رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نفذن من الحائط الشفاف؟

كثيرات وقفن أمام عوائق وُضعت لتمنعهن من مواصلة المسير، لم يستطعن التعرف على ماهيتها، لكن استطعن تجاوزها واستكمال الطريق.. فى كتاب «المرأة الثالثة» لـ«جيل ليبوفيتسكى»، الذى ترجمته دينا مندور وصدر من المركز القومى للترجمة ٢٠١٢.

سمّى «ليبوفيتسكى» تلك العوائق بالحاجز الشفاف، حيث إن محدداتها هى أعراف ضمنية تحدد المساحات المسموح للنساء بالتحرك داخلها أو الترقى إليها، بينما لا توجد لوائح ولا قوانين صريحة تمنع ذلك. 

صانعات المسرح فى مصر هن الأقل فرصًا رغم كفاءتهن والأقل تمكينًا بالمقارنة بأنواع أخرى من الفنون، ليس فقط فى مجالات الفن والإبداع المسرحى والتمثيل المتوازن فى اللجان والمجالس، بل أيضًا فى مجال الإدارة المسرحية، فمديرات المسارح صِرن عملة نادرة فلن تجد سوى واحدة أو اثنتين على الأكثر يتم تعيينهن كمديرات للمسارح فى مصر منذ عقود.. وهذا على الرغم من توافر خبرات إدارية مجهزة ومهيأة لهذا الدور، ولا لوائح أو قوانين تمنع ذلك، فقط حائط شفاف يحول دون وصولهن.

مَنْ منّا يستطيع أن ينسى أو يتجاهل تجربة الدكتورة هدى وصفى فى إدارة مركز الهناجر للفنون.. وهدى وصفى هى واحدة من أبرز الشخصيات الثقافية البارزة فى مجال الفنون والآداب، تقلدت العديد من المناصب، وحصلت على العديد من الجوائز كان آخرها جائزة الدولة التقديرية فى مجال الفنون.

هدى وصفى تعد صاحبة تجربة الإدارة المسرحية الأبرز فى الـ٣٠ سنة الأخيرة، حيث تولت الهناجر ولم يكن قد تشكلت هويته كمركز للفنون ودار عرض مسرحى.. ذهبت إلى أوروبا على نفقتها الخاصة لتحصل على تدريب فى الإدارة الثقافية، قبل أن تتسلم إدارة الهناجر، أدركت أن إحدى أهم ركائز التسويق للفنون هو إدراك الفئة المستهدفة وسماتها، فأدركت فئتها المستهدفة جيدًا وخصائصها.. إنهم «الشباب»، شباب جيل التسعينيات فى ذلك الحين، هذا الجيل المتمرد الذى فكك وأعاد ترتيب العالم وفقًا لرؤيته التى تحمل أفكارًا وجماليات لا تشبه ما كان سائدًا وقتها.. أدركت فجعلت الهناجر ملتقى ثقافيًا لفنانى وأدباء جيل التسعينيات من مسرحيين وتشكيليين وروائيين.. إلخ.. الحوار مفتوح والفرص غير مقيدة بحسابات غير فنية، استقدام خبراء أجانب من مختلف أنحاء العالم ليصقلوا مواهب الشباب بالتدريب على تقنيات وجماليات المسرح الحديثة، فقد استطاعت هدى وصفى فى التسعينيات وحتى ٢٠١٠ أن تحقق فى الهناجر لونًا من المسرح الجاد المغاير جماليًا وفكريًا للسائد، مسرح قدم للفن أسماء لامعة مثل: خالد الصاوى- محمد أبوالسعود- كريم التونسى- عفت يحيى- هانى المتناوى- عبير على- نورا أمين- خالد صالح- معتزة عبدالصبور- سلوى محمد على- مصطفى شعبان- منال إبراهيم- رامى إمام- خالد سرحان، والعديد من النجوم وقتها الذين كانوا يبحثون عن فرصة للوقوف على خشبة مسرح الهناجر.

فتحية للأستاذة الدكتورة هدى وصفى التى استطاعت أن تنفذ من الحائط بإرادتها القوية وبالبحث والعلم، وتركت لنا تجربة استثنائية فى الإدارة يجب أن يستلهمها كل مديرى المسارح.