رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبوالأعلى المودودى.. المعلم الأول للتكفير فى القرن العشرين

جريدة الدستور

يمثل أبوالأعلى المودودي المرجع الأساسي، والأب الروحي للجماعات الإسلامية المتطرفة، ليس في شبه القارة الهندية وحدها، بل امتد تأثيره لجميع الدول الإسلامية، ويمكن اعتبار منهجه بذرة التكفير في القرن العشرين، وكان له أبرز الأثر في تكوين فكر سيد قطب، وحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.

وقد شهد بنفسه على هذا التأثير العميق، عندما أمسك بيده كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب، فقال للمحيطين به: "كأني أنا الذي الذي ألفت هذا الكتاب".

أستاذية العالم

أسس المودودي الجماعة الإسلامية في باكستان، معتبرا أن الإسلام لا يقوم إلا عن طريق (جماعة) وصفها بأنها صالحة مؤمنة، فقال في مجلته "ترجمان القرآن": "دعوتنا للعالم بأسره أن يعني ويهتم بإعداد جماعة صالحة مؤمنة متحلية بالسجايا والطباع التي لا بد منها لتدبير شئون الدنيا وتنظيم أمور العالم".

وقال عن هذه الجماعة: "لا بد من وجود جماعة صادقة في دعوتها إلى الله، جماعة تقطع كل صلاتها بكل شيء سوى الله وطريقه، جماعة تتحمل السجن والتعذيب والمصادرة، وتلفيق الاتهامات، وحياكة الأكاذيب، وتقوى على الجوع والبطش والحرمان والتشريد، وربما القتل والإعدام، جماعة تبذل الأرواح رخيصة، وتتنازل عن الأموال بالرضا والخيار".

وربما كانت هذه الفكرة نفسها التي انطلقت منها جماعة الإخوان، ومن بعدها كل الجماعات التكفيرية والمتطرفة فيما بعد، ويمكن تلمس ذلك عند كل من حسن البنا وسيد قطب.

ويمكن تلمس هذا التأثير أيضًا في ذلك التناص- التشابه- بين الفقرة الأخيرة للمودودي ومقولة حسن البنا: "أيها الإخوان... إذا فتحت لكم السجون وعلقت لكم أعواد المشانق فاعلموا أن دعوتكم بدأت تثمر".

وعن أستاذية العالم قال حسن البنا في رسالة "إلى أي شيء ندعو الناس": "سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة، وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس".

وقال سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق": "تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية لا بسبب التهديد بالفناء المعلق على رأسها فهذا عرض للمرض وليس هو المرض.. ولكن بسبب إفلاسها في عالم (القيم) التي يمكن أن تنمو الحياة الإنسانية في ظلالها نموا سليما وتترقى ترقيا صحيحا".

الجماعة هي الإسلام

يعتبر المودودي أن الجماعة الإسلامية التي أسسها هي الممثل الرسمي للإسلام، وغيرها لا شيء لأنها هي التي تقوم على حراسة الدين والدنيا، وأنه لا صلاح للعالم بدونها فيقول في كتابه "تذكرة يا دعاة الإسلام":
"ثبت لنا باليقين والبرهان والمشاهدة أنه لا أمل في صلاح العالم، ولا رجاء في استقامة الأمور على موازين الرشاد والحق ما دام أولئك الطغاة المنحرفون عن الله ورسوله يتصرفون في شئون الملك، ويديرون أموره ويشرفون على جليلها وصغيرها، فمن مقتضيات إسلامنا وعبوديتنا الخالصة لله الواحد الأحد أن نجد ونجتهد، ونبذل الجهود المتواصلة والمساعي المتتابعة للقضاء على زعامة أئمة الكفر والضلال واجتثاث النظم الباطلة من جذروها، وإحلال الإمامة العادلة والنظام الحق محلها".

وهي الفكرة نفسها التي استلهمها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان في كتابه "مجموع الرسائل"، الذي قال في رسالة إلى الشباب تحت عنوان: "دعوة الإخوان المسلمين أو دعوة الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري": "يا شباب: لقد آمنا إيمانا لا جدال فيه ولاشك معه، واعتقدنا عقيدة أثبت من الرواسي، وأعمق من خفايا الضمائر، بأنه ليس هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا، وترشد الإنسانية الحائرة، وتهدي الناس سواء السبيل، وهي لذلك تستحق أن يضحى في سبيل إعلائها والتبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال، وكل رخيص وغال، هذه (الفكرة) هي الإسلام الحنيف الذي لا عوج فيه ولا شر معه ولا ضلال لمن اتبعه".

والملاحظ هنا أن البنا أيضًا قد استخدم مصطلح الإسلام فكرة، وهو المصطلح نفسه الذي أطلقه المودودي على الإسلام، بل وصنف مؤلفًا فيه تحت عنوان "منهاج الانقلاب الإسلامي".

الإسلام.. والانقلاب

يعتبر المودودي أول من وصف الإسلام بأنه فكرة انقلابية، واستخدمها الإخوان من بعده وأصبحت أحد أدبياتهم، بل وصنفوا فيها مؤلفات خاصة، منها كتاب فتحي يكن: "الإسلام الفكرة والحركة والانقلاب".

وقد أكد المودودي على ذلك في مقدمة كتابه "تذكرة يا دعاة الإسلام: "دعوتنا لجميع أهل الأرض أن يحدثوا (انقلاباً) عاماً في أصول الحكم الحاضر الذي استبد به الطواغيت والفجرة الذين ملأوا الأرض فساداً، وأن ينتزعوا هذه الإمامة الفكرية والعملية من أيديهم".

الحاكمية

وقد أعاد المودودي ميراث فكر الخوارج الأولين بشكل عصري، في تجديد مصطلح "الحاكمية" الذي يعود إلى فرقة "المُحكمة" أو "الحرورية" نسبة إلى حروراء، أو "الخوارج" الذين وصفهم أبوالحسن الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين" فقال: "وهو يقصد بخروج الخارجي للتحكيم أن يحمل سيفه ثم يخرج مناديًا في الناس: لا حكم إلا لله. وكان أول رئيس لهم هو عبدالله بن وهب الراسبي الذي قاد المعركة ضد علي بن أبي طالب في النهروان فقتلوا هناك شر قتلة، ومن أبشع جرائمهم قتلهم عبدالله بن خباب ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن حدثهم بحديث يوجب القعود عن الفتن، فذبحوه على حافة النهر وبقروا بطن امرأته وكانت حبلى".

يقول المودودي أيضًا في كتابه "تذكرة يا دعاة الإسلام": "إننا عندما نقول إنه لا يستحق التشريع للحياة الإنسانية إلا الله، وإذا كان من دعوانا أن (الحاكمية) إنما هي حق لله وحده، ولا يجوز لأحد سواه- كائناً من كان- أن ينفذ حكمه في أرض الله بدون طاعته والتزامه بقانونه وقيامه عند حدوده، وإذا كان من عقيدتنا أن كل قانون يقضي بين الناس بدون استناده إلى ما أنزل الله، هو قانون الكفر والفسق والظلم فإنه مما يستلزم ألا تترك قضية تقرير الحق وتمييزه من غير الحق إلى حكومة حاكم نعتقده بطلان أساسه للحكم".

وعلى ذلك فإن الباكستاني أبوالأعلى المودودي يعد المُعلم الأول للجماعات التكفيرية في القرن العشرين، فعلى يديه تأسست الجماعة الإسلامية في باكستان واعتبرها الممثل الفعلي للإسلام، كما أعاد مصطلح المُحكمة، في ثوب جديد تحت اسم "الحاكمية" وابتكر مصطلحًا جديدًا لم يعرفه المسلمون من قبله، فوصف الإسلام بأنه فكرة وانقلاب، وهو ما ينفي وجود الوحي ويختزل الإسلام ليس في مجرد إنشاء دولة وقيادة تسوسهم وتحكمهم فقط.

ولهذا فقد بدأ سيد أحمد المودودي أو أبوالأعلى المودودي المولود في 25 سبتمبر 1903م، بمدينة أورنك آباد الدكن بولاية حيدر آباد الباكستانية، حياته الدعوية بالدخول إلى ميدان الصحافة عام 1918م، وفي عام 1920م كون جبهة صحفية هدفها تبليغ الإسلام، وأصدر مجلة ترجمان القرآن من حيدر آباد سنة 1933م، وكان لها الدور الأبرز في نشر أفكاره في شبه القارة الهندية.