رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قوة الانتشار فى المسرح الاستراتيجى!


فى هذه الأثناء يتصاعد الحديث عن إلغاء معاهدة السلام بين مصر إسرائيل وهو ما أرى أن الحديث عنه مبكر، وأن من ينادون به لا يدركون حقيقة الموقف، وأنهم لا يقدرون ضرورة التحرك التدريجى لتحقيق المطالب، وضرورة توفير المناخ الدولى المناسب قبل كل تحرك رئيسى.

تميز الربع الأول من عام 2014 بتغييرات استراتيجية واضحة لا شك أن لها جذوراً سابقة ولكنها تبدو الآن أكثر وضوحاً على الأرض، فهناك تغيير من جهة فى العلاقات المصرية الروسية، ومن جهة أخرى فإن لمصر تحركات فى محيطها العربى والأفريقى لا بد أن يكون لها تأثيرها فى المستقبل، ولا يتعلق هذا التأثير باستقالة المشير عبد الفتاح السيسى من وزارة الدفاع ليترشح لرئاسة الجمهورية، فى حين يمكن له حين يتوصل إلى مقعد الرئاسة أن يكمل مجهوده لتحقيق تصور جديد لأوضاع مصر الاستراتيجية. ولا يعنى ما سبق رسم صورة وردية للمستقبل فنحن لا نعمل وحدنا، وهناك من يتربص بنا سواء فى الداخل أو فى الخارج، و لكن بلا شك فإن أعمالنا ستكون هى العامل الرئيسى الذى سيقرر مستقبلنا.

لا شك أن التوازن الناجم عن تمتين العلاقات المصرية الروسية يشكل مناخاً يوفر هامشاً للحركة الاستراتيجية أوسع بكثير مما كان متوفراً سابقاً فى مناخ التسليم بأن 99% من أوراق قضايانا فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، وحقيقة الأمر أننا نعانى الآن من آثار ذلك المناخ متمثلاً فى حجب الولايات المتحدة بعضاً من معونتها العسكرية وحجزها لطائرات الهليكوبتر التى أرسلت إليها لإجراء العمرات. فى ظل التوازن ربما تقوم الولايات المتحدة بإجراءات مشابهة وتسعى إلى التضييق علينا، لكنها لا تستطيع أن تنفرد بنا كما سبق أن انفردت بالعراق وبليبيا سابقاً. لكن هذا المناخ يحتاج إلى إدارة استراتيجية قادرة على الاستفادة منه وعلى تجنب مخاطره فقد أصبحت إدارة الصراع الدولى أقرب إلى السير على الحبل فى ألعاب السيرك.

تحرك مصر العربى والأفريقى مؤخراً له أثره إذ يفتح الباب أمام إمكان الحفاظ على المصالح المصرية ضد التهديدات الخارجية ويشكل نطاق أمن لمصر يمكنها من التصرف فى مجالات لم تكن متوفرة فى السنين الثلاثين الماضية، وأعنى بذلك العلاقات العسكرية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذا العلاقات التى نشأت بعد زيارة وزير دفاع جنوب السودان لمصر. فى دولة الإمارات نجد أن مصر أجرت تدريباً مشتركاً مع قوات من الإمارات، وهو ما يعنى أن قوات الدولتين يمكنما بناء على ما جرى خلال التدريبات المشتركة أن تجرى عمليات مشتركة بهدف تحقيق مصالحهما حيث يجرى استخدام وسائل الاتصال وتفاهم أجهزة القيادة بحيث يسهل تحقيق التعاون، وهكذا تصبح لدى القوات المسلحة المصرية فرصة أفضل لحماية المصالح المصرية فى كل من الخليج والمحيط الهندى، كما أن مساعدة القوات المصرية لقوات دولة الإمارات والمحافظة على مصالحها لا بد أن يساهم فى تحقيق الأمن القومى العربى وبالتالى أمن مصر.

وتردد فى التقارير الصحفية أن هناك نية لإنشاء قاعدة عسكرية لمصر فى دولة الإمارات العربية المتحدة، ولست أدرى مدى صحتها، خاصة وأن مصطلح القاعدة العسكرية قد تفاوت كثيرا فى المراجع الدولية، وأشك فى أن الموضوع يتحدث عن قاعدة بالمفهوم المتداول، والغالب أن إجراء التدريب المشترك واحتمالات التعاون العسكرى بين الدولتين يتطلب نوعاً من الوجود العسكرى المصرى فى دولة الإمارات وهو شىء لا نستطيع إلا أن نرحب به من أجل مزيد من العلاقات بين القوات المسلحة للبلدين وبالتالى بين الشعبين، وبهذا الوجود نتوقع أن تكون مصر قادرة على حماية مصالحها فى المحيط الهندى والخليج وخليج عمان وبحر العرب بشكل أفضل، وإذا أضفنا إلى ما سبق ما جرى من تدريب مشترك بين القوات المصرية وقوات المملكة العربية السعودية نجد أن قدرات مصر تتزايد فى تحقيق أمنها وفى استعادة دورها الإقليمى.

يكمل ما سبق ما جاء فى زيارة وزير دفاع جنوب السودان والتى تأثرت بالوضع هناك وحاجتهم إلى تعاون مصرى، وهو أمر يتيح لمصر استعادة جزء من دورها الأفريقى، وبالتالى المحافظة على مصالحها المائية من روافد النيل التى تمر بجمهورية جنوب السودان وما حولها، ويبدو أن جنوب السودان يرى الحاجة إلى وجود عسكرى مصرى هناك يساعد على تحقيق الاستقرار والأمن هناك، وهو ما لا بد وأن نرحب به فى مصر حفاظاً على علاقاتنا مع شعوب حوض النيل والذى تمثل مياهه شريان الحياة فى مصر.

فى هذه الأثناء يتصاعد الحديث عن إلغاء معاهدة السلام بين مصر إسرائيل وهو ما أرى أن الحديث عنه مبكر، وأن من ينادون به لا يدركون حقيقة الموقف، وأنهم لا يقدرون ضرورة التحرك التدريجى لتحقيق المطالب، وضرورة توفير المناخ الدولى المناسب قبل كل تحرك رئيسى.

هكذا فى ظل ما سبق تتضح أهمية ما صدر عن إنشاء قوة الانتشار السريع وهى خطوة جديدة فى سبيل تحقيق أمن المصالح فى تخوم الحدود المصرية.

■ خبير سياسى واستراتيجى