رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سدنة هياكل الخرافة والعنف

 

الخرافة الشائعة المعتادة أكثر قبولًا للعقل البسيط من الحقيقة الواضحة، وتألفها النفس وتستروح لها أكثر من كل جديد وغريب ولو كان نافعًا مفيدًا.

وصدق المثل القائل، إن التكرار على الآذان له مفعول أمرّ من السحر، فنفور النفس من جديد معقول مفهوم.

وأصعب المراحل التى يمر بها الإنسان هى مراحل التحوّل من الطفولة للرشد، وتكون معاناة الكائن البشرى بالمراهقة والبلوغ للتحوّل من كونه طفلًا أو طفلة ليصير رجلًا رشيدًا أو امرأة رشيدة من أكثر مراحل العمر عنفًا وجموحًا وتطرفًا.

كذلك الشعوب التى تعانى من نسق أفكار خرافية متخلفة وتسعى نحو نسق جديد يتطلع للعقلانية والإنسانية، هذا السعى بالطبيعة ملىء بالمعاناة والتوتر ويواجهه سدنة هياكل الوهم والخرافة مقاومة مستميتة، فلا ينفكون يهاجمون كل متطلع للنسق الجديد بكل خبيث مستبشع.

وتكون آلياتهم فى ذلك آليات نفسية مستميتة بالدفاع عن وجودهم المنبثق عن مصداقية خرافاتهم المدمرة لوعى الجماهير والموظفة لهم توظيفًا ضد مصالحهم ومستقبلهم.

والخرافة دومًا تدمر الجماهير المستسلمة لها، وتشوه الوعى العام وتحوّله لصالح طبقة معينة مستفيدة، تلك الطبقة المستفيدة من سدنة هياكل الوهم تقاتل فى سبيل مصالحها الذاتية المعنوية والمادية قتالًا مستعرًا وتشكل فى سبيل ذلك:

أولًا، حملات منظمة لتشويه دعاة العقلانية والإنسانية وتكفيرهم وتجهيلهم وتحريض الرعاع والهمج عليهم، وهذا التشويه يستخدمون له أحيانًا دور العبادة ومنابر الدولة للأسف الشديد وهم لها كارهون مبغضون، ويرفعون شعارات النهضة والحرية وهياكل وهمهم لم تعرف سوى العبودية والتخلف.

ثانيًا، تشكيل تنظيمات وتشكيلات عصابية إرهابية تريد البطش بكل داعية للإصلاح مهما كان هذا الداعية صغيرًا أو كبيرًا، وتستحل من أجل الدفاع عن هياكل الوهم دماء دعاة الإصلاح من سياسيين ومفكرين وأدباء وفنانين، وما مقتل الرئيس محمد أنور السادات منّا ببعيد، وهو الرئيس المؤمن، وكذلك قتل الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصرى الأسبق، وكذلك عدد من رجال القضاء والجيش والشرطة فى سبيل الدفاع عن هياكل الوهم، وكذلك قتل شهيد الفكر الدكتور فرج فودة، وطعن أديبنا العالمى نجيب محفوظ لقتله وهو المصرى والعربى الوحيد حتى الآن الحائز على جائزة نوبل فى الآداب، ومحاولات بالعشرات بل الآلاف لقتل الكثير من الأبرياء من أجل الحفاظ على هياكل الوهم والخرافة المميتة لأى أمل لنا فى نهوض أو لحاق بالأمم التى سبقتنا.

ثالثًا، استراتيجية النفاق والتسلل داخل مؤسسات المجتمع للسيطرة عليها من داخلها ومحاولة جعل هياكل الوهم محببة للسذج والبسطاء.

كل هذه الاستراتيجيات الماكرة والمجرمة تستلزم من طليعة مجتمعنا اليقظة مواجهة كالتى قامت بها دولتنا أيام مشروع بإشراف الراحل العظيم دكتور جابر عصفور ومشروعه التنويرى لمواجهة الإرهاب فى التسعينيات الذى للأسف لم يستمر، ونريد من دولنا العربية كلها عمل مشروع قومى ثقافى لإزالة هياكل الوهم والتخلف والإرهاب أكبر من مشروع الراحل جابر عصفور الذى شمت فى موته سدنة هياكل الوهم والخرافة، كما يشمتون فى رحيل كل شخص مصلح تنويرى بنفس المستوى الذى يؤلهون ويقدسون به سدنة الوهم والخيانة الذين يفرحون ويشكرون أصنامهم عندما تُهزم مصر وتنهار فى حرب ١٩٦٧ أو غيرها من إخفاقات حدثت فى تاريخ الوطن، فمذهبهم الشماتة ودينهم الحقد على كل مختلف ولو كان يريد بهم الخير والوعى والحياة فلا يقابلونه إلا بالشر والجهل والموت.

والسؤال الآن: كيف يمكن عمل خطة حقيقية لمكافحة سدنة هياكل الوهم من متطرفين وإرهابيين بمنهج ثقافى فكرى رصين وليس بمواجهة أمنية قانونية فقط؟، وهذا حديث قريب آخر.