رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعليقًا على ما قاله هشام عطوة: نعم.. مؤتمراتنا الثقافية فرح العمدة!!!

حقًا ما قال هشام عطوة رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة.. مؤتمر أدباء مصر عرس..!!
قالها في تصريح صحفي باعتبار أن مؤتمر أدباء مصر الذين يجهزون الآن لدورته الـ٣٥.. أحد أهم معالم الهيئة الجديرة ..بالفخر !!
.......
وهذا عهدي بمثل هذه  المؤتمرات.. ليس مؤتمرات الهيئة فقط.. بل كل مؤتمراتنا الثقافية.. فرح عمدة!!
كاميرات تليفزيون لايعنيها من المولد سوى ملاحقة معالي الوزيرة وضيوفها من كبار المسئولين، ومشاركون لا يشغلهم سوى الأكل والشرب والتكريمات، ومين هيصعد إلى المنصة يقول بقين عن المثقف ضمير أمته ورأس حكمتها.. وأحضان الحبايب اللي مشفوش بعض من آخر مؤتمر ..
و......
ماذا عن القضايا الثقافية التي سيناقشها المؤتمر؟!!
ربما أيضًا كالعادة..
عنوان.. أي حاجة.. يوضع في دقائق والحبايب قاعدين بيشيشوا على القهوة..
.......
مؤخرًا داهمتني أخبار ندوة نظمها اتحاد الكتاب..عنوانها 
ليبيا رغد العيش والإبداع الأدبي؟!!!
فهمتم حاجة..؟!!
الدعوة المنشورة على السوشيال ميديا مكتظة بصور وأسماء العظماء.. رئيس يرعى ومقرر اللجنة وأعضاء اللجنة.. وأدباء.. وضيوف..و..
يا إلهي.. 
ليبيا التي تعاني من صراعات هائلة لأكثر من عقد.. ميليشيات ومرتزقة وقوى إقليمية لها أطماعها..
وأصابع قوى عالمية تعبث في الخفاء بما يخدم مصالحها..
ليبيا.. وهذا  حالها.. يكون أول ندوة تتعلق بها في اتحاد الكتاب بهذا العنوان.. رغد العيش والأدب..؟
والله لو كلفت جماعة الصحافة في أي مدرسة ابتدائية بتنظيم ندوة عن ليبيا ربما صاغ تلاميذها من شرر الحروب عبر الجغرافية الليبية، وأوجاع أدبائها عنوانا أفضل.. على الأقل مفهومًا!!!

وهل اتحاد الكتاب مؤرقًا فعلًا بالشأن الليبي؟!!
لو كان هذا حاله لبادر منذ سنوات بتنظيم مؤتمر حول تأثير مستنقع الصراعات تلك على المشهد الثقافي هناك.. والتركيز على انعكاس الصراع على إبداعات وفكر الكتاب الليبيين..
واضطرار بعضهم إلى مغادرة الوطن..
....
وقبل ذلك بعدة أسابيع.. اقترحت ناقدة أن أكون المتحدث الإعلامي لمؤتمر ينظمه الاتحاد عن أدب الرحلات..!
سألتها في دهشة:
هو لسه فيه أدب رحلات؟!!!!

زمان كان السفر شاقا.. إما مشيا أو على الإبل واستخدام السفن الشراعية...
وكان عدد المسافرين قليل جدًا.. فإن كان منهم موهوبًا في الرصد والتسجيل والكتابة الأدبية يتلقف الناس ما يكتب عن عجائب وغرائب العوالم المجهولة التي زارها..
نعم.. كانت أي قرية عالمًا مجهولًا لسكان أي قرية تبعد عنها ولو بعشرة أو عشرين كيلومترا.. فقط..!!

لذا كانت  كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية.. لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة الحية.. والتصوير المباشر، مما يجعل قراءتها متعة..
لذا ذاعت وانتشرت أعمال ابن بطوطة وماركو بولو وتشارلز داروين وغيرهم..

ومع التقدم التكنولوجي الهائل في وسائل المواصلات والسوشيال ميديا.. تراجع الشغف بأدب الرحلات.. حيث انكشف العالم بأسراره في أي مكان لكل سكان الكوكب..

أتذكر منذ سنوات التقط قمر صناعي أمريكي صورًا لرجل وامرأة يمارسان الحب فوق سطح أحد المباني إن لم تخني الذاكرة في نيويورك..!!
الخبر نقلته الميديا لكل سكان الكوكب بمجرد إذاعته..
وكما نرى.. كوارث الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا.. يتابعها أي شاب في نجعه عبر هاتفه المحمول لحظة بلحظة!!
فأي أدب رحلات نتحدث عنه الآن وننظم له مؤتمرا تهدر فيه أموال الدولة..؟!!

وعلى مايبدو هذا موسم مؤتمرات اليوم الواحد في الأقاليم الثقافية "صديق يفسر ذلك بأنه يجري تنظيم هذه المؤتمرات الآن وعلى عجل قبل انتهاء السنة المالية وإلا ستعود مخصصاتها لوزارة المالية.. ولا أدري مدى صحة ذلك"..!!

أحد هذه المؤتمرات كان في المنوفية.. ربما  كان عنوانه "الأدب الشعبي انعكاس للأدب الرسمي"..
حد فاهم حاجة..؟!
يعني أيه أدب رسمي؟!!!!!!!
أدب الأدباء الموالين للحكومة مثلًا؟
اللي أعرفه إن فيه خطاب رسمي.. متحدث رسمي.. أما أدب رسمي..!!

طيب ولو فيه أدب رسمي 
إزاي الأدب الشعبي يكون انعكاس له..!!!!!!!!!!!!!!
على قدر معلوماتي المتواضعة الأدب الشعبي فيوضات مواهب ناس مجهولين.. حاجة زي الفلكلور.. يشيع وينتشر زي أبوزيد الهلالي.. شفيقة ومتولي..
بل إن قصص ألف ليلة وليلة ..أكثر الإبداعات العربية انتشارا في العالم أدب شعبي..
والسؤال كيف يكون هذا الأدب الشعبي انعكاسا للأدب الرسمي..؟!
في مايو عام ١٩١٠.. وقبل عدة أيام من إعدام البطل ابراهيم الورداني الذي اغتال عميل الانجليز بطرس باشا غالي رئيس وزراء مصر فاض وجدان أحد المصريين بأغنية "قولوا لعين الشمس ما تحماشي ..أحسن غزال البر صابح ماشي"..
راجت الأغنية بشكل سريع في كل أنحاء المحروسة.. رآها المصريون خير وداع لبطلهم الشاب ابراهيم الورداني.. والنظام الرسمي الفاسد يستعد لتنفيذ الحكم بإعدامه..
ومن مؤلفها؟!
مواطن مصري مجهول.. قد يكون أميا؟ فكيف يكون هذا الفن انعكاسا للأدب الرسمي.. ومصر الرسمية في ذلك الوقت كان خطابها يملى عليها من قبل اللورد كرومر الذي يتلقاه بدوره من  ١٠ داوننج ستريت في لندن ؟!!!!!!!!! 
......
وليست مضحكات مؤتمراتنا الثقافية وليدة الآن.. هذا حالها منذ سنوات عديدة..

مؤتمر ملتقى الرواية الخامس الذي  نظمه المجلس الأعلى للثقافة عام ٢٠١٠.. استمرت جلساته 4 أيام .. نوقش خلاله 300 بحث، وبالتالي كان يتعين مناقشة 16بحثاً في كل جلسة!
وبالطبع لو خُصِص لكل جلسة ساعتان.. فكل بحث ينبغي أن يناقش من قبل فرسان المنصة والقاعة في أقل من ثماني دقائق!!!!!!!
 
الأمر الذي دفع ناقدنا الكبير د. محمد عبدالمطلب إلى القول: نحن لسنا في مؤتمر.. بل في سوق ..!!!". 

وما أكثر "المساخر" في مؤتمراتنا الثقافية..
في أحد الأعوام أحصيت  عبر الانترنت أكثر من 80 مؤتمراً ثقافياً نظمت في مصر والعالم العربي.. من قبل وزارات الثقافة وهيئاتها واتحادات الكتاب والجامعات.. ومؤسسات..
أما عناوين كثير من هذه المؤتمرات فمثير للشفقة.. مثل  الأدب في الألفية الثالثة.."يحدث هذا في زمن لاتزيد فيه دورة تجديد المعرفة في الكوكب علي عشر سنوات.. حيث تتلاحق التغيرات التكنولوجية المؤثرة للغاية في أنماطنا الحياتية بسرعة مذهلة.. لكن هاهي مؤتمراتنا الثقافية تستقرئ توقعات باحثينا عن أحوال الأدب في العالم.. ليس خلال عقد أو ربع قرن أو حتى عدة قرون.. بل خلال ألف عام قادمة!!".
..وأبداً لم أكف عن الصراخ في العديد من المقالات.. إن مثل هذه المؤتمرات إهدار للمال العام .. بل عنونت مقالا لي مرة بـ:    
 مؤتمراتنا الثقافية.. أكلة جمبري وشنطة !
في عام ٢٠١٤ تلقيت دعوة بـ"تنصيبي" أميناً عامًا لأحد هذه المؤتمرات.. واقترحت على من شَرفتَ بدعوتهم أن يناقش المؤتمر إحدى أقسى مشاكلنا الثقافية.. انقراض القارئ..المواطن العربي - طبقاً لتقارير اليونسكو- لايزيد معدل قراءته علي 6 قائق سنوياً.. في مقابل 12 ألف دقيقة للبريطاني!
قبل الجلسة التي ستناقش خلالها قضيتنا هذه.. هممنا بالتوجه إلى المطعم لتناول وجبة الغذاء.. فإذا بأحدهم - خبير بأحوال مؤتمراتنا الثقافية - يهمس في أذني: من الأفضل تأجيل الطعام إلى ما بعد الجلسة..
سألته في دهشة: لماذا؟ فأجاب في أسى: الناس هتاكل وتمشي.. ومش هنلاقي حد في القاعة !!!!!!!

وحتى ما اقترحته موضوعًا للمؤتمر ..أزمة التلقي..انقراض القارئ..
مجاملة لي على ما يبدو خصصت له جلسة واحدة.. مجاملة لي على مايبدو!!!.. أما باقي الجلسات.. فيمكن تبنيدها في خانة تهويمات "المثقفين"..!
 
والمشهد دوماً يتشابه في كل المؤتمرات.. احتشاد في الافتتاح.. وفضائيات تحاصر الوزير أو الوزيرة.. وكتاب جاءوا خشية أن يسقطوا من الذاكرة!!.. واكتظاظ في المطعم.. وتكريمات وشهادات تقدير من كثرتها ظننت أنها وراء أزمة الورق في بلادنا!!!
فماذا عن قاعات البحث؟
 شبه خاوية!
الحضور.. بضعة إعلاميين وباحثين من  المشاركين في المؤتمر.. والباقي موظفون  في الهيئة !!!
وماذا عن الأبحاث.. تلقى بعد انتهاء المؤتمر في أدراج النسيان.!!! 
 
............

ولن أبالغ إن قلت إنه في نفس اللحظة التي ينعقد فيها أي من هذه المؤتمرات.. وفي الوقت الذي يصرخ فيها فرسان المنصة بأن المثقف ضمير أمته!!
ثمة إمرأة تلفظ أنفاسها أمام زوجها ..أمام أبنائها.. حيث ينهال دجال عليها ضربا لتخليصها من الجن الذي يسكن جسدها..!!
وفي الوقت الذي يجتمع فيه منظمو مؤتمر أدباء مصر لتنظيم العرس.. مين المدعوين لفرح العمدة.. ومين هيصعد للمنصة.. ومين هيكرم.. وإيه نوعية الأكل..
هناك مصرية تفترش في الشارع بشوية طماطم وكام رابطة فجل وجرجير.. تكابد كل يوم  للحصول على رغيف الخبز لأبنائها.. بينما يجلس أخاها الذي نهب حقها في ميراثها الشرعي من أبيها في غرزة يحشش..!

ملايين النساء في مصر بفعل تفشي الثقافة الذكورية  يحرمن من حقوقهن.. من  ميراثهن الشرعي.. أكثر من ٨٠% من نساء محافظتي قنا وسوهاج محرومات من حقوقهن تلك وقليلات من يلجأن إلى المحاكم لإنصافهن..!
عشرات المليارات من الجنيهات نهدرها سنويا على مباخر الدجالين.. بل والكارثة أن الدجال لا يكتفي باستنزاف قروش زبونته بل يسعى إلى مضاجعتها بحجة أن علاجها يقتضي ذلك لإخراج الجن الذي يسكن رحمها..!!!
يحدث ذلك بينما مثقفونا - ضمير الأمة ورأس حكمتها في عالم تاني !!

وبالطبع.. القليل من هذه الجرائم البشعة التي يرتكبها الدجالون مع أخواتنا وبناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا يعلن عنه.. أما الكثير يظل مخفيا خوفا من الفضيحة..!!

في سبتمبر من العام  الماضي قتلت الطفلة شيماء في إحدى قرى سوهاج.. قتلها عمها بإيعاز من دجال لتقديم جثتها قربانا لمعالي الباشا الجن. .كي يتعطف ويخبرهم عن مكان كنز آثار في المقابر!!
وما أكثر أدباء سوهاج . وما أكثر أدباء الصعيد وما أكثر أدباء مصر..
فهل كتب أحدهم سطرًا واحدًا على حسابه في السوشيال ميديا حول مأساة شيماء؟!!
الله يكون في عونهم.. مشغولين في إعداد أبحاث عن التفكيكية في حوض البحر المتوسط..
والبنيوية في القرن الإفريقي..
وانعكاس الأدب الرسمي على الأدب الشعبي.. ورغد العيش في زيمبابوي ..و...

وبالطبع.. منهم.. العشرات غرقانين لشوشتهم في التجهيز لمعركة اقتناص كرسي في مولد حسن صبري خلال انتخابات الجمعة !!!
.....
نفسي قبل ما أموت أن أقرأ في الصحف عن مؤتمر ينظمه اتحاد  الكتاب.. المجلس الأعلى للثقافة.. الهيئة العامة لقصور الثقافة عنوانه "أين الأدب من جريمة مقتل الطفلة شيماء على أيدي دجال؟
بل طموحي يتجاوز ذلك إلى أن يكون العنوان: أين المثقفون.. من مقتل الطفلة شيماء في مبخرة دجال سوهاج..؟
أو أين مثقفونا من تفشي ظاهرة القبح في الشارع..في الوجدان؟
الدماغ الجمعي يعاني من اختلالات ثقافية هائلة تنعكس على حياتنا اليومية جهلا وفسادا وقبحا.
ولايكفي  أن يكتب المثقفون عن تلك الاختلالات.. فلا قيمة لأن يصدر ألف ديوان وألف رواية تلعن الدجل.. بل المهم أن ينزل المثقف إلى الشارع.. المدارس.. الجامعات.. مراكز الشباب..أن يستخدم السوشيال ميديا.. أن ينزل إلى ميدان المواجهة بنفسه.. يحارب الدجل والشعوذة والقبح في الشوارع والعقول والوجدان. يحارب الثقافة الذكورية التي تؤدي إلى حرمان ٥٨% من  المصريات من ميراثهن الشرعي..
يواجه مشايخ السلفية الذين سطحوا الدين وزنزنوه في أدعية وأذكار ونقاب ولحية.. ولاشيء عن معاجن الغش في لجان الامتحانات.. ولاشيء عن الخفير "الشيخ" غالب الذي تزوج ٩ وأنجب ١٧.. وحين واجهته شهر في وجهي لافتة هذا هو الدين !!
..
مرة كنت أتحدث مع أستاذي الكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسى حول أحد المؤتمرات الثقافية التي ستنظم من قبل المجلس الأعلى للثقافة.. فقال أننا نخلط بين الندوة والمؤتمر..الندوة تعقد لمناقشة ظاهرة أو تطور ما ورصد كل أبعاده وتأثيره..
أما المؤتمر فيعقد لبحث مشكلة ينبغي مواجهتها والبحث عن حلول لها.. 
...
وها نحن  نعاني من عشرات الإشكاليات التي تستوجب تنظيم مؤتمرات للبحث عن حلول لها..
لكن ثمة مشكلة.. أراها أكثر المشاكل إلحاحا الآن.. وفي حاجة إلى تنظيم مؤتمر عاجل.. اليوم.. قبل الغد..
مؤتمر ينظمه  المجلس الأعلى للثقافة.. الهيئة العامة لقصور الثقافة.. اتحاد الكتاب.. 
وليكن عنوان هذا المؤتمر:
"مؤتمراتنا الثقافية.. من أكلة جمبري وشنطة إلى خط دفاع أول عن دماغ المصريين"!!