًا منفذ حادث الدهس بمدينة "نيس"، في يوليو 2016، محمد لحويج بوهلال، الذي تورط في خمسة جرائم جنائية تتعلق بالسرقة والعنف، قبل تنفيذ العملية، وشهدنا وقائع مشابهة في ألمانيا لإناس لهم سجل إجرامي وكانوا مدمنين وتحولوا إلى عناصر إرهابية تولت تنفيذ العمليات، ثم تحول منهم إلى أن أصبحوا قيادات داخل التنظيمات.

وذكر البحيري، في تصريحات لـ"أمان"، أن التحول جزء منه "سيكولوجي" له علاقة بأبعاد نفسية بعملية التوبة أو غيره، حيث لجوء التنظيمات الإرهابية إلى استتابة هذه العناصر أو غيرها والحديث معهم حول الانضمام إلى تلك التنظيمات مما يؤدي إلى مغفرة أو محو ذنوبهم السابقة، للقيام بأعمال جهادية كبرى بناء على منطلقاتهم الفكرية.