رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الإسلام فكرة وحركة وانقلاب» لفتحي يكن

فتحي يكن والعالم
فتحي يكن والعالم الشيعي علي حسن خازم

تعتبر إقامة الدولة أبرز الأهداف التي يسعى الإخوان لتحقيقها، في دعوتهم، ولهذا اختصروا الرسالة النبوية في إقامة دولة، حتى ظن الكثيرون أن النبي صلى الله عليه وسلم، ما جاء إلا لإقامة دولة على نظام سياسي معين، وهو ما أثلج صدور المستشرقين بهذه الجماعة التي تعتبر مدخلا قويا لتحقيق ما فشلت فيه جهودهم لنفي الوحي، والرسالة عن النبي صلى الله عليه وسلم، باعتباره زعيما سياسا تارة، ومفكرا تارة، وقائد انقلاب تارة أخرى، وغيرها من تلك الصفات التي ظاهرها المدح وباطنها هدم الدين.

من تلك الأمور التي أسعدت المستشرقين اعتبار الإسلام مجرد فكرة، أو حركة، أو انقلاب، وهو ما برز جليا، في كتابات ومؤلفات الجماعة، ومنها كتاب الإسلام "فكرة وحركة وانقلاب" لفتحي يكن، والحقيقة فلم يكن فتحي يكن أول من ابتدع ذلك، لكن هناك كتابا آخر لأبي الأعلى المودودي بعنوان "منهاج الانقلاب الإسلامي"، وهو ما يؤكد أن المصطلح يعتبر فكرة متجذرة لديهم، وليست مجرد خاطرة عابرة.

يقول فتحي يكن في مقدمة كتابه: " وهذا الكتاب، صورة مصغرة للمعركة التي يخوضها الإسلام على جميع الجبهات... وهو كذلك كشف لخصائص الإسلام الفكرية والانقلابية، مقارنة بخصائص الحركات والاتجاهات العقائدية والسياسية الحديثة.."
يتكون الكتاب من 3 فصول، الفصل الأول بعنوان "الإسلام المبدأ والتطبيق"، ويدور حول 4 محاور هي:
شبهات حول الإسلام، عوامل نشوء الشبهات، خصائص المنهج الإسلامي، الإسلام بين القابلية التطبيقية والخيالية.
أما الفصل الثاني بعنوان "الحركة الإسلامية بين الأمس واليوم، ويدور حول 8 محاور، هي:
حاجة التشريع إلى دولة، بين العمل الفردي والعمل الحركي، نشأة الحركة الإسلامية الأولى، قواعد التنظيم الحركي، منجزات الحركة الإسلامية الأولى، طلائع البعث الإسلامي الحديث، دور الحركة الإسلامية الحديثة، لمحات من تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة.
والفصل الثالث بعنوان: " الانقلابية بين الإسلام والاتجاهات الحديثة، ويدور حول 8 محاور أيضا هي:
جهل وتضليل، الإسلام مفهوم انقلابي، خصائص الانقلابية الإسلامية، الانقلابية في منهج الاتجاهات العصرية، الأهداف الكبرى لانقلابية الإسلام، الخطة الانقلابية، الطليعة المؤمنة، المناخ المناسب.

منهج الكتاب

يدور منهج الكتاب من أول صفحة حول أن الإسلام ليس وحيا من السماء- وإن لم يصرح المؤلف بذلك- بل هو مجرد فكرة وعمل حركي مثله مثل أية حركة أو فكرة أخرى، يقول المؤلف في الصفحة رقم (9): "ليس من قبيل المبالغة القول بأن التحديات (الفكرية والسياسية والغوغائية) التي يتعرض لها الإسلام في العصر الحديث تفوق- ضخامة وشراسة- كل التحديات التي واجهتها الحركات الأخرى مجتمعة".

ورغم تصريح المؤلف، فيما بعد بأن سبب صمود الإسلام أمام كل التحديات هو أنه منهج (إلهي)، ورغم كشفه نظرة أعداء الإسلام إليه على أنه ليس وحيا من السماء، إلا أن العمود الفقري للكتاب في جملته لا ينفك يتخلص مما انتقده المؤلف، واستمده من مرجعياته السابقة، التي تنظر إلى الإسلام على أنه جاء لتأسيس دولة وحاكمية العالم، باسم هذه الدولة، فقد أرجع أسباب الشبهات التي أثيرت على الإسلام في العصر الحديث بقوله: "غيبة الوجود الحركي للإسلام عن قيادة الأمة فترة طويلة من الزمن".

يقول المؤلف تحت عنوان "الانقلابية الجذرية لا الترقيع" في الصفحة رقم (21) :
"ومن خصائص الإسلام أنه منهج انقلابي جذري، فهو يرفض أرباع الحلول وأنصافها، ولا يستسيغ التعايش مع الجاهلية، ويأبى الترقيع.. ولقد صدع الإسلام في عهد النبوة كل محاولة لمساومة أصحابه، واستدراجهم لقبول بعض الحلول، أو التنازل عن بعض الحق".

ويقول في صفحة (36): وإذا كان المنهج الإسلامي- التجربة الوحيدة- في حياة الإنسانية التي برهنت عن أصالتها وعمقها، والتي حققت النجاح وبلغت الكمال، فقد بات على الأمة أن تلتمس بواعث نهضتها، وعوامل قوتها وطريق وحدتها، وحريتها تحت راية الإسلام المجيدة، وفي ظل قيادته الكريمة الرشيدة".
ثم يقول: إن نظرة الإسلام تفرض قيام البناء، كل البناء، من أصغر لبناته إلى أضخم أعمدته وأساساته، وفق هندسة الإسلام وأصوله وخصائصه، وهذا يتطلب من التكاليف ما يعجز عنه الأفراد، ولا يقوى على النهوض به مع الجهد الشاق، إلا (تنظيم حركي) تتوافر لديه الكفايات الفكرية والفنية والمادية، ويتوفر في أتباعه الوعي والجرأة والإخلاص".

فماذا يا ترى، يكون هذا (التنظيم الحركي) الذي يتحدث عنه المؤلف، سوى جماعته التي تمثل دولة خفية باطنية في كل الدول التي توجد فيها؟!!

وللتأكيد على هذا المبدأ- مبدأ أن الإسلام دولة، وهي دولة الإخوان- يقول:
"والإسلام في محتواه (القانوني) ومضمونه (التشريعي) لا يمكن أن يتخطى النطاق النظري إلى الواقع العملي دون أن تكون له (دولة) تحتكم إليه وتصدر عنه في كافة شئونها".

ثم يأتي إلى مربط الفرس فيقول:
"وغياب الوجود (الحكومي) للإسلام يؤكد- كذلك- ضرورة قيام تنظيم حركي يكون من مبررات وجوده تحضير كل المستلزمات والمقومات التي يتطلبها قيام الحكم الإسلامي".
ولا شك أن التنظيم الحركي الذي يتحدث عنه المؤلف هو جماعته التي يوجه إليها الكتاب، باعتبارها تمثل الإسلام في العصر الحديث، كما زعم حسن البنا في مذكرات الدعوة والداعية التي قال فيها "الإخوان المسلمون دعوة الإسلام في القرن الرابع عشر".

ويأتي إلى مبررات ذلك ويعتبر أن النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه في تأسيس التنظيم الحركي، فيقول في صفحة (42):
"ولقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم من أول يوم أن تكاليف العمل الإسلامي ضخمة وشاقة، وأن عليه أن يعد لحملها وما وسعه الإعداد، وأن نظرة سريعة إلى المنهج الذي اعتمده الرسول صلى الله عليه وسلم في التحضير لبناء المجتمع الإسلامي وقيام (الحكم) الإسلامي تكفي للتأكيد على أن أسلوب العمل الجماعي والتنظيم الحركي هو النهج الأسلم والأسلوب الأقوم".

والعجيب أن فتحي يكن حينما أراد أن يستعرض الحركات الإسلامية التي سارت على هذا الخط باعتبارها النموذج الأمثل للفكرة الإسلامية التي يتحدث عنها أشاد بالحركة الإسلامية في إيران التي أسسها (نواب صفوي) فقال:
" وقد قيض الله للحركة حينئذ شابا متوقد الإيمان والحماس، يبلغ من العمر 29 عاما، درس في مدينة النجف بالعراق، ثم عاد إلى إيران ليقود حركة الجهاد ضد الخونة المستعمرين، أسس (نواب صفوي) حركة (فدائيان إسلام) التي تؤمن بأن القوة والإعداد هي السبيل الوحيد لتطهير أرض الإسلام من الصهيونية والمستعمرين، ولنعد بالذاكرة إلى عام 1948 إبان الحرب الفلسطينية حين لبس رجال جماعة (فدائيان إسلام) الأكفان، واستعدوا للزحف إلى فلسطين، لكن توقيع الهدنة أعادهم"!!.

تكشف هذه الفقرة وحدها من الكتاب العلاقة الوطيدة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الثورة الخومينية في إيران، واعتبار أنها تمثل فكرة تطبيقية للإسلام الحركي.

ويطالب المؤلف بالتماس حركة نواب صفوي وتجربته في بلاد العرب، فيقول:
"فهل لإيران اليوم من (نواب)، بل هل لزعماء العرب وقادتهم أن يتعظوا فيحفظوا لأمثال نواب وإخوانه جهادهم ومواقفهم؟؟".

ثم يأتي إلى حركة الإخوان في مصر فيقول:
"وفي مطلع القرن العشرين كانت مصر، بل العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه مع مجدد جليل من مجددي الدعوة الإسلامية، وباعثي حركتها، ذلك هو الإمام الشهيد حسن البنا نضر الله وجهه، ولقد تميزت حركته بوضوح الغاية، وشمول الفكرة كما تميزت بالواقعية والتخطيط".

وبعد استعراض رؤيته لحركة الإخوان المسلمين والثناء عليها باعتبارها الحركة الانقلابية التي تمثل الإسلام، كتب تحت عنوان " الإسلام منهج انقلابي":
"فالإسلام منهج حياة، هكذا يجب أن يفهم، وهكذا يجب أن يطبق، وهو ثورة وانقلاب، وثورة لا تقتصر على جانب من جوانب الحياة، وإنما تمتد إلى كل جانب، وانقلاب لا تعبر عنه كلمة أو شعار، بل هو تحويل كيفي للمجتمع وتغيير جذري لقواعده وأصوله، فالانقلاب الإسلامي لا يتحقق بتغيير نظام أو تعديل دستور ولا يتم برفع راية وإذاعة بيان، وإنما يتحقق ويتم باستكمال المقومات والفعاليات والخصائص الإسلامية في شخصية الأمة، يتم تقويم التصورات- كل التصورات- وخضوع التصرفات- كل التصرفات- لهذه القوامة والحاكمية".

نقد الكتاب

رغم أن المؤلف سعى في بداية كتابه، لمحاولة الرد على من اعتبروا أن الإسلام ليس وحيا إلهيا، إلا أنه وقع في هذا المنزلق الخطير الذي لا يليق وصف الإسلام به، من عدة زوايا:

أولا: منذ بداية اختياره عنوان الكتاب (الإسلام فكرة وحركة وانقلاب)، فكون الإسلام فكرة ينسف مسألة الوحي والنبوة، وهو ما يؤيد نظرة المستشرقين إلى النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره مجرد مفكر أو فيلسوف، وليس نبيا يوحى إليه، وكأنه اخترع هذا المنهج من عنده.

ثانيا: وصف الإسلام بأنه عبارة عن حركة، والحركة لا تكون إلا من تخطيط بشري مبني على اجتهادات شخصية لزعيم أو قائد، يعتمد على المراواغة والمداهنة والموازنات لتحقيق مصالح الحركة بغض النظر عن نصوص الشرع.

ثالثا: مصطلح "انقلاب"، في حد ذاته إهانة للمنهج النبوي، لأن الانقلاب لا يكون إلا لغاية واحدة وهي التمكين السياسي، والهيمنة المصحوبة بالقوة، فهل كان هدف الوحي الإلهي تحقيق ذلك؟ وهل هذه هي غاية الرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، واقع الأحداث ونصوص الشرع كلها تنفي ذلك، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى لعمل انقلاب، لقبل ما عرضه عليه المشركون في مكة المرة والمرة، دون تعب أو عناء أو مشقة، ولكنه كان يعلم أنه جاء لهداية العباد وليس لحكمهم، وأن الحكم لاحق ولا سابقا للدعوة، فحينما جاءه وفد من مشركي مكة يعرضون عليه المال والإمارة، كما أخبرنا القرآن الكريم كانت إجابته في قوله تعالى في سورة الشورى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) أي القرابة الرحم الذي يجمعه ببطون مكة- كما ذكر المفسرون-.

رابعا: هل جاء الإسلام ليؤسس دولة فقط؟ وهل كانت غايته أن يصل المسلمون إلى الحكم؟ أم أن غاية الإسلام شيئا أعمق من ذلك بكثير؟